هآرتس / عن الثقة التي تآكلت وتآكلت بين اسرائيل والفلسطينيين
هآرتس – بقلم شاؤول أريئيلي – 9/10/2018
قضية الثقة بين اسرائيل ومنظمة التحرير هي أكثر ما يدلل على فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق دائم، بعد عامين من التوقيع على اتفاق أوسلو (إعلان المباديء). فقدان الثقة هو نتيجة الخروقات الشديدة من قبل كلا الطرفين للاتفاق (إرهاب، توسيع مستوطنات وغيرها). لقد وجد تعبيره في الزيادة في عدد الصفحات التي أضيفت لكل اتفاق، من أجل منع العمل حسب التفسيرات الشاذة عن روح الاتفاق؛ بإضافة اتفاقات (اتفاق الخليل، مذكرة واي ريفر) من أجل إعادة صياغة أكثر تفصيلاً وشرحاً للمواضيع التي سبق واتفق عليها؛ وبالانحراف الآخذ في التزايد في البرنامج الزمني الذي حدد في تطبيق كل واحدة من المفاصل الأساسية في العملية.
علاوة على ذلك، فإن أقوال المعارضين لكل عملية سياسية مع الفلسطينيين بمقالات ومقابلات في ذكرى الـ 25 عام على الاتفاق – محاولتهم لوصف اتفاق اوسلو كمآمرة متعمدة من قبل عرفات منذ البداية، هو إعادة كتابة سياسية للتاريخ. الادعاء بأن هذه المؤآمرة استهدفت الحصول على ثقة رابين وبيريس، وأن ذهاب الفلسطينيين للمفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية استهدفت فقط إعادة اسرائيل “للحدود الضيقة التي سبقت حرب الأيام الستة، وفيما بعد تجديد هجوم التدمير على الدولة اليهودية من هذه الحدود”، كما كتب نتنياهو، ليست سوى قلب للتاريخ.
نقطة الضعف الأساسية لاتفاق أوسلو هو كونه إطاراً تدريجياً متعدد المراحل، والذي ينقصه المعايير لتحديد الوضع الدائم، باتثناء قرار مجلس الأمن 242 (“الارض مقابل سلام”). أي أن الأطراف وقعوا على اتفاق “مثقّب كجبنة سويسرية”، والذي أخرجهم إلى رحلة دون تحديد هدفها النهائي. التفسير المختلف الذي يعطيه كل طرف للاتفاق والوضع الدائم الذي رآه في خياله، هو ما أوجد الخروقات من قبل الطرفين ودمر الثقة بينهما، خروقات كانت في أساسها محاولات من قبل الطرفين لتشكيل واقع يخدم رؤيتهما.
في هذا الصراع شاركت الأطراف الممثلة الرسمية – حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير- ولكنهم مكنوا المعارضين للاتفاق بأن يشاركوا فيه تحت حجة الافتراض الذي خيَّب الآمال، بأنه يمكنهم السيطرة عليهم والتحكم بـ” ارتفاع ألسنة اللهب التي سيشعلونها”. هكذا وفي عملية دوارة، الخروقات عززت قوة معارضي الاتفاق (فوز حماس في الانتخابات للسلطة الفلسطينية وتشكيل حكومات قومية متطرفة – مسيحانية في اسرائيل)، وهؤلاء عادوا لتأجيج الوضع إلى درجة فقدان الثقة ووقف العملية السياسية.
خلافاً لادعاءات معارضي الاتفاق بأن التدرج في العملية وغياب مخطط نهائي للوضع الدائم خدمت الفلسطينيين في إحياء “نظرية المراحل” – الحقيقة التاريخية معاكسة. إن اختيار عملية تدريجية كان هو رأي رابين منذ فترة ولايته الأولى، قبل حوالي عقدين من أوسلو. في 1977 أعلن: أنا أفضل اتفاقات مرحلية، مع فترة اختبار ما بين المرحلة والأخرى على محاولة التقدم مرة واحدة نحو اتفاق شامل”، “والانتقال إلى سلام حقيقي هو عملية وليس حدثاً لمرة واحدة”. هذه المقاربة تم تبنيها من قبل خليفته مناحم بيغن الذي وَقع في 1978 في كامب ديفد مع السادات على اتفاق الإطار لحكم ذاتي فلسطيني، المشابه لدرجة مدهشة في نفاضيليه لاتفاق اوسلو. بعد سنتين من ذلك كان محزناً أن نكتشف أن رابين اختار اختبار الفلسطينيين ،ولكنه لم يكن قادراً على رؤية امكانية لأن المعارضين لكل تسوية سيستغلون التدرج لكي يضعوا العصي في دواليب العملية السلمية الى أن أضاف أحدهم لذلك ثلاثة رصاصات في ظهره.
الأهم من ذلك هو حقيقة أن الضبابيبة وغياب الهدف النهائي التي فرضت على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت في الحضيض من حيث مكانها وقدراتها، استهدفت خدمة رؤية اسرائيل للتسوية الدائمة والتي كانت معاكسة للرؤية الفلسطينية.
حسب وجهة النظر الفلسطينية، فإنهم أعطوا كل شيء وقاموا بالتنازل الوطني التاريخي والاساسي في 1993. لقد اعترفوا باسرائيل وتنازلوا عن 100 في المئة من وطنهم فلسطين مقابل دولة فلسطينية على 22في المئة منها. ومثل باقي العالم فإن م.ت.ف فسّر قرار 242 كانسحاب اسرائيلي كامل من المناطق التي احتلت في حرب الأيام الستة. بناء على ذلك فإنها رأت في موافقة اسرائيل “على السير نحو الاتفاق النهائي، القائم على قرارات مجلس الأمن 242 و 338” كما ورد في اتفاق أوسلو، الهدف النهائي، الذي سيؤدي إلى انشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطلع غزة عاصمتها شرقي القدس أي ان دور اسرائيل في تطبيق التسوية يبدأ فقط بعد أن أعطى الفلسطينيين ما استطاعوه ولم يتبقى لهم سوى الاعتقاد بأن اسرائيل ستنفذ ما عليها.
بالمقابل، الجانب الاسرائيلي الذي أيد سلطة دويلة محدودة، طالب بأن تكون قاعدة المفاوضات هي مبدأ التسوية المعقولة، والتي تأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي تشكل منذ 1967 وتهتم بالمصالح الأمنية والاستيطانية لاسرائيل. اسرائيل أرادت الانفكاك من “الشرعيات الدولية” التي حددها قرار 242 على صيغة “السلام مقابل كل الأراضي”. هي أكدت على بند آخر من القرار والذي يعنى ب”حدود آمنة ومعترف بها”، من أجل المطالبة و إبقاء أجزاء واسعة من الضفة الغربية تحت سيادتها.
في خطاب في الكنيست في تشرين أول 1995 من أجل المصادقة على الاتفاق المرحلي قال رابين “نحن نريد أن يكون هذا كياناً أقل من دولة: حدود دولة اسرائيل، حتى الحل الدائم، ستكون وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة”.
نتنياهو الذي انتخب في 1996 كتب قبل عام من ذلك “خطة الحكم الذاتي تحت سيادة اسرائيل هي البديل الوحيد”. باراك الذي ازاحه في 1999، رفض استخدام مفهوم “دولة فلسطينية”، ورأى ان هدف الاتفاق هو تقسيم معقول ليهودا والسامرة.
المفاوضات على الاتفاق الدائم والتي بدأت فقط في نهاية 1999،ابرزت الاختلاف المبدئي بين رؤية الطرفين، وشجع الادعاء بشأن المصلحة الاسرائيلية الاساسية في الضبابية والامتناع عن تحديد المخطط الدائم، من ناحية الفلسطينيين فان المفاوضات استهدفت الوصول الى تحقيق حقوقهم كما حددتها ” الشرعيات الدولية”وليس كنتيجة لعدم التناظر القائم مع اسرائيل.بناءً على ذلك فقد طالبوا ان تبدأ المفاوضات بالموافقة على المباديء القائمة على القرارات الدولية، وفقط في مرحلة ثانية تتناول التفاصيل.اسرائيل بالمقابل طالبت الموافقة على التفاصيل حتى في صورة لا تتواءم مع القرارات الدولية. وفي مرحلة لاحقة تقرير ان التفاهمات التي تم انجازها تعبر عن القرارات الدولية.
هذه المقاربة اوجدت مفاوضات، بقي للفلسطينببن فيها التمسك بموقفهم المبدئي في حين ان اسرائيل تغير موقفها من جولة لأخرى.هذا النموذج سرعان ما ولّد اسطورة مرفوضة في اوساط الجمهور الاسرائيلي تقول انه”في كل مرة يعطون فيها شيئا للفلسطينيين فانهم فقط، يطلبون المزيد.
الفلسطينيون لم يطلبوا المزيد بل دائما طالبوا بنفس الشيء، حتى يتم قبول موقفهم من قبل اسرائيل والولايات المتحدة في عملية انابوليس في 2008.في المرحلة الثانية اظهروا مرونة في المواقف وقبلوا فكرة تبادل الاراضي. التي تمكن بقاء معظم الاسرائيليين الذين يسكنون خلف الخط الاخضر تحت السيادة الاسرائيلية. اضافة الى ذلك فإن هذا النموذج من المفاوضات ادى الى تضييع وقت ثمين ومكّن المعارضين في كلا الطرفين من التسبب بتآكل الثقة بين الجانبين عن طريق ارهاب قاتل وتوسيع مشروع الاستيطان.
ان غياب مخطط للحل الدائم في اوسلو والخطوات التي اتخذها الطرفان لتشكيل الواقع حسب رؤيتهم،جبت ثمنا دمويا باهظا وزائدا. الواقع الحالي،حتى وان لم يكن بالامكان معرفة كم من الزمن سيستمر، يخدم اكثر مصالح معارضي الإتفاق في اسرائيل.
اسرائيل تخلت عن مسؤولية ادارة حياة الفلسطينيين ونقلتها للسلطة الفلسطينية، والتي فقط 40 في المئة من االمنطقة واقعة تحت مسؤوليتها وموازنتها قائمة على سخاء الدول المانحة.اسرائيل ضاعفت بثلاث اضعاف عدد الاسرائيليين في الضفة وتتحكم بإقتصادها. مؤخرا هي تحظى بتاييد غير محدود من الادارة الامركية وأعضاء الائتلاف الحاكم لضم اجزاء واسعة من الضفة وانقراض حل الدولتين.
هنالك من يؤمنون بأن “الصفقة النهائية” للرئيس ترامب سيكون فيها ما من شأنه تسوية النزاع. من بين عبر اخرى من عملية اوسلو، ايضا هذه العبرة، فيما يتعلق بالهدف النهائي وبناء الثقة بين الطرفين، يقتضي ان يشكل عمودا اساسيا في كل محاولة مستقبلية.