ترجمات عبرية
هآرتس: على شفا حرب، بدون وقف نار: لبنان في حقل الغام سياسي
هآرتس 21/11/2025، تسفي برئيل: على شفا حرب، بدون وقف نار: لبنان في حقل الغام سياسي
في يوم الثلاثاء الماضي، عندما استقبلت طائرات اف 35 الامريكية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، استعدت سفارة لبنان في واشنطن لاستقبال شخص آخر، قائد الجيش اللبناني رودلف هيكل، الذي كان من شانه ان يدشن فيها زيارته مع شخصيات رفيعة في الجيش الأمريكي وشخصيات أمريكية أخرى. ولكن هذا الاحتفال انتهى قبل ان يبدأ: في البداية تم خفض مستوى الشخصيات الرفيعة التي كان سيلتقي معها هيكل، وبعد ذلك تم الغاء جميع اللقاءات مع أعضاء الكونغرس – في النهاية اعلن هيكل عن الغاء الزيارة.
حسب الرواية الامريكية فان الإدارة الامريكية هي التي بادرت الى الغاء الزيارة في اعقاب التصريحات الانتقادية لهيكل ضد الهجمات الإسرائيلية في لبنان. الانتقاد الأمريكي قاد السناتور ليندزي جراهام، الذي كتب في شبكة “اكس”: “من الواضح ان قائد الجيش اللبناني الذي تعامل مع إسرائيل كعدو رغم ضعفه، وحقيقة انه تقريبا لم يحاول نزع سلاح حزب الله، هو عائق كبير امام جهود الدفع قدما بلبنان. هذا الربط يحول الجيش اللبناني الى استثمار غير جيد بشكل خاص بالنسبة لامريكا”.
يبدو ان اقوال جراهام تعكس تقريبا بالضبط ما سمعه في إسرائيل، وهذا الموقف تم التعبير عنه أيضا في احاطات كبار قادة الجيش لوسائل الاعلام الإسرائيلية. ولكن قبل ثلاثة أسابيع، في لقاء للجنة المسؤولة عن تطبيق وقف اطلاق النار، كان للجنرال الأمريكي جوزيف كليرفيلد فقط أمور جيدة ليقولها عن الجيش اللبناني: “مهنية الجيش اللبناني والتزامه بتطوير الدولة ظاهرة للعيان. اداءه يعكس التصميم على ضمان مستقبل الدولة”. قبل أسبوعين من ذلك قال قائد المنطقة الوسطى الامريكية، الجنرال براد كوفر، أمور مشابهة: “شركاؤنا في لبنان يواصلون قيادة العملية التي استهدفت ضمان نزع سلاح حزب الله”. وحتى ان كوفر قال بان الجيش اللبناني نجح في ابعاد عشرات آلاف الصواريخ، 405 صاروخ و205 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة.
الفجوة بين ما قاله ضباط الجيش الأمريكي وبين ما قاله السياسيون الامريكيون غير مطمئنة للقيادة اللبنانية. فهي تتراوح بين الخوف الشديد من استئناف الحرب اذا لم يقم الجيش اللبناني بتوفير البضاعة بالوتيرة والكمية التي تطلبها إسرائيل وبين موقف الرئيس جوزيف عون الذي تمسك بالحاجة الى التوصل الى تفاهمات مع حزب الله لمنع مواجهات عنيفة في الداخل. عون يطرح بشكل علني موقف هجومي معد للاذن الامريكية والإسرائيلية. في بداية الأسبوع نشرت في موقع “أساس” اللبناني مقابلة مع الرئيس، شرح فيها رؤيته حول نشاطات الجيش ضد حزب الله: “نحن نعمل بصبر ورؤية بعيدة المدى وحكمة واعتدال، وندرك الحساسية ونقاربها بحذر. ولكن كل ذلك لا يمنع من التوصل الى استنتاج: تقييد سلاح حزب الله واتخاذ قرارات. هذا هو ألف باء بناء الدولة”.
موقف عون غير جديد. فقد عبر عنه في خطاب تسلمه للسلطة في كانون الثاني الماضي. وفي شهر آب في اعقاب الضغط الكبير الذي استخدمه المبعوث الأمريكي توم براك، فرض على الحكومة خطوات التي أساسها نزع سلاح حزب الله وإعطاء تعليمات للجيش بتقديم خطة عمل لهذا الهدف حتى نهاية السنة. في نفس الوقت طلب لبنان انسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة اللبنانية التي ما زالت تحتفظ بها، والتوقف عن الهجمات والبدء في إعادة المعتقلين اللبنانيين الموجودين لديها.
حتى قبل شهر ونصف ظهرت هذه الطلبات معقولة بالنسبة لبراك، وحتى أنه صاغ خطة جديدة بحسبها توقف إسرائيل النار لشهرين، وخلال هذه الفترة تجرى مفاوضات حول ترتيبات امنية وترسيم الحدود البرية بين الدولتين، ويتم تحديد منطقة منزوعة السلاح بين إسرائيل ولبنان، وانسحاب إسرائيل بالتدريج من هذه المواقع. إسرائيل، حسب براك، رفضت كليا الاقتراح وزادت بصورة دراماتيكية حجم الهجمات – بعضها ضد نشطاء حماس في لبنان. حسب ادعاء إسرائيل فان الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله، وامتنع عن العمل في بيوت مواطنين في جنوب لبنان، التي فيها حسب معلومات استخبارية قام حزب الله باخفاء سلاح وذخيرة فيها.
“غير واضح الى أين تسعى إسرائيل”، قال للصحيفة محلل لبناني يعيش خارج لبنان. “في نهاية المطاف معظم الهجمات تنفذها من الجو. لماذا عليها مواصلة الاحتفاظ بالمواقع الخمسة التي ليست الا ورقة مساومة في المفاوضات؟ حيث ان الدعم الكامل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة سيمكنها من الهجوم أيضا فيما بعد، وحتى ان اللجنة المشرفة على تطبيق وقف اطلاق النار لم تتطرق على الاطلاق لهذه الهجمات. لماذا لا تجري مفاوضات وتسلم الحكومة اللبنانية أوراق المساومة التي هي بحاجة اليها ضد حزب الله؟”.
ان تساؤل المحلل اللبناني يعكس موقف عون الذي في المقابلة قال انه “لقد انتهت نشاطات حزب الله على الصعيد العسكري، ورجاله جاءوا لي وهم يعترفون بهذا الواقع ونتائجه. ولكنهم يصممون على ان تكون نهاية محترمة وخروج بكرامة، وهذا بالضبط ما نعمل على تحقيقه”. تصعب معرفة على ماذا تعتمد اقوال عون ومن هي الجهات في حزب الله التي تحدثت معه عن “خروج محترم” في الوقت الذي فيه الأمين العام لحزب الله نعيم القاسم يعلن بان الحزب لا ينوي التخلي عن سلاحه.
مع ذلك، يجب التأكيد على انه حتى الان اكتفى حزب الله بانتقاد اعلامي وسياسي للهجمات الإسرائيلية. سهامه يوجهها بالأساس الى حكومة لبنان لانها تظهر العجز العسكري والسياسي امام إسرائيل، التي تخرق وقف اطلاق النار. وفي غضون ذلك القيادة اللبنانية عالقة في حقل الغام سياسي يسبب الشلل.
توقع لتطبيق رسائل
أيضا إسرائيل غير معفية من طرح أسئلة مشابهة. عليها ان تحدد اهداف الهجمات والتصعيد وان تشرح استمرار احتفاظها بالمواقع الخمسة. الحروب في لبنان وفي غزة أوضحت بان الهجمات من الجو وحدها لا يمكنها نزع سلاح المنظمات، وحتى معارك برية كبيرة لم تطهر بالكامل مخازن السلاح لحماس وحزب الله. في غزة إسرائيل اضطرت الى وضع جزء من هذه المهمات في يد قوة متعددة الجنسية، التي لم تشكل بعد، ولا يوجد يقين من انها ستشكل. في لبنان، في المقابل، توجد حكومة التي ليس فقط تعهدت بالعمل ضد حزب الله، بل ان الجيش بدأ العمل على الأرض وسجل إنجازات – حتى لو كانت بعيدة عن الهدف النهائي.
ليس من نافل القول بان توم براك قال في بداية الشهر بان “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة ليست فكرة واقعية. انت لا يمكنك ان تطلب من لبنان نزع سلاح حزب سياسي وتوقع السلام. ما علينا سؤاله لانفسنا هو كيف نمنع الحزب من استخدام سلاحه”. تحديد الأهداف هو امر ضروري لأنه يبدو ان طموحات إسرائيل في لبنان لا تتطابق مع طموحات الولايات المتحدة. إسرائيل تركز على منع إعادة البناء العسكري لحزب الله، وتدمير البنى التحتية القائمة له في شمال وجنوب الليطاني. في المقابل، الولايات المتحدة التي ترى بنفس الطريقة الهدف العسكري تسعى الى استخدام الضغط العسكري الإسرائيلي أيضا لتحقيق عملية سياسية لا يوجد يقين بان إسرائيل تعتبرها رد كاف على تخوفاتها.
توم براك ونظيرته مورغن اورتيغوس، التي عادت لادارة ملف لبنان، يستخدمان ضغط شديد على القيادة اللبنانية للبدء في مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، نهايتها، كما يأملان، ستاتي بالانضمام لاتفاقات إبراهيم. براك أوضح ذلك بصراحة عندما عرض على لبنان احتمالين: المفاوضات المباشرة مع إسرائيل أو الحرب. “اذا أراد لبنان اجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فنحن سنساعد. سنضغط على إسرائيل كي تكون منطقة”، وعد براك في بداية الشهر.
في غضون ذلك خطوات أخرى لم تحدث الاختراقة السياسية، ومن بينها استخدام الضغط من قبل الولايات المتحدة ومرورا بالالغاء غير المسبوق لزيارة قائد الجيش في واشنطن والتلميح عن الحاجة الى استبدال قائد الجيش، وتجميد المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، والتهديد باستخدام عقوبات اقتصادية شديدة من اجل اغلاق مسار نقل الأموال لحزب الله. الرئيس اللبناني اعلن بأنه “لا مناص من اجراء المفاوضات”، وحتى انه وافق على ضم للجنة الرقابة على وقف اطلاق النار خبراء مدنيين. هكذا، هو استجاب بشكل جزئي لطلب أمريكا، منح اللجنة طابع سياسي وليس عسكري فقط. ولكن حتى الآن هو لم يسمع كلمات “مفاوضات مباشرة”.
مكبس الضغط الأمريكي يحاول تجنيد السعودية ومصر لاقناع عون ببذل جهود اضافية، حسب الأمريكيين، والتقدم في المحادثات الدبلوماسية. في يوم الاثنين وصل وفد من رجال الاعمال السعوديين الى بيروت برئاسة يزيد بن فرحان، المسؤول عن ملف لبنان في وزارة الخارجية السعودية. وقد حمل معه بعض الاخبار، بما في ذلك استئناف التجارة بين لبنان والسعودية، التي كانت مجمدة بسبب تهريب الكبتاغون والمخدرات من لبنان الى المملكة، ووعد باستثمارات سعودية للمساعدة في اعمار البلاد. لكن هذه الزيارة هدفت بالأساس الى ارسال رسالة للبنان تفيد بان السعودية لم تتخلى عنه وانها مستعدة لتقديم الدعم السياسي الذي تحتاجه القيادة في بيروت.



