ترجمات عبرية

هآرتس: فيلم “البحر” يظهر الى أي درجة يتدهور الاحتلال الاسرائيلي

هآرتس 9/11/2025، جدعون ليفي: فيلم “البحر” يظهر الى أي درجة يتدهور الاحتلال الاسرائيلي

 طفل صغير يتجول تائه في شوارع تل ابيب، يحمل حقيبة مدرسية على ظهره، يوقف المارة ويقرأ بعبرية مترددة من ورقة مكتوبة له بحروف عربية: عفوا، أين البحر؟. نظراته فارغة، خائفة. هو غريب، وحيد، في المدينة الكبيرة. قبل بضعة ايام نزل من حافلة طلاب لمدرسته، حيث حصلوا على تصريح للذهاب الى البحر لاول مرة في حياتهم. لم يكن لخالد هذا التصريح، فسمح له جندي في الحاجز بالنزول. خالد قرر الوصول الى البحر لوحده. هذه هي حبكة فيلم شاي بولاك كرميلي الرائع بعنوان “البحر”، الذي تم عرضه في دور السينما في نهاية الاسبوع الماضي، ومثل اسرائيل في احتفال توزيع جوائز الاوسكار.

 في اليوم التالي حصلنا على عدد من الجوائز. وقد هاجم الفيلم وزير الثقافة ميكي زوهر، بادعاء ان الفيلم يصور جنود الجيش الاسرائيلي الابطال بطريقة تشهيرية وكاذبة. زوهر لم يشاهد الفيلم، وقد مرت فترة طويلة منذ قدم فيلم اسرائيلي خدمة اعلامية كهذه لاسرائيل. هو يعرض الاحتلال قبل 7 اكتوبر، الذي لم يعد موجود الآن، ويقدم اسرائيل الانسانية نسبيا، والتي هي ايضا لم تعد موجودة. وحتى جنود الوزير الابطال على الاطفال الصغار يتم تصويرهم في الفيلم كقساة بدرجة اقل مما هم عليه الآن. انظروا ما حدث لهم وماذا حدث لنا منذ ذلك الحين. لا حاجة الى الاكثار من الحديث عن ظلامية عالم الوزير. بالنسبة له أي فيلم يظهر طفل فلسطيني وجندي هو فيلم كراهية. “البحر” هو فيلم صنع بمحبة، وانساني واداء الممثلين فيه رائع. تل ابيب الجميلة في الفيلم تشفق على الطفل ووالده الذي يمكث في اسرائيل بشكل غير قانوني، والذي خرج للبحث عنه. ما كان لذلك ان يحدث الآن. فيلم “البحر” يذكرنا بدرجة تدهورنا منذ 7 اكتوبر، الى درجة انه حتى فيلم عن الاحتلال يثير فينا الاشتياق الى احتلال آخر.

 لو ان خالد يتجول الان في شوارع هذه المدينة الكبيرة، فانه بدلا من ان يدله الناس على الطريق الى البحر فان المواطنين القلقين كانوا سيستدعون على الفور الشرطة. طفل فلسطيني في تل ابيب مضطر أن يكون مخرب. لم تعد هناك الآن حافلات لطلاب فلسطينيين ياتون الى البحر. هم يمكنهم فقط الحلم به مثلما يقول السجناء في السجون بان البحر يظهر دائما في احلامهم. الطفل الذي يعيش على بعد نصف ساعة سفر عن البحر لم تعد له أي احتمالية للوصول اليه. ايضا رجال الشرطة الذين يعتقلون والده “الماكث بشكل غير قانوني”، لم يكونوا ليتصرفوا معه بهذا الشكل. هو كان سيتم ضربه واهانته على الفور حتى من قبل المارة. لم يعد هناك أي عمال فلسطينيين في تل ابيب، وبالتاكيد ليس هناك من لديهم صداقات يهودية كما يوجد لربحي، الأب المدهش الذي يفطر القلب في الفيلم.

 حسب منطق وزير الثقافة وامثاله فان فيلم يظهر الفلسطينيين كبشر هو فيلم يشهر بجنود الجيش الاسرائيلي. الوزير على حق: اذا كان الفلسطينيون بشر فكيف يمكن التعامل معهم بهذه الوحشية؟. في طفولتي عندما كان الراديو يبث الانغام فان نغمة اغنية “البحر المسحور” لمارتن ديني في 1959 على صوت طيور النورس في الخلفية سحرتني، وحتى انني كنت اذرف الدموع. اطفال الضفة الغربية لا يملكون بحر، مع انهم يعيشون على بعد مسافة قصيرة منه. لقد كان لهم بحر، صحيح انهم اضطروا الى الحصول على تصريح من سلطات الاحتلال من اجل السياحة في المياه، وصحيح انهم انزلوا الاطفال من الحافلات، لكن بعضهم فقط نجح في تحقيق حلمه الصغير. كان هناك ايضا عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في تل ابيب يعيشون في ظروف صعبة. هذا ايضا انتهى. الان فيلم صور في 2023 ينجح في اثارة الحنين. لقد اصبح الاحتلال قبل سنتين يمثل الحنين الى الماضي. أنا اعرف غزيين كانت افضل سنواتهم هي السنوات التي قضوها في مخازن الاسواق في اسرائيل، في ظروف غير انسانية. كل ما حدث لهم منذ ذلك الحين اكثر قسوة بكثير.

 فيلم “البحر” هو فيلم الحنين الى الماضي، هو يظهر الى درجة يتدهور الاحتلال الاسرائيلي بسرعة. ذات يوم ربما سنشتاق ايضا الى الابادة الجماعية في العام 2025.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى