هآرتس / على اسرائيل الاعتذار عن النكبة
هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – 10/10/2018
في مقال رده على مقالي بشأن الدعم الأمريكي للأونروا يدعي عِدي شفارتس (هآرتس 26/9)، أنه في حين أن الحركة الصهيوتية عرفت كيف تتنازل عن مبدأ كمال الأرض، وعن الأساطير القومية الرئيسة لها، فإن الفلسطينيين يواصلون التمسك بتعصب بتطبيق حق العودة داخل اسرائيل ولا يبدون أي استعداد للمرونة بما يتعلق بالاسطورة القومية الرئيسية لهم.
ولكن يبدو أن شفارتس نفسه يدرك أن الجزء الأول من ادعائه الذي يتناول التنازل الصهيوني، يرسم صورة وردية جداً للواقع، حيث أنه يكتب :”إذا قرر الاسرائيليون عندما تحين الفرصة التنازل عن مناطق في يهودا والسامرة فإنهم يقومون بذلك… بسبب أنه في جدول أفضلياتهم توجد السيادة والتوق لحياة تفوق السيادة الجغرافية على كل البلاد” أي أن شفارتس يعترف بأن الاسرائيليين لم يتوصلوا بعد لحسم بشأن التنازل الجغرافي بين نهر الأردن والبحر الأبيض.
يجدر توضيح هذه النقطة، وسنكتفي لهذه الغاية بمثال محدد واحد. في كل جولات المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين فإن مسألة إصبع أرئيل كانت أحد نقاط الخلاف الرئيسة في المسألة الأساسية (حدود وجغرافيا)، نظراً لأن كتلة أرئيل، والتي تمتد على حوالي 20 كم على الأراضي الفلسطينية وتقسم الدولة الفلسطينية المنتظرة الى قسمين، لهذا فإن بقائها تحت السيادة الاسرائيلية لن تمكن فعلياً من إقامة دولة فلسطينية ذات قدرة على الوجود. علاوةً على ذلك فإنه تحت أرئيل يوجد الجزء الأساسي للخزان الجوفي لمياه الجبل، لهذا فإن ضمها لاسرائيل سيمنع تطبيق الحقوق الفلسطينية في مجال المياه. على ضوء كل هذا من المفهوم ضمناً أن الفلسطينيين لم يستطيعوا بأي صورة الموافقة على بقاء كتلة الاستيطان هذه بأيدي اسرائيل.
ولكن، كما هو معروف من ناحية الاسرائيليين فإن ضم أرئيل في كل اتفاق مستقبلي يعتبر امر (مجمع عليه). في الوقت الذي فيه الخطوات الكولونيالية الأخيرة لحكومة المستوطنين في المنطقة مثل تحويل كلية أرئيل إلى جامعة وتدشين كلية الطب بها، تجسد بصورة بارزة أن طموح اسرائيل هو عمل كل ما بوسعها لتخليد كل جزء من هذه المنطقة ،التي بدونها ليس هنالك احتمال لقيام دولة فلسطينية قادرة على العيش.
أي أن هذا الميل المتصالح لتقسيم البلاد الذي يتحدث عنه شفارتس، والتي يوجد له حقاً حضور متردد في الوعي الصهيوني منذ ان طرحت فكرة التقسيم من قبل فيكتور يعقوبسن منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، موجود في أيامنا في حالة تراجع واضح.
إذا كان الجزء الأول من ادعاء شفارتس والذي موضوعه درجة التنازل الجغرافي للصهونية ودولة اسرائيل، يخلق انطباعا من التفاؤل المبالغ به فإن قسمه الثاني والمتعلق بموقف الفلسطينيين بخصوص مسألة العودة يعكس موقفاً متشائماً جدا. حسب رأي شفارتش فإن الفلسطينيي لم يوضحوا في يوم من الأيام أنه ليس في نيتهم إغراق اسرائيل بملايين اللاجئين. هذا ليس دقيقاً. بالعكس، في قيادة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية يفهمون ويدركون جيداً بأن التوق إلى تطبيق العودة لملايين الفلسطينيين إلى حدود اسرائيل ليس واقعياً.
هكذا، في 2004 تعهد ياسر عرفات ان حل مشكلة اللاجئين لن يقود إلى تغيير “الطابع اليهودي لاسرائيل”. بهذا فقد أكد على أقواله سنة 2002 في مقاله في نيويورك تايمز والذي كتب فيه أنه يجب التفكير بتنفيذ قرار الأمم المتحدة 194 بشأن حق العودة بصورة تأخذ بالاعتبار مخاوف اسرائيل.
شاؤول أريئيلي، والذي يبحث بصورة أساسية منذ سنوات عملية السلام الاسرائيل الفلسطيني يكتب في كتابه “حق التفكير”، بأنه بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، القيادة الفلسطينية أعلنت بأنه اذا اعترفت اسرائيل بحق العودة وأظهرت ندمها على دورها في ديناميكية خلق مسألة اللاجئين، فإن الفلسطينيين يكونون مستعدين للاعتراف بالواقع الذي خُلق منذ ذلك الحين. الاسرائيليون من جانبهم يعتقدون أنه إذا لم يتم تطبيق حق العودة فعليا في المرحلة الأولى، فإن مجرد الاعتراف يحمل في طياته نهاية اسرائيل كدولة يهودية.
خلافات في الرأي بهذه الروحية تم التعبير عنها أيضاً في عملية انابوليس: في حين أنه حسب ما يقول صائب عريقات فإن الفلسطينيين طلبوا من بين أمور أخرى بأن تعترف اسرائيل بقرار 194 وتستوعب 150 ألف لاجئ خلال عشر سنوات وتتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية وتبدي أسفها كجزء أساسي، فإن إهود أولمرت الذي لم يوافق على قبول قرار 194 كمصدر للصلاحيات، تحدث بصورة رسمية عن 15 ألف لاجئ على الأكثر سيسمح بدخولهم لاسرائيل خلال 5 سنوات وأبدى استعداداً للاعتراف في أحسن الأحوال بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، بدون تحمل المسؤولية أو الاعتذار. بالإمكان ألا نحب المطلب الفلسطيني بدخول 150 الف لاسرائيل خلال 10 سنوات ، ولكن من الواضح أن 150 ألف ليسوا ملايين اللاجئين.أي أن من يواصلون الادعاء بشدة أن القيادة الفلسطينية تسعى لإغراق اسرائيل بملايين أحفاد اللاجئين ولهذا ليس لدينا شريك، يذرون الرمال في أعين الجمهور ويفضلون مواصلة شيطنة الموقف الفلسطيني.
علاوة على ذلك: في حين أنه بالإمكان فهم الصعوبة التي تجدها اسرائيل في أن تتبنى وبصورة مباشرة قرار 194 ” فان أولمرت وجد السبل للتطرق له بصورة غير مباشرة، بواسطة الاعتراف بروح المبادرة العربية)، فإنه يجب الاعتراف بأنه بدون عنصر الاعتذار الاسرائيلي عن النكبة ليس هنالك إمكانية للتقدم لا في مسألة حق العودة ولا في عملية السلام بمجملها. طالما تواصل اسرائيل التنصل من مسؤوليتها عن تخريب المجتمع الفلسطيني في 1948، عن طريق عرض طردهم والاقتلاع القسري لمئات الآلاف من المواطنين غير المسلحين والذين لم يكن لهم دور في القتال- وهي عملية رافقها في جزء من الأماكن تفجير بيوت، محو قرى من على وجه الأرض وأعمال نهب، والتي انتهت بالسرقة الرسمية للمتلكات الفلسطينية في إطار قانون أملاك الغائبين- كنوع من “المكافأة” المقبولة على رفض القيادة الفلسطينية تقاسم الوطن مع مستوطنين جاؤوا منذ فترة قريبة، يصعب تخيل كيف بالإمكان التوصل إلى مصالحة حقيقية مع الشعب الفلسطيني.
بالمقابل، عندما يستجمع اليهود الاسرائيليون قوّتهم ليطلبون السماح من الشعب الفلسطيني عن الدور الأساسي لأمتهم في التسبب بالكارثة الوطنية الفلسطينية، حيث أن هذا الأمر يساهم في زيادة الشرف الوطني لاسرائيل، فان من شأنه ربما أن يشجع القيادة الفلسطينية في تليين موقفها أكثر في مسألة حق العودة.