هآرتس: في إسرائيل والشتات، يهود يهاجرون ويبحثون عن مكان أكثر امنا
هآرتس 11/9/2024، لي يارون: في إسرائيل والشتات، يهود يهاجرون ويبحثون عن مكان أكثر امنا
ايما ميغن توكتالي لم تفكر في أي يوم بمغادرة اسرائيل. ولكن في شهر آب الماضي قامت هي وزوجها آموتس بحزم كل امتعتهم ووجدوا شقة مؤقتة في تايلاند، وهاجرا مع ولديهما في رحلة باتجاه واحد. هم لا يعرفون أين سيعيشون بعد ذلك، وهل سيعودون ومتى. ميغن تعرف أنه فقط في جيل الاربعين، بعد سنوات من مواجهة الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد شعرت أنه يجب عليها ايجاد مكان آخر لعائلتها، على الاقل لفترة معينة.
بالنسبة لدرور سدوت (29 سنة)، التي غادرت مع زوجتها في تشرين الثاني الماضي، الانتخابات الاخيرة والمظاهرات ضد الانقلاب كانت نقطة الانكسار. “الجميع تظاهروا باسم الديمقراطية دون التحدث عن الاحتلال، وهي الامور التي كانت في قلب اليسار واصبحت امور مهملة والحرب فقط سرعت العملية”، قالت. وهي ايضا لم تعرف عن المستقبل. “لكن اسرائيل لا يمكن أن تكون وطني في هذه الاثناء”، قالت.
جونثان روغل (48 سنة)، وهو مهندس في شركة الهايتيك “الطب الحيوي”، الذي هاجر من واشنطن في شهر نيسان الماضي، فان المذبحة في 7 اكتوبر بالذات اقنعته بأن يستقر في اسرائيل. من بيته الجديد في تل ابيب قال “أنا اشعر بأنني متصل وآمن”. ولكنه اعترف بأنه منذ قدومه الى البلاد وهو يقلق على مستقبل الديمقراطية ويشارك في المظاهرات ضد الحكومة وهو مع صفقة التبادل.
هذه القصص تجسد منحى يظهر ايضا في معطيات المكتب المركزي للاحصاء وشركات متخصصة بموضوع الهجرة، وعشرات المقابلات التي قامت “هآرتس” باجرائها. “منذ 7 اكتوبر عشرات آلاف اليهود في اسرائيل وفي الشتات غادروا وطنهم بحثا عن مكان أكثر أمنا، سواء كان الدافع هو الخوف من الحرب وانهيار الديمقراطية ومعارضة الحكومة وغلاء المعيشة أو الخوف من اللاسامية والتضامن مع اسرائيل – يبدو أن يهود القرن الواحد والعشرين يعودون للترحال.
ثلاثة اجيال على متن طائرة الى الخارج
ايلان رفيفو (50 سنة) من رمات هشارون، ولد في مجال اعمال اعادة التوطن. الشركة التي يديرها الآن، “يونفيرس ترانزيت”، قام بتأسيسها والده اسحق، مهاجر من فرنسا في نهاية الثمانينيات، لتقديم خدمات النقل واعادة توطين اليهود من فرنسا. في البداية، قال رفيفو، التوجه كان واحد، الى اسرائيل. ولكن في التسعينيات بدأ المشروع التجاري العائلي يوفر الخدمات ايضا للاسرائيليين الذين قرروا المغادرة اثناء موجة الارهاب في حينه واستمرت الى بداية سنوات الالفين والانتفاضة الثانية. بعد ذلك بدأت الشركة تعرض خدمات للعثور على عقارات في الخارج والمساعدة في ايجاد مدارس واستصدار التأشيرات.
دائما الناس قاموا بالمغادرة. ولكن منذ خطوات الاصلاح القانونية لاحظنا زيادة كبيرة”، قال رفيفو واشار الى أن هذا التوجه تعزز منذ 7 اكتوبر. “قبل بضعة اسابيع قمنا بنقل عائلة كبيرة من كريات موتسكين الى اسبانيا، 20 شخص تقريبا، والدين كبار في السن واولاد واحفاد، ثلاثة اجيال. وقد شاركونا حزنهم وقالوا إنهم تعبوا من الحياة هنا، وتحدثوا عن الانقلاب النظامي والوضع الاقتصادي والخوف من أنه لم يعد هناك مكان للعلمانيين الليبراليين في البلاد وأن الوضع سيسوء”.
رفيفو تحدث ايضا عن ارتفاع عدد طلبات المساعدة في اعادة التوطين. “عائلات كثيرة شابة مع اولاد صغار وعدد كبير من سكان مركز البلاد، بعضهم تم اخلاءهم من الشمال”، قال. ضمن امور اخرى الشركة ساعدت مجموعة تتكون من 30 عائلة، 100 من الآباء والاولاد، في الانتقال الى سالونيك. “معظم مقدمي الطلبات هم اشخاص ما زالوا يجلسون على الجدار، ويهتمون بالتكلفة ويصدرون جوازات سفر اجنبية ويفكرون بالمغادرة، لكنهم لم يقرروا بعد”.
الوضع الذي وصفه رفيفو ينعكس ايضا في معطيات محدثة للمكتب المركزي للاحصاء، التي يتبين منها أن عشرات آلاف الاسرائيليين غادروا البلاد في السنوات الاخيرة. حسب المعطيات فان الـ 42185 اسرائيلي الذين غادروا بين تشرين الاول 2023 وآذار 2024 لم يعودوا حتى شهر تموز. هذه زيادة 12 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. في تشرين الاول 2023، الشهر الذي حدثت فيه المذبحة، الارتفاع كان دراماتيكي، 12300 شخص غادروا ولم يعودوا حتى الآن، ارتفاع 400 بالمئة مقارنة بتشرين الاول 2022.
موجة الهجرة التي بدأت في الصيف قبل الحرب، كرد على خطة الانقلاب النظامي…الـ 34500 اسرائيل الذين غادروا بين تموز وتشرين الاول 2023 لم يعودوا حتى نهاية شهر أيار، ضعف العدد مقارنة بنفس الفترة في السنة السابقة.
حسب اقوال المحامي ليعام شفارتس، رئيس قسم اعادة التوطين في دائرة احكام العمل واعادة التوطين في مكتب غولدبرف زلغمان وشركاءه فانه منذ بداية الحرب حدثت زيادة 40 في المئة على الطلبات المقدمة للمكتب من اجل المساعدة في اصدار تأشيرات لاعادة التوطين في امريكا، بالاساس من شركات تجارية. “هناك شركات سايبر وهايتيك، التي اعتباراتها أمنية”، قال. “هي تدرك بأنه اذا اندلعت حرب في الشمال ايضا فانه سيتعين عليها نقل اقسام كاملة. شركات اخرى ترد على الضغط المتزايد للعاملين الذين يريدون الانتقال. والنوع الثالث هم الذين لا يريدون العودة. نحن واجهنا عشرات الطلبات من العاملين في مستويات مختلفة، الذين يبحثون عن طريقة للبقاء في الولايات المتحدة. فقط في مكتبنا عالجنا مئات طلبات اعادة التوطين من شهر تشرين الاول، هذا هو الرقم الاعلى الذي اتذكره منذ سنوات”.
حسب اقوال آشر تورئيل، مدقق حسابات متخصص في ضرائب الهجرة، فانه منذ تشرين الاول الكثير من الاسرائيليين طلبوا الاستشارة في موضوع تحويل الاموال، بما في ذلك اموال الاستثمار والتقاعد، الى الخارج. “التغيير يتم الشعور به بشكل كبير جدا”، قال.
نوعام شني، الخبير في الجينات الوراثية، عمل في مجال التكنولوجياالحيوية مدة ثلاثين سنة قبل مغادرته هو وزوجته اليس، التي كانت نائبة المدير العام للتسويق والمبيعات. القرار جاء اثناء الاجازة في 2017. “على شاطيء في تايلاند ادركنا بأننا لا نريد العودة”، قال شني. “الوضع لم يكن سيء بالنسبة لنا في البلاد ولكننا اردنا التغيير. بحثنا عن مكان قريب من العائلة ومن الاولاد والاحفاد، وجدنا قبرص”.
الآن الشركة التي قاموا بتأسيسها قبل سبع سنوات تبيع العقارات في بابوس، وترافق عشرات الاسرائيليين في عملية اعادة التوطين في الجزيرة الصغيرة التي يعيش فيها نحو 10 آلاف اسرائيلي. “المسافة عن البلاد ساعة سفر. المكان هنا جذاب جدا للاسرائيليين”، قال شني. “نحن نقوم ببناء هنا احياء جديدة، مدارس للاولاد الاجانب، والطلب اكثر من العرض”.
بؤرة جذب اخرى في بابوس هي امكانية الحصول على مواطنة دائمة حتى لمن ليس مواطنا اوروبيا، بواسطة شراء عقار بمبلغ 300 ألف يورو. “يوجد اسرائيليون يريدون مكان ليهربوا اليه”، قال شني. “اليوم يهتمون بشكل اقل بالاستثمار واكثر بخطة احتياطية يتم اعدادها مسبقا في حالة أن الوضع في البلاد أصبح اكثر خطرا”.
في مجموعة نساء اسرائيليات، التي تديرها اليس في بابوس، كان فيها قبل اربع سنوات 20 عضوة. الآن اصبح العدد 200. “معظم الذين يأتون منذ الحرب هي عائلات مع اولاد وشيوخ، يحركهم الخوف الوجودي والخوف من المستقبل ومن الاخطار في البلاد ومن اليأس”.
ارتفاع عدد طالبي الهجرة
هناك من يختارون بالذات القدوم الى اسرائيل في هذه الفترة. يصعب معرفة عدد المهاجرين في اعقاب 7 اكتوبر، لأن عملية الهجرة تستغرق بضعة اشهر. ولكن عدد ملفات طلبات الهجرة الى البلاد، التي تم فتحها بمساعدة الوكالة اليهودية ومنظمة “روح لروح” التي تساعد على الهجرة في امريكا الشمالية، يتبين منها الاهتمام المتزايد بالهجرة الى البلاد. في الـ 15 سنة الاخيرة بلغ عدد اليهود من امريكا وكندا الذين قاموا بفتح ملفات للهجرة، 4300 في السنة؛ منذ 7 تشرين الاول وحتى حزيران الماضي يقولون بأنه في منظمة “روح لروح”، تم فتح 10500 ملف تقريبا، ضعفين ونصف. الامر يتعلق بعملية تحتاج الى طلبات كثيرة، حيث من غير المعقول أن اشخاص يبدأوا بها اذا لم تكن لديهم نية جدية للهجرة الى البلاد.
نماذج الطلبات التي قدمت لمنظمة “روح لروح” تدل على الاسباب التي تجعل مقدمي الطلبات يبدأون بالعملية الآن بالذات. “الهجمات الاخيرة ضد اسرائيل وارتفاع اللاسامية في امريكا عززت قرار أن نكون مع شعبنا”، كتب واحد منهم. آخر كتب بأنه دائما طمح الى الهجرة الى البلاد، وأنه “في 7 اكتوبر كل شيء تغير، والتوق اصبح هدفا. قلبي قال لي بأنه يجب أن اكون مع ابناء شعبي”. شخص آخر كتب “في اعقاب الاحداث المأساوية في عيد العرش الاخير أنا اشعر بأنه يجب علي العودة الى جذوري”.
المزيد من الاشخاص كتبوا بأنهم يشعرون أن امريكا لم تعد آمنة، ولا يرون فيها مستقبل لهم أو أنهم يشعرون بعدم الاستقرار. ولكن المبرر السائد هو التضامن مع اسرائيل”، قال زئيف غيرشنسكي، وهو نائب المدير العام لمنظمة “روح لروح”. بعضهم شباب يريدون التجند بدلا من التعلم”. من تحليل البيانات يبدو أن الحديث يدور عن امريكيين كانت دائما لهم صلة قوية باسرائيل، التي تعززت مع الحرب وخلقت الالحاحية والرغبة في دعم الدولة من الداخل”.
حسب اقوال البروفيسور اسحق ساسون، الخبير في الهجرة في قسم علم الاجتماع والانسان في جامعة تل ابيب، عدد المغادرين يمكن أن يتضاعف مرتين أو ثلاث مرات في السنوات القريبة القادمة، بالاساس في اوساط الشباب. “هذا ما يحدث في الدول التي مرت بعملية قمع سياسية. هنغاريا التي يشبه عدد سكانها عدد السكان في اسرائيل فقدت 400 – 800 ألف من مواطنيها في العقد الماضي”، قال ساسون. “في اسرائيل هناك مئات الآلاف الذين يؤثرون بشكل كبير على الاقتصاد والاكاديميا، واذا غادر كثيرون منهم فالضرر يمكن أن يكون غير قابل للاصلاح”.
اضافة الى ازدياد عدد المغادرين ساسون يتوقع ايضا انخفاض كبير في عدد السكان الذين سيعودون. “حسب جميع الابحاث الشخص مستعد لدفع ثمن الهجرة اذا كانت الفائدة تفوق ثمن البقاء في الدولة. الثمن في اسرائيل باهظ، وهو سيزداد كلما استمرت الازمة الاقتصادية والاجتماعية والامنية. عندما الحكومة تدفع بالناس الى الخارج هم سيغادرون في نهاية المطاف. لا يجب أن يغادر مليون اسرائيلي مرة واحدة، حتى عدد اقل من ذلك بكثير سيولد ضرر كبير”، قال.
في المقال الذي نشره معهد بحوث الامن القومي في تل ابيب، ساسون والبروفيسور اليكس فاينراب من مركز تاوب، كتبا بأن “اسرائيل تقف امام انعطافة ديمغرافية”. وقد وصفا منحى المغادرة كظاهرة مقلقة، لأنه “يوجد اساس للافتراض بأن من يغادرون هم رأس مال بشري نوعي، ومغادرتهم تعرض للخطر استمرار النمو الاقتصادي في اسرائيل”.
بالنسبة لمغين توكتالي فان الحياة في اسرائيل اصبحت حياة قاسية جدا. “في السنوات الاخيرة تعرضنا الى ضربات كثيرة، بدءا بالكورونا ومرورا بالنضال من اجل الديمقراطية وانتهاء بـ 7 اكتوبر الذي فيه فقدنا الكثير من الاصدقاء في حفلة نوفا”، قالت. “أنا اغادر، على الاقل الآن، ليس لأن بيبي في الحكم، بل لأنني اشعر أنه لا يوجد لي مكان في المجتمع الاسرائيلي، الذي فيه قيمة الحياة تآكلت، واشخاص مثلي يعتبرون عائق أمام جهود الحرب بالنسبة للنظام. أنا أقوم بتعويد نفسي على وضع الترحال وليس على وضع الجذر الراسخ. ربما أن الوطن هو في الداخل وليس في الخارج”.
خلافا لها روغل يشعر بأنه كيهودي لا يوجد له وطن آخر. “بعد الكارثة قلنا: لن يتكرر هذا الى الأبد. ولكني اشعر بأن هذا يتغير”، قال. “اشعر بأن الدولة اليهودية الوحيدة في العالم هي المكان الوحيد الذي سأشعر فيه بالأمن حقا. حتى مع وجود الصواريخ والحرب”.
سدوت وشريكتها الزوجية تعيشان الآن في حي نويكلن في برلين، الى جانب جيران آخرين هربوا من الشرق الاوسط، لبنانيون، اتراك، سوريون وفلسطينيون. هم يتظاهرون معا من اجل وقف اطلاق النار. الاثنتان لا يخططن للعودة في القريب. ولكن سدوت التي كانت في السابق المتحدثة باسم بتسيلم والمتحدثة باسم عضو الكنيست ايمن عودة، لا تزين الهجرة. “يجب تعلم اللغة مثلما في الصف الاول، وايجاد شقة وعمل، يوجد اشتياق وقلق على الاصدقاء والعائلة”، قالت. “لكن في هذه الاثناء المهم بالنسبة لنا هو امكانية التنفس. أنا اشعر أنني اكثر أمنا هنا”.
هناك شيء يحرر في أن تكون في محيط فيه موقفك هو الشرعي. وأن تكون في مظاهرات ضد الحرب مع آلاف الاشخاص. في البلاد كنت اشاهد الافلام الفظيعة من غزة، وفي الخارج في كل مكان كان هناك “معا سننتصر”، حيث من الواضح لك أنك لست في هذا “معا” وأن لا أحد سينتصر. هذا يعني أن تعيش واقع مواز، هذا يمثل انكسار للقلب”.