هآرتس: عندما تلتقي الحاجة مع القدرة: نتنياهو الأكثر خطورة
هآرتس 2022-11-04، بقلم: عاموس هرئيل، عندما تلتقي الحاجة مع القدرة: نتنياهو الأكثر خطورة
قام بنيامين نتنياهو و”الليكود” بإدارة حملة انتخابية مخططة، مهندَسة، ومنضبطة، خلال الأشهر الماضية. أعضاء الكنيست، الذين يصرخون من المقاعد الخلفية، جرى إخراسهم حتى إغلاق الصناديق، وتمت تهدئة التحالف مع بن غفير، وقدم المرشح لرئاسة الحكومة شخصية مسؤولة، رسمية تقريباً. في كل مرة وُجِّه إلى نتنياهو السؤال عن إمكانية تمرير قوانين تُحدث تغييرات دراماتيكية بعد انتخابه اختار إجابة غير واضحة، عن قصد.
أمر واحد كان استثنائياً من الخط العام، ومن التصميم المحافظ لليافطات الانتخابية. كانت هناك يافطة علّقها “الليكود” بألوان سوداء، تحت عنوان: “خلص، اكتفينا”. ويظهر فيها على منصات الإعلانات في كل زاوية في البلد رئيس الحكومة المنتهية ولايته، يائير لبيد، وشريكه في الائتلاف، منصور عباس (الموحدة). وشكراً للفوتوشوب الذي أظهر في الصورة أيضاً كلّاً من أيمن عودة وأحمد الطيبي (حداش – تاعل)، اللذين قاما عملياً بكل ما هو ممكن لمساعدة نتنياهو على إسقاط “حكومة التغيير”.
يبدو أن ناخبي “الليكود” والصهيونية الدينية والأحزاب الحريدية التقطوا هذه الرسالة جيداً، حتى أنها ساعدت نتنياهو على الوصول إلى النصر. فإلى جانب سياسة الهويات وصراع بقاء نتنياهو ضد النظام القضائي الذي يدّعي أنه يلاحقه، هناك عامل أساسي لعب دوراً مركزياً في حسم الانتخابات: كراهية العرب وضمان إبعادهم عن كلّ مركز قوة. عزف نتنياهو، كما هو نتنياهو، جيداً على وتر العنصرية، عبر نشر ادعاءات مُبالَغ فيها عن 53 مليار شيقل حولّتها حكومة بينت – لبيد – غانتس، قائلاً: “منحوها للإخوان المسلمين وحماس”.
ازداد الكره للعرب في إسرائيل والخوف منهم، في أعقاب المواجهات التي جرت داخل “المدن المختلطة” خلال حملة “حارس الأسوار” في أيار 2021 (نهاية فترة حُكم نتنياهو السابقة)، يجب أن نضيف إلى ذلك تطوُّراً آخر لم يحصل على الاهتمام الكافي في الإعلام: ازدياد “الجرائم” في المجتمع العربي، والموجهة ضد اليهود (سرقات واقتحامات زراعية، أموال حماية، ومواجهات)، وبصورة خاصة في النقب والجليل. هذه المسارات التي ازدادت خلال أيام نتنياهو تعمقت في العام الأخير.
كان الشعور العام فقدان السيادة والأمن الشخصي، وخصوصاً في التعامل مع العرب في إسرائيل، أكثر من الفلسطينيين في الضفة. يستمر “الليكود” في استغلال التوجهات الديموغرافية الواضحة أيضاً، واستغلال حقيقة أنه، وبعيون جمهور واسع، محافظ، متدين – قومي وحريدي، فإن مشاركة العرب في الحكم هي خط أحمر يجب الانقضاض عليه بكل قوة. وكما أشيرَ سابقاً، في الوقت الذي انشغل فيه نتنياهو ببناء جدار معسكره، عبر اتفاقيات مسبقة، قام المعسكر المقابل بتسجيل أهداف مذهلة في مرماه، تبدأ من غرور رئيسة حزب “العمل” ميراف ميخائيلي، وصولاً إلى الخلافات الداخلية بين الأحزاب العربية.
خلال الأعوام الـ15 من حُكم نتنياهو، بينها 10 أعوام متتالية، رأينا وجوهاً مختلفة لنتنياهو. وأكثر من مرة رأينا الاختلاف ما بين اللهجة القتالية الصارمة وبين الأفعال ذاتها. لم يُترجَم تهديد أعداء إسرائيل إلى مغامرات عسكرية، ولم يُستعمل الهجوم على النظام القضائي حتى اليوم لمحاولات تغيير الديمقراطية الإسرائيلية جذرياً. الظروف هذه المرة مختلفة، كما هو معروف. الحاجة (قوانين توقف المسار القضائي ضده) ستجتمع مع القدرة (حكومة يمين متطرف، سيفرح الأعضاء فيها بتحجيم قوة المحكمة العليا والشرطة والنيابة العامة).
في المرات النادرة سابقاً، حين تطرّق نتنياهو إلى التغييرات القضائية المتوقعة، تحدث عن لجنة خاصة عليها أن تبحث وتوصي. يمكن التقدير، بنوع من الثقة، أن أعضاء هذه اللجنة عُيِّنوا وأهدافها حُدِّدت. النتيجة المهمة، بالنسبة إلى نتنياهو، ستكون وقف محاكمته، ولكن سيتم إدخال تعديلات قانونية عليها، يمكنها تغيير الديمقراطية الإسرائيلية من أساسها. مختصون في القضاء يتابعون الخطوات المتوقعة، ولديهم قناعة بأن الائتلاف الجديد سيستطيع استكمال هذه الخطوات خلال بضعة أشهر من دون صعوبة، باستثناء “احتجاجات بلفور” أمام مقر رئاسة الحكومة، جديدة وموسعة في الشوارع.
لا فائدة كبيرة من صراخ “اليسار” عن نهاية الدولة. على عكس الكثير من التقديرات التي تم نشرها في الأيام الماضية، أشك كثيراً في أن يتم إغلاق صحف، ورمي المثليين عن السطوح، أو إقامة معسكرات لمعارضي النظام. ولكن، المخطط لا يقل سوءاً. لا يمكن تجاهُل الارتفاع المذهل لحزبٍ، جزء كبير منه مركّب من داعمي مئير كهانا، الذين يحملون أيديولوجيا عنصرية. هنا تلتقي معاً داخل النظام السياسي، الرؤية الأيديولوجية والتأثير الممكن في الواقع الأمني. سيشارك في الحكومة المقبلة أعضاء، بعضهم لديه ملفات كبيرة لدى الوحدة اليهودية في “الشاباك”. سيكون على رئيس الجهاز، رونين بار، ورجاله مشاركتهم معلومات أمنية حساسة.
سيشارك في القرارات المصيرية داخل “الكابينيت”، والتي تتعلق بخطوات عسكرية أو استخباراتية مهمة تجعل إسرائيل على عتبة الحرب، أشخاص علاقتهم بالخدمة العسكرية ضعيفة جداً، وهذا قبل الحديث عن المخاطرة بخدمة عسكرية قتالية. أغلبية ناخبي “يهدوت هتوراه” ورؤساء الأحزاب وجزء من ناخبي حركة “شاس” لا يخدمون في الجيش بتاتاً، أمّا في زعامة الصهيونية الدينية، فقد أمضى عدد لا بأس به منهم خدمة عسكرية غير مكتملة، أو مؤجلة، وجزء منهم رفضه الجيش بسبب آرائه المتطرفة. في الأسابيع الأخيرة برز اهتمام كبير بعد الروايات المتضاربة التي قدمها لابيد عن المسار الذي أوصله من خلاله خدمته العسكرية إلى صحيفة “بمحانيه” [صحيفة يصدرها الجيش الإسرائيلي] وبالمقارنة مع جزء من الذين خلفهم في “الكابينيت”، يكون لابيد نصف جنرال. وفي الحكومة الآخذة في التشكل يُصوّر زعماء الصهيونية الدينية كآلهة حرب.
هذه كلها عوائق يجب على نتنياهو التعامل معها لاحقاً، لكن يبدو أنها ستحظى بأولوية ثانوية في سلّم الأولويات بالنسبة إلى خططه بخصوص النظام القضائي. سيبحث نتنياهو تعيين الجنرال يوآف غالانت في منصب وزير الأمن، لكن من المتوقع أن يحتفظ لنفسه بتأثير كبير فيما يحدث في الوزارة. وفي هذه الحالة، سيكون هناك أهمية كبيرة للسؤال عن هوية رئيس مجلس الأمن القومي، ومدير عام وزارة الأمن. يمكن التقدير، بحذر، أن الموجودَيْن في المنصبين الآن، د. إيال حولاتا والجنرال في جيش الاحتياط أمير إيشل، لن يبقيا هناك وقتاً طويلاً. بين المرشحين لهذه المناصب الذين تم ذكر أسمائهم، كترجيحات حالياً، رئيس مجلس الأمن القومي السابق خلال حُكم نتنياهو، مئير بن شابات، والجنرالان في الاحتياط إيال زمير وعميكام نوركين.
وفي الوقت نفسه سيتولى هرتسي هليفي منصب قائد هيئة الأركان في كانون الثاني. وإلى جانبه، سيستمر في منصبه كلٌّ من رئيس جهاز “الشاباك”، رونين بار، ورئيس “الموساد”، دافيد برنياع. تم تعيين هليفي وبار على يد الحكومة المنتهية ولايتها وحاول “الليكود” وضع عقبات أمام تعيين هليفي من قبل حكومة انتقالية.