هآرتس: “عنصر الإهانة” يحرك ايران وهو غير متوقع
هآرتس 5/8/2024، تسفي برئيل: “عنصر الإهانة” يحرك ايران وهو غير متوقع
“اذا كنت تعلمت أي شيء اثناء الكتابة عن الشؤون الدولية فهو أنه اذا كانت هناك قوة، الأقل تقديرا في العلاقات الدولية، فهي الاهانة”، كتب توماس فريدمان في 2003 في مقال بعنوان “عنصر الاهانة”، الذي اقتبس فيه رئيس حكومة ماليزيا في حينه مهاتير محمد، الذي قال في رد على الحرب في العراق ضمن امور اخرى: “الرد الوحيد لدينا هو أن نصبح أكثر غضبا. الاشخاص الغاضبون لا يمكنهم التفكير كما يجب”.
اسرائيل، ايران وحزب الله، وجدوا انفسهم الآن في حرب اهانة، التي يمكن أن تجعلهم “لا يفكرون كما هو مطلوب”. المخابرات مهما كانت ممتازة، يمكنها العثور على غرفة وسيارة المرشح للتصفية، والحصول على معلومات دقيقة في الوقت الحقيقي عن حركته، وأن تجند عملاء لتنفيذ الاغتيال أو اطلاق صاروخ دقيق يصل الى غرفة النوم. ولكن حتى الآن المخابرات لم تنجح، الاسرائيلية والامريكية، في تحديد كيف ومتى سترد ايران وحزب الله على عمليات الاغتيال التي “اعادت لاسرائيل كرامتها”.
اضافة الى ذلك اذا كان من المتوقع اضافة الى عمليات الاغتيال قيمة مضافة على شكل الردع، فان مجرد الخشية من الرد يدل على أن الردع لم يتحقق، ربما العكس. لا يمكن الفصل بين اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، في ايران، وبين رزمة التهديدات الاستراتيجية المرتبطة به، التي تجعل اسرائيل تقوم بقضم الاظافر بانتظار قرار طهران. في السابق كان هناك عدة فرص لاغتيال هنية. حسب تقرير نشر في صحيفة “التلغراف” البريطانية اغتيال هنية تم التخطيط له في شهر أيار اثناء مشاركته في جنازة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، الذي قتل في حادثة المروحية. ولكن بسبب الخوف من المس بعدد كبير من المدنيين تم الغاء العملية.
اذا كان هذا التقرير صحيح واذا كانت توجد نية لتنفيذ عملية الاغتيال في احتفال وطني، جنازة الرئيس، فان عملية الاغتيال الناجحة، رغم أن اسرائيل لم تتحمل المسؤولية عنها، تشير الى أن النية لم تكن فقط ازاحة عدو قاتل من العالم، بل ربما ايضا وقبل أي شيء آخر تحصيل دين كرامة آخر من ايران مقابل الاهانة الكبيرة التي تعرضت لها اسرائيل في هجوم الصواريخ والمسيرات في نيسان، حتى لو كانت اضراره الفعلية ضئيلة.
مقابل “معادلة الرد”، التي تطورت بين اسرائيل وحزب الله، التي ما زالت تملي حدود الرد للمواجهة العنيفة وعمقها وحجمها، فان “معادلة الاهانة” لا يمكن توقعها. لأنه كما قال رئيس الحكومة في ماليزيا بأن “الاشخاص الغاضبين لا يفكرون كما هو مطلوب”. كل محاولة لتحديد بشكل منطقي المعايير التي في اطارها يجري الحوار العسكري المتوقع بين ايران واسرائيل فانه يصعب جدا تحديد حجم تأثير وقوة “عنصر الاهانة”، ليس فقط المتعلق بايران، بل ايضا الذي سيملي رد اسرائيل المتوقع على هجوم ايران.
إن اغتيال اسماعيل هنية عمل على تحريك عدة انفجارات تلقائية، التي يبدو أنه لم يعد بالامكان السيطرة عليها ومراقبتها. للوهلة الاولى هي لم تعد متعلقة بالاتفاق مع يحيى السنوار حول اطلاق سراح المخطوفين، الذي يبدو أنه لم يعد موجود اذا حكمنا على الامور حسب الاقتباسات التي نشرت في “كان 11″ و”اخبار 12” من اللقاء بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء جهاز الأمن والاستخبارات. غزة والمخطوفين فيها اصبحوا قضية ثانوية، اذا لم تكن هامشية، وضرر عرضي للحرب “الكبرى” التي بدأت في الوصول الى نقطة الغليان. مهم فقط معرفة اذا كان رؤساء جهاز الامن، الذين طلبوا من نتنياهو القول بشكل صريح اذا كان ما يزال معني بصفقة التبادل، قد عبروا من قبل عن موقف حازم كهذا ضد عملية اغتيال هنية، الذي مع ذهابه ستتبخر ايضا احتمالية عقد الصفقة. أو أن الفرصة العملياتية والاستخبارية وضعت غشاء على عيونهم وليمت المخطوفون. الرد البليغ لايران على اغتيال هنية يشير الى تغيير جوهري في خطة ايران الاستراتيجية التي تستند الى تأسيس نفس “حلقة النار” التي يمكن أن تحميها من هجوم مباشر في الوقت الذي تشعل فيه البؤر الاقليمية والمحلية. صحيح أن ايران قد تجاوزت في نيسان “حلقة النار” عندما قامت بمهاجمة اسرائيل مباشرة ووضعت نفسها كهدف رئيسي، ولكن في حينه ايران اعتبرت الرد لمرة واحدة، رد لا يسعى الى اشعال الحرب الشاملة.
الافتراض الذي يوجه منظومات الدفاع والهجوم الاسرائيلية والامريكية هو أنه ايضا في هذه المرة ايران ستهاجم، هي ووكلاءها، اهداف في اسرائيل. ولكن قوة التهديد اللفظية تفسر كاستعداد ايران لتوسيع دائرة القتال. ولكن في الطريق الى اطلاق الصواريخ والمسيرات على اسرائيل، ورغم قوة الاهانة، إلا أن ايران ملزمة بفحص بشكل عقلاني الثمن الذي يمكن لهجوم كهذا أن تدفعه. أي أنه كيف يجب عليها الرد بدون أن تنتحر، أو أن تفقد مواردها الاستراتيجية، وبدون المس بنجاعة وكلائها وقوة “حلقة النار”، التي ستستخدمها في المستقبل، لأنه قبل المهمة المخصصة لكل فرع في الرد على اسرائيل، فان له دور رئيسي في الدولة التي يعمل فيها. مثلا، المليشيات الشيعية في العراق ليست فقط ذراع عسكري مسلح يستهدف الاهداف الامريكية والاسرائيلية. والمليشيات غير المتماثلة تعمل في اطار وزارة الدفاع العراقية ويتم تمويلها من ميزانية الدفاع في الدولة. ولكونها قوة عسكرية موازية في الدولة فانها تخدم زعماء سياسيين من الشيعة وتعطيهم القوة السياسية الزائدة ومن خلالهم تعطي القوة لطهران. الحاجة الى الحفاظ على هذه المليشيات جعلت الزعيم الاعلى الايراني علي خامنئي يرسل في شباط قائد “قوة القدس” في حرس الثورة، اسماعيل قاءاني، الى بغداد من اجل أن يأمر رؤساء المليشيات بالتوقف عن مهاجمة الاهداف الامريكية بعد أن تسبب الهجوم على قاعدة امريكية في الاردن بهجوم شديد على قواعدهم.
بشكل مشابه فان ايران قامت حتى الآن بتنسيق نشاطات حزب الله، الذي اهميته على اعتبار أنه المدافع عن مصالح ايران في لبنان وفي سوريا، تغلبت حتى الآن على أي اعتبار آخر. ربما أن الحوثيين استثناء في هذا النسيج، لأنهم ليسوا تنظيم داخل دولة، بل هم الدولة نفسها، أو على الاقل الجزء من اليمن الذي احتلوه في 2014. في بداية طريقهم ايران لم تعتبرهم ذراع عملياتي لها، بل هي نصحتهم بعدم احتلال اليمن. التطورات في الميدان هي التي جعلت الحوثيين، غير المحسوبين على التيار الارثوذكسي، فرع آخر مستوى امتثاله للتعليمات من ايران غير تلقائي. ايران ملزمة بناء على ذلك بفحص جيدا التداعيات التي ستكون للهجوم على اسرائيل ايضا حسب رد اسرائيل وامريكا المتوقع في كل دولة من هذه الدول، لا سيما في لبنان وفي العراق.
حتى قبل ضرورة الدفاع عن مكانة وكلائها ومنع وضع فيه يستدعي هجوم صارخ ضد اسرائيل رد يهز مكانتها ويضعف نفوذ ايران في هذه الدول، ايران تدرك بشكل جيد بنك الاهداف الحساس الموجود لديها. الحديث لا يدور فقط عن المنشآت النووية التي يمكن أن تكون اهداف، بل ايضا المس بأهداف سهلة مثل الموانيء وقواعد حرس الثورة التي تم زرعها على طول الخليج الفارسي وآبار النفط وحقوق الغاز ومنشآت انتاجها والمصانع المدنية التي يسيطر على معظمها حرس الثورة، كل ذلك يمكن أن يجبي من ايران ثمن سياسي واقتصادي باهظ. وما لا يقل عن ذلك اهمية هو التشويش الذي يمكن لمثل هذه الحرب أن تسببه لتوجه ايران الاستراتيجي والاقليمي، التي تطمح في السنوات الاخيرة الى تحسين علاقاتها مع الدول العربية في المنطقة.
عندما قامت ايران بالاعداد للرد على اغتيال محمد رضا زاهدي في نيسان فقد عملت على ابلاغ مسبقا جميع الدول ذات العلاقة، من بينها جيرانها العرب والولايات المتحدة. بعد الهجوم اوضحت بأن هذا كان “رد محسوب”، أي أنه رد حسب رأيها يقتضي الرد من اسرائيل. في هذه المرة التصريحات العلنية تتحدث عن رد أكثر شدة وعن “عقاب لن تنساه اسرائيل”. ولكن مثل هذه الحرب، التي حذرت ايران منها خلال اشهر الحرب العشرة، يمكن أن تزيد الشعور بتهديد ايران لدول الخليج، بالذات بعد أن وضع الرئيس الايراني الجديد. مسعود بزشكيان، هدفا اساسيا له وهو ترسيخ العلاقات مع جيران ايران.
في العام 2013 أوجد خامنئي مفهوم “مرونة بطولية” عندما شرح لماذا يؤيد المفاوضات حول الاتفاق النووي. “أنا لست ضد الخطوات الدبلوماسية الصحيحة. أنا اؤمن بما سمي قبل سنوات “مرونة بطولية”. في ظروف معينة هذا يعتبر أمر ايجابي وحيوي”، قال واضاف. “المصارع يظهر احيانا المرونة لاسباب تقنية، لكن يجب عليه أن لا ينسى من هو خصمه وعدوه”. في 2023، في لقاء مع جهات رفيعة في وزارة الخارجية في ايران حلل خامنئي مفهوم المرونة الى عوامله عندما قال إن “المرونة تعني تصور الحفاظ على مصالح الدولة. ولكن هذا لا يعني نسيان المباديء، مثل الحفاظ على المصالح، والنفعية التي تعني بأنه يجب ايجاد طريقة للتغلب على العوائق الصعبة من اجل مواصلة المسار حتى تحقيق الهدف”.
بمفاهيم السياسة الواقعية فان كل الاعتبارات التي يجب على ايران أخذها في الحسبان يمكن أن تملي “رد متناسب”، في نفس اطار “المرونة البطولية”. ولكن في داخلها يندمج ويختفي الآن نفس العامل المدمر الذي وصفه فريدمان بأنه “القوة الاقل تقديرا في العلاقات الدولية”. عنصر الاهانة، الذي امامه، كما تعرف اسرائيل جيدا، تتلاشى الاعتبارات العقلانية.