ترجمات عبرية

هآرتس: عاصفة واسعة: الموت المفاجيء للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي

هآرتس 20/5/2024، د. راز تسيمت:عاصفة واسعة: الموت المفاجيء للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي 

ما لاح أمس كالموت المفاجيء للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث المروحية في شمال غرب ايران يشكل هزة أرضية ذات مغزى في الجمهورية الإسلامية. فالزعيم الأعلى علي خامينئي وان كان يشكل رأس الدولة ويجمع في يديه أساس صلاحيات ادارتها، بخاصة في مسائل الخارجية والامن، الا أن رئيسي يقف على راس السلطة التنفيذية، ويعتبر بشكل رسمي الثاني في أهميته في المراتبية السلطوية في الجمهورية الإسلامية ويتمتع بتأثير واضح في إدارة شؤون الدولة، ولا سيما في مجالات الداخلية والاقتصاد. فهو يترأس الحكومة، يصمم سياستها، مسؤول عن تنفيذها ويقف على رأس سلسلة من الهيئات التنفيذية العليا وعلى رأسها المجلس الأعلى للامنالقومي، المسؤول عن بلورة الاستراتيجية العليا في مسائل الخارجية والامن.

ما بدا أمس كانصراف رئيسي عن الساحة يجد ايران في ذروة تطورات ذات مغزى في الساحة الداخلية، الإقليمية والدولية. في الساحة الداخلية يقف النظام امام أزمة شرعية محتدمة. فحركة الاحتجاج، التي نشبت في أيلول 2022 في اعقاب وفاة الشابة ماسا أميني، وان كانت قمعت بنجاح وعاد الهدوء في هذه الاثناء الى الشوارع، الا ان السلطات الإيرانية، بما في ذلك الرئيس رئيسي فشلت في جهودها لتقديم جواب على الازمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في أوساط المواطنين. معدل التصويت المنخفض بشكل غير مسبوق في الانتخابات البرلمانية، التي جرت مؤخرا في ايران شهد بوضوح على التآكل المتواصل في ثقة الجمهور بمؤسسات الجمهورية الإسلامية وعلى شدة اليأس الواضح في أوساط شرائح واسعة.

وفي إطار ذلك، تقترب ايران من صراع الخلافة المرتقب بعد موت الزعيم علي خاميني ابن الـ 85. اسم رئيسي طرح في السنوات الأخيرة كأحد المرشحين المتصدرين لخلافة خامينئي مع حلول اليوم. انتخابه كرئيس في حزيران 2021 شكل مرحلة إضافية في تأهيله المحتمل لقيادة الجمهورية الإسلامية، بعد أن تركته قائمة المرشحين النهائية، التي اقرها مجلس حراس الدستور، كالمرشح الوحيد عمليا الذي كان له فرصة حقيقية للفوز في الانتخابات. بعد ثلاث سنوات من انتخابه كرئيس يقف رئيسي امام انتقاد متزايد، حتى من جانب دوائر محافظة، على خلفية فشل سياسته الاقتصادية. وقد وجد صعوبة في تحسين مكانته العامة كمن كان شريكا على الاعدامات الجماعية لسجناء سياسيين في العام 1988 عندما شغل منصب نائب المدعي العام لطهران.

كما أن رئيسي لم ينجح في التحرر من صورة البيروقراطي الرمادية ما أثر شكوكا حول فرصه لان يخلفخاميني عند حلول اليوم. ومع ذلك، لا شك أن موته المحتمل يشكل ضربة شخصية قاسية لزعيم ايران. رئيسي يعتبر الرئيس الأكثر اخلاصا وراحة بالنسبة لخامينئي من بين الرؤساء الخمسة الذين تولوا الرئاسة تحت قيادته منذ عين كزعيم في صيف 1989. انتخابه للرئاسة عكس تغييرا ذات مغزى في ميزان القوى السياسي في السلطة التنفيذية وبشر بعودة السيطرة المحافظة في عموم مراكز القوة في ايران، بخاصة بعد ثماني سنوات من ولاية سلفه في المنصب، حسن روحاني، الذي كان يتماهى مع المعسكر البراغماتي. انتخاب رئيسي أدى الى تعزيز التركيبة الصقرية للمجلس الأعلى للامن القومي.

لقد كان للرئيس رئيسي تأثير لا بأس به أيضا في إدارة السياسية الخارجية الإيرانية. في الساحة الإقليمية، كما ان لما يلوح كموت وزير الخارجية امير حسين عبد اللهيان، الذي رافق الرئيس في مروحيته، متوقع أن يكون تأثير لا بأس به. فمعرفته العميقة للشرق الأوسط، اتقانه للعربية وكونه مقرب جدا من فيلق القدس للحرس الثوري جعلت عبداللهيان في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد نشوب الحرب في غزة، عنصرا ذا مغزى في قيادة المعركة السياسية الإيرانية. دوره برز بخاصة مقارنة بسلفه، محمد جواد ظريف الذي تميزت بعلاقاته مع الحرس الثوري في أحيان قريبة بالتوتر. عبداللهيان أبدى دورا مركزيا أيضا في جهود ايران بتبديد التوتر مع جيرانها العرب. في الساحة الدولية وقف رئيسي بقدر كبير من خلف جهود النظام للدفع قدما بسياسة “الداخل شرقا”، التي في أساسها تعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والصين.

في خلاصة الامر، من غير المتوقع للاستراتيجية الإيرانية أن تتغير في سيناريو موت الرئيس والجمهورية الإسلامية جاهزة من ناحية دستورية وتنظيمية مواجهة رحيله المفاجيء. وحسب الدستور الإيراني، من المتوقع للنائب الأول للرئيس، محمد مخبر، ان يكون قائما باعمالهحتى تحديد موعد لانتخابات السلطة للرئاسة في موعد لا يتجاوز خمسين يوما. مع ذلك، فان وفاته من المتوقع أن تهز الساحة السياسية في ايران سواء في المدى الفوري او قبيل صراع الخلافة المستقبلي. فضلا عن ذلك فان ظروف موته المحتمل كفيلة بان توقع ضررا آخر ذا مغزى في ثقة الجمهور الإيراني بمؤسسات الجمهورية الإسلامية. حتى لو كان تحطم مروحية الرئيس يرتبط بظروف حالة الجو، فانه ينضم الى سلسلة من الإخفاقات من جانب سلطات ايران في السنوات الأخيرة مثل قضية اسقاط الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية في كانون الثاني 2020، سلوكها الفاشل في ضوء الكوارث الطبيعية ونشوب الكورونا، وسلسلة من القصورات الأمنية التي انكشفت في اعقاب تصفيات واعمال تخريب نسبت لإسرائيل في السنوات الأخيرة ضد شخصيات ومنشآت امنية حساسة في ايران.

*باحث كبير وخبير في الشؤون الإيرانية في معهد بحوث الامن القومي, ومركز اليانس للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى