هآرتس: غزة ستقرر مستقبل الشرق الأوسط
هآرتس 2023-10-21، بقلم: عوفر شيلح: غزة ستقرر مستقبل الشرق الأوسط
تضاف زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إسرائيل إلى سلسلة خطوات غير مسبوقة للإدارة الأميركية منذ السبت الماضي: الإعلان الفوري عن إرسال حاملة طائرات إلى المنطقة، وبعد ذلك إرسال حاملة أخرى، والتصريح الصريح لبايدن بأن من سيوسع ساحة المواجهة سيواجه ليس فقط إسرائيل، بل أيضا الولايات المتحدة، التي تظهر الاستعداد لاستخدام القوة الأميركية وليس التلويح بها فقط للردع، والقطار الجوي للمساعدات العسكرية لإسرائيل الذي كان في حرب “يوم الغفران” (في وضع أسوأ بكثير من ناحيتنا).
لا ينبع كل ذلك فقط من الصدمة من أعمال الذبح الفظيعة التي قامت بها “حماس”، أو الخوف من أن إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها، بل يدل ذلك على رؤية واسعة للولايات المتحدة التي كانت إشارتها الأولى الجهود التي بذلتها من اجل التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية حتى قبل الحرب. إذا كانت إسرائيل تريد ليس فقط توجيه ضربة شديدة للقدرة العسكرية لـ”حماس” وحكمها، بل أيضا تريد تحويل الإنجاز إلى إنجاز ثابت، وتقديم إجابة حقيقية للمرة الأولى منذ سنوات على الشلل الاستراتيجي الذي وصلت إليه، فإنه يجب عليها تبني الرؤية التالية: حرب غزة يجب أن تكون الحدث التأسيسي لشراكة حقيقية في الشرق الأوسط والتي ستغير وجهه.
منذ الانسحاب أُحادي الجانب من قبل الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي من خلال الدفع الكثيف من قبل نتنياهو، طورت إيران استراتيجية جديدة لترسيخ مكانتها كدولة عظمى إقليمية. في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل منشغلة بتشغيل وبناء قوة من خلال رؤية ضيقة للإحباط (معركة بين حربين في سورية، واستعدادات لمهاجمة المنشآت النووية في إيران)، أقامت إيران شبكة متعددة الطبقات: دولة عتبة نووية، وافقت المنطقة والعالم عمليا على مكانتها هذه حتى قبل إنتاج القنبلة، والتهديد بإطلاق النار من مسار شديد الانحدار على إسرائيل، وإرهاب من جانب “حزب الله”، “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”. هكذا وجد ما سماه الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، محور المقاومة، الذي لم يكن بحاجة إلى غرفة عمليات موحدة أو إلى أوامر منظمة، بل موجود من خلال مصالح مشتركة، يمكن تحقيقها بدرجة متفاوتة من القوة.
لكن تزويد السلاح الإيراني لروسيا أثناء حربها في أوكرانيا وتدخل الصين في تسخين العلاقات بين إيران والسعودية أصابت لب نظرية الأمن الأميركية، وبعد سنوات ابتعد فيها أوباما وترامب عن منطقة الشرق الأوسط قررت إدارة بايدن العودة إلى المنطقة في إطار ما سمي في الوثيقة التي نشرتها الإدارة “الذخر الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة لنا” – تحالفات وشراكة في أرجاء العالم. هكذا يجب تفسير الجهود الدبلوماسية الأميركية قبل الحرب، والتجند من أجل إسرائيل من بدايتها.
هنا تكمن الفرصة: يجب على إسرائيل أن تعتبر الحرب – وعرضها على الولايات المتحدة وشركائها في المصالح في المنطقة – ليس ساحة محدودة لاستخدام القوة العسكرية، بل عملية مؤسسة لمثل هذه الشراكة. ستدمر إسرائيل “حماس” كقوة عسكرية وكحكم، وستردع الولايات المتحدة الأعضاء الآخرين في “محور المقاومة” عن توسيع الحرب، وجهات مثل السعودية ومصر ودول الخليج والأردن والمغرب ستكون مشاركة، سواء في المساعدات المدنية لغزة بعد الحرب (عبر مؤسسات دولية ومشاركة رمزية للسلطة الفلسطينية) أو في استقرارها لفترة طويلة (في ظل السلطة) من خلال حفاظ إسرائيل على مجال أمن مادي وحرية عمل لإفشال نمو أي قوة معادية.
هذه ستكون الهزيمة الأولى التي سيمنى بها “محور المقاومة”: إبعاد عامل خطير كان يوجد على حدود إسرائيل، وتواجد فعلي لدولة عظمى، وحرية عمل عسكري إسرائيلي وتهديدات أخرى، وبالأساس تأسيس شراكة مصالح من اجل الاستقرار في المنطقة.
ستحل هذه العملية الصعوبات التي أعاقت الاتفاق بين إسرائيل والسعودية: ستكون هزيمة “حماس” مكافأة للسلطة الفلسطينية، وسيحصل الشركاء الآخرون هم أيضا على تحقيق مصالحهم، السياسية والاقتصادية والأمنية، وبالأساس سيكون هذا البديل المفضل لتشكيل إنجاز ثابت للأمن على الحدود الجنوبية. البديل الآخر الذي يتحدث الكثير من الإسرائيليين عنه ولكنهم لا يفهمونه حقا هو السيطرة العسكرية على القطاع مع سفك متواصل للدماء والأضرار السياسية الجسيمة.
مطلوب أيضا تغيير كامل في الوعي: الولايات المتحدة “لا تكبل أيدينا”، بل توضح بأن الشركاء يجب عليهم الاهتمام ببعضهم، ونحن “لا ندافع عن أنفسنا بأيدينا”، بل إشراك شبكة بقوتنا العسكرية، ضمن أمور أخرى، تمثل الإجابة الحقيقية على أمننا، وموقفنا من المواضيع الدولية مثل الحرب في أوكرانيا ستتوقف عن أن تكون تملصا تكتيكيا متلاعبا، بل ستكون وقوفا إلى جانب العالم الليبرالي برئاسة الولايات المتحدة، والفكرة الغريبة التي تقول، إنه من اجل منع قيام دولة فلسطينية يجب تقوية منظمة “إرهابية”، ستنتهي إلى الأبد.
قبل نحو خمس سنوات، عندما كنت عضوا في الكنيست، نشرت هنا مقالا بعنوان “صفقة القرن الحقيقية” (“هآرتس”، 23/12/2018). ليس الصفقة العقارية لإدارة ترامب بل “حلم شرق أوسط يديره حلفاء الولايات المتحدة… عملية إقليمية برعاية أميركية، فيها سيتم تحديد المكان الجدير بإسرائيل في المنطقة”. ذهب نتنياهو في الطريق المعاكس، وحصدنا جميعنا بالدم الكارثة التي زرعها. هل نريد أن نحقق في هذه المرة إنجازا حقيقيا من داخل هذه الفظائع؟ إذاً، هذه هي الطريقة الوحيدة.