هآرتس / عقيدة الضاحية مقابل عقيدة “مقر وزارة الدفاع”
هآرتس – بقلم أوري بار يوسف – 7/10/2018
خلافاً لياسر عرفات، والذي في خطابه المشهور في تشرين ثاني 1974 في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان يحمل مسدساً على خصره، ولكنه عرض على اسرائيل غصن الزيتون، فإن بنيامين نتنياه خطب في الأمم المتحدة وهو يمسك بإحدى يديه بالتهديد النووي الإيراني، وباليد الأخرى تهديد الصواريخ الدقيقة لحزب الله. خلافا لهذا لم يكن لديه ما يعرضه.
يصعب التفكير بوجود زعيم آخر في تاريخ اسرائيل، آمن بأنه بالكلام الفارغ وبالصور الملونة يستطيع أن يبعد عن اسرائيل الأخطار الحقيقية التي تواجهها. إن أحداً ممن سبق نتنياهو لم يكن قادراً على الخطابة مثله، ولكنهم جميعاَ أدركوا أنه بالكلام فقط لن يخدموا الدولة ولا أمن مواطنيها. هذا الادعاء يسري على زعماء اليمين بالأساس: مناحم بيعن تنازل عن كل سيناء من أجل السلام مع مصر، يتسحق شامير بدأ بالمفاوضات مع الفلسطينيين في عملية مدريد وأرئيل شارون انسحب من قطاع غزة، وتخلى عن المستوطنات اليهودية التي بنتها حكومات المعراخ.
حتى وقت متأخر، عرضت اسرائيل سراً على جهات مختلفة في العالم، معلومات استخباراتية حساسة عن إيران ومصانع صواريخ حزب الله، من أجل دفعهم للعمل، وعلى حد علمنا فإنهم لم يعملوا. نتنياهو آمن بالتسويق كحل لكل شيء، لذا عرض المعلومات السرية في الامم المتحدة، وماذا بعد؟ هل تتوقع قيام مظاهرات جماهيرية في نيويورك، باريس ومدريد دعماً لمطالبه؟ من الواضح أن هذا لن يحصل، حيث أنه حسب رأيه ما زال يعيش في 1938، ويرون في المصالحة مع إيران انها الطريقة لحل المشكلة.
كإبن لمؤرخ، فإن نتنياهو عليه أن يعرف أننا لسنا في 1938، وأن إيران ليست هي ألمانيا النازية، وأن حروباً كبيرة بين دول متطورة هي ظاهرة آخذة في الاختفاء، وأن اسرائيل، الدولة الأقوى في المنطقة بعيدة عن تكون وكأنها يهود أوروبا العزّل عشية الكارثة. على نتنياهو أن يعرف أيضاً، بأنه خلافاً للتهديدات الأمنية، التي واجهتها اسرائيل طوال سنوات وجودها، فانها اليوم، ليس لديها رد عسكري جيد على تهديدات مئات أو آلاف الصواريخ الثقيلة، جزء منها دقيق موجودة بيد حزب الله وموجهة نحوها. أمام تهديد كهذا لم نقف في يومٍ ما في الماضي. من المعقول أنه في الحرب القادمة ستصيب مئات صواريخ كهذه ليس فقط المنشآت الاستراتيجية لإسرائيل بل أيضاً بالعديد من الأبراج السكنية في تل أبيب. “عقيدة الضاحية” تم وضعها في اسرائيل، ولكن أيضاً حزب الله يستطيع أن يطبقها، ربما تحت عنوان “عقيدة وزارد الدفاع”.
كإبن لمؤرخ وكمن عانى على جلده فظائع حرب يوم الغفران، فإن نتنياهو يتوجب عليه أن يعرف أمراً آخر: خلافاً لما يدّعيه مؤرخون مبتذلون يدّعون بأن جولدا مئير وموشي ديّان لم يعدّوا الجيش الاسرائيلي للحرب في 1973، فإن أبحاثاً جدية تظهر أن اسرائيل استعدت جيداً لتلك الحرب. فجوة القدرات العسكية بينها وبين مصر وسوريا ليس فقط ازدادت منذ 1967، بل إن ردوداً عسكرية واضحة لهجوم العدو في القناة وهضبة الجولان أعدت مسبقاً، والقدرة العربية لضرب الجبهة الداخلية الاسرائيلية والتي أقلقت بشكل خاص وزير الدفاع كانت تقريباً معدومة. بكلمات أخرى في 1973 كان لاسرائيل رد عسكريا جيد على تهديدات الحرب العربية. هذا الرد لم يتم تجسيده بسبب الفشل الاستخباراتي وليس لأن الجيش الاسرائيلي لم يكن مستعداً للحرب.
نتنياهو أيضاً يعرف بالتأكيد أنه نظراً لأن جولدا قدّرت بأنه يوجد لاسرائيل رد عسكري جيد على التهديدات العربية، فإنها لم توظف جهوداً كبيرة في تشجيع اتفاق سياسي كوسيلة لتحييد هذه التهديدات. ولكن ما كان منطقياً في 1973 ليس منطقياً اليوم.المستوى السياسي والمستوى العسكري يرون في صواريخ حزب الله تهديداً هاماً، والذي على أبعد تقدير يوجد لدينا رد جزئي عليها. في الحرب القادمة فإن اسرائيل من شأنها أن تدفع الثمن الأثقل منذ 1948. صحيح، أيضاً حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً، وربما أيضاً من أرسلوه ومؤيديه في المنطقة، ولكن لن يكون في هذا قليل من العزاء.
نتنياهو هو خبير في الإرهاب ولكن يوجد لديه فهم أيضاً في التفكير الاستراتيجي الذي تطور في فترة الحرب الباردة. في مركزه وقف مفهوم “توازن الرعب”، والذي ارتكز على القدرة النووية. صحيح أنه لا يوجد لحزب الله وفي هذه المرحلة أيضاً لإيران قدرة كهذه. ولكن في أعقاب التطورات التكنولوجية للعقود الأخيرة، فإن إنتاج الصواريخ أرخص وأسهل مما كان في الماضي وكذلك مستوى دقتها يمكن تطويره بصورة سهلة نسبياً. النتيجة العملية هي “توازن خوف” تقليدي: “ضاحية” مقابل “مقر وزارة الدفاع” مطار الحريري مقابل مطار بن غوريون.
التاريخ يعلم أن الوسيلة لمواجهة ميزان الخوف تمرّ بالحوار. ببناء ثقة وبإيجاد حلول عملية للتهديدات العسكرية. مع كل الاحترام لبلاغة نتنياو في الأمم المتحدة، من الواضح أنه ليس فقط لإسرائيل بل لإيران وحزب الله يوجد مصلحة لمنع مواجهة عسكرية جبت منهم ثمناً باهظاً جداً، هذا الأمر هو أساس جيد لبداية عملية حوار. بدلاً من دس اصبع آخر في وجه قيادة إيران، بدلاً من تهديد حسن نصر الله “بضربة قاضية لا يستطيع تصورها ” كان يجدر على رئيس الحكومة أن يفكر أكثر قليلاً بعبر التاريخ. والذي تعلِّم أن الطريقة التي يعمل بها من شأنها أن تقوده إلى كارثة لهذا يجدر أن يبحث عن طرق بديلة.