هآرتس / صيغة ترامب وبصمات نتنياهو

هآرتس – بقلم شاؤول اريئيلي – 24/6/2018
بصمات نتنياهو في “صيغة ترامب” الاخذة في التبلور هذه الايام، غير قابلة للاخفاء. فمن السهل الوقوع في أسر التماثل بين مواقف نتنياهو والاقتراح الامريكي المتوقع – ولكن هذا استسلام تتميز به شمولية اللحظة الراهنة. فليس في مواقف نتنياهو غير تكرار مواقف اسرائيل التي طرحت منذ 1967 بالنسبة لمستقبل الضفة الغربية. ولكن بينما تآكلت معظمها كمواقف افتتاحية وتكيفت مع مجال التوافق المحتمل من اجل الوصول الى حل وسط تاريخي، اصر نتنياهو في الـ 25 سنة الاخيرة على مواقفه التي لا تمنع فقط تسوية النزاع، بل وترجع الى الوراء ايضا في التقدم الذي حققه اسلافه.
وحسب ما يلوح من مصادر مختلفة، فان “الصفقة المطلقة” لترامب ستتضمن المباديء التالية: القدس الموحدة عاصمة اسرائيل (في ظل “تنازل” اسرائيلي عن أربعة – خمسة احياء خارج عائق الفصل)، مثلما تعهد نتنياهو في انتخابات 2015 (“نحن سنبقي الى الابد القدس الموحدة في سيادة اسرائيل”). غور الاردن يبقى تحت سيطرة اسرائيل مثلما اعلن نتنياهو في تشرين الاول 2017 (“غور الاردن سيبقى دوما جزءا من دولة اسرائيل، سنواصل استيطانه”). عدد الكتل الاستيطانية الاسرائيلية سيزداد، مثلما وعد نتنياهو وزراءه في حزيران 2011 (“كتل اليسار الوطني ليست كتلنا”). في موضوع الامن تم تبني موقف نتنياهو، الذي عرض في خطابه في مؤتمر سبان في كانون الاول 2015 (“الحل الوحيد للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هو اقامة دولة فلسطينية مجردة”). واللاجئون الفلسطينيون لن يعودوا على الاطلاق الى اسرائيل، مثلما صرح نتنياهو في خطاب بار ايلان في 2009 (“مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن تحل خارج حدود اسرائيل”).
لقد كان أول من سعى بعد حرب الايام الستة لتسوية النزاع مع الفلسطينيين ليس من خلال الدول العربية هو الوزير يغئال الون. ففي مداولات حكومة اشكول عارض الخيار الاردني وادعى: “تسلينا مع الاسرة الهاشمية ودفعنا لقاء ذلك ثمنا باهظا. اخشى أن يكون هذا يتقرر مرة اخرى. الامر الاخير هو اعادة انش واحد من الضفة الغربية (الى الاردن)”. واقترح الون دولة فلسطينية في الضفة الغربية، دون حدود خارجية تسيطر عليها اسرائيل. “أنا آخذ امكانية قصوى. ليس كانتون، ليس اقليم بحكم ذاتي، بل دولة عربية مستقلة متفق عليها بيننا وبينهم في جيب محوط بارض اقليمية اسرائيلية… حتى مستقلة في سياستها الخارجية”. القدس الموحدة التي نشأت لتوجها ستبقى عاصمة اسرائيل، غزة تلحق باسرائيل فورا بعد أن يسكن لاجئوها خارج بلاد اسرائيل، مثلما اعتقد أحد اقتراحات وزير الدفاع دايان: “نأخذهم ونسكنهم في شرقي الاردن”.
الثاني كان رئيس الوزراء مناحم بيغن الذي وقع مع الرئيس المصري انور السادات، في كامب ديفيد 1978، على اتفاق الاطار بحكم ذاتي فلسطيني، مبادئه تشبه تماما اتفاق اوسلو الذي وقع في 1993. صحيح أن بيغن ادعى انه في نهاية الفترة الانتقالية للحكم الذاتي الفلسطيني سيطالب بضمه الى اسرائيل، ولكن في المداولات التي جرت في الحكومة في 18 حزيران 1967، بعد نحو اسبوع من حرب الايام الستة، عارض فكرة الحكم الذاتي بالحجة المنطقة بان “مفهوم الحكم الذاتي يؤدي الى دولة فلسطينية بالمنطق الحديدي للامور (…) اذا كنا نقول حكما ذاتيا، فهذه دعوة الى دولة فلسطينية عربية – مستقلة. المميز هو كيف يفهم الاغيار هذا”.
في خطاب اسحق رابين في تشرين الاول 1995 عرضت فكرته عن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، والتي تتوافق معها مبادرة ترامب كالقفاز على اليد: “الحل الدائم نراه في إطار أرض دولة اسرائيل التي تتضمن معظم اراضي بلاد اسرائيل… والى جانبها كيان فلسطيني… هو اقل من دولة… حدود دولة اسرائيل، عند الحل الدائم ستكون خلف الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الايام الستة… واولا وقبل كل شيء القدس موحدة، تضم ايضا معاليه ادوميم وجفعات زئيف كعاصمة اسرائيل (…) حدود الامن تكون في غور الاردن… (وكذا) تغييرات تتضمن ضم غوش عصيون، افرات، بيتار ومستوطنات اخرى معظمها توجد شرقي ما كان الخط الاخضر (…) وكتل الاستيطان”.
الى جانب ذلك يجب أن نتذكر بان رابين حاول في حينه ان يقر في الكنيست الاتفاق الانتقالي بفارق صوت واحد. واهم من ذلك هو حقيقة ان نهج رابين كان تدريجيا، وينبغي الافتراض بانه فهم الاثمان اللازمة لتنفيذ الاتفاق، مثلما كتب (انا افضل تسويات انتقالية، مع فترة اختبار بين المرحلة والمرحلة، على محاولة التقدم دفعة واحدة الى تسوية شاملة”، وأن “الانتقال الى السلام الحقيقي هو مسيرة وليس فعلا لمرة واحدة”. ولكن اغتياله بعد شهر من ذلك على يد يهودي متزمت، منعه من خوض أي مفاوضات على التسوية الدائمة.
نتنياهو الذي انتخب في 1996 نشر من 1995 بان “خطة الحكم الذاتي تحت سيطرة اسرائيل هي البديل الوحيد لمنع هذه المخاطر، الكامنة في خطة “السلام” لاتفاق اوسلو”. وقد خاض معركة تراجع وتجميد ناجحة جدا ضد اتفاقات اوسلو، ودفع لقاء ذلك ثمنا تمثل بنقل الخليل في 1997 ومناطق ج اخرى حسب “مذكرة واي” في 1998، كما شرح في زيارته الى بيت عائلة ثكلى في اثناء الانتفاضة الثانية. في تلك السنة نجح نتنياهو، في مناورة سياسية رخيصة، في أن يقر في الحكومة “خريطة المصالح الوطنية” التي لن تتنازل عنها اسرائيل في التسوية الدائمة، والتي امتدت على نحو نصف اراضي الضفة الغربية.
ايهود باراك اقترح في كامب ديفيد 2000 اقتراحا مشابها جدا لما وصفه رابين في خطابه في 1995: “مساحة لا تقل عن 11 في المئة (بما في ذلك غور الاردن والحدود الخارجية)، حيث يسكن 80 في المئة من المستوطنين، تضم الى اسرائيل، اضافة الى أننا لن ننقل ارض سيادية اسرائيلية (لن يكون تبادل للاراضي)… على مدى سنين قليلة تسيطر اسرائيل على نحو ربع غور الاردن، لضمان السيطرة على المعابر بين الاردن وفلسطين”. في القدس اكتفى بان يقترح على كلينتون بان “في البلدة القديمة يحصل عرفات على السيادة على الحي الاسلامي وعلى كنيست القيامة المقدسة … ويمكن ايضا على الحي المسيحي” والقرى الفلسطينية التي ضمت الى اسرائيل في 1967 دون القدس الشرقية.
غير باراك موقفه، وفي طابا 2001 تحدث بتعابير اخرى، بعد ان تبنى اقتراح كلينتون في كانون الاول 2000. العرض الاسرائيلي تحدث عن ضم 6 في المئة من الضفة الغربية، تقسيم شرقي القدس، تجريد الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين اليها.
ايهود اولمرت واصل التغيير، وفي مسيرة انابوليس اكملها لتصبح مباديء متفق عليها مع الفلسطينيين لاتفاق دائم اساسها (خطوط 1967 وتبادل متفق عليه للاراضي، تقسيم شرقي القدس الى عاصمتين، دولة فلسطينية مجردة وتسوية مسألة اللاجئين من خلال عودتهم الى دولة فلسطين بالاساس.
في النقطة التي توقفت عندها المفاوضات، في اواخر 2008، اقترح الفلسطينيون تبادل للاراضي بين 1.9 في المئة الى 4 في المئة يمكن فيها ان يبقوا في بيوتهم وان ينضموا الى اسرائيل 63 حتى 80 في المئة من الاسرائيليين؛ ضم الاحياء اليهودية في القدس (باستثناء هار حوما)، الحائط الغربي، الحي اليهودي، نصف الحي الارمني وباقي جبل صهيون لاسرائيل؛ دولة مجردة وعودة 80 – 100 الف لاجيء لاسرائيل.
نتنياهو، الذي عاد وانتخب، تراجع الى الوراء في هذا التقدم بضربة واحدة. خطاب بار ايلان الكاذب في حزيران 2009، الذي بث الامل في قلوب الكثيرين ممن لم يتكبدوا عناء الدخول في تفاصيله، حظي بالتحليل الافضل من ابي رئيس الوزراء، بن تسيون نتنياهو، الذي قال بعد شهر من ذلك: بنيامين لم يؤيد دولة فلسطينية بل فقط بشروط لن يقبلها العرب ابدا. سمعت هذا منه. ولاحقا قال ابنه ان القدس لن تخضع للمفاوضات وخطوط 1967 لن تشكل اساسا لتبادل الاراضي، وفي مقابلة في 2015 صرح بان “في الشروط التي يريدونها في هذه اللحظة، فان الدولة الفلسطينية ليست واردة”.
يبدو أن ترامب اختار ان يتجاهل التقدم الذي تحقق في مسيرة المفاوضات في كامب ديفيد، في طابا وفي انابوليس، مثلما حرص جيسون غرينبلت بالتأكيد على أن يعرضها عليه وعلى جارد كوشنير، ومثلما اجمل مهامة وزير الخارجية المنصرف جون كيري في خطاب مغلق في دبي في السنة الماضية: “نحن ملزمون بالارادة كي نصنع السلام. اولمرت، باراك، رابين وبيرتس أشاروا الى السبل لعمل ذلك”. اما ترامب فيتجاهل ما واصل كيري وقاله: “ليس لاسرائيل زعماء يريدون صنع السلام… معظم اعضاء الكابنت في حكومة اسرائيل الحالية اعلنوا علنا بانهم ابدا لن يكونوا مع دولة فلسطينية”، ويسعى الى تجنيد حكومة اسرائيل من خلال اقتراح غير مقبول، ثمرة المذهب العدمي للسفير ديفيد فريدمان.
انه لغرض تسوية النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني مطلوب بلا شك وسطاء، والطرفان معنيان بالحل. اما الاقتراح الامريكي، اذا كان كذلك، فسيكون مثابة “زيت على الشعلة” وسيدفع الطرفين الى التمترس في مواقفهما. الفلسطينيون سيرفضونه رفضا باتا وحكومة اسرائيل ستستغل هذا حتى النهاية “للاثبات” بانه لا يوجد شريك. وبالتالي لا يتبقى للجمهور الاسرائيلي والفلسطيني غير الامل في أن يعرض ترامب اقتراحا نزيها يقوم على اساس المفاوضات، يشبه الاقتراحات السابقة للرؤساء الامريكيين – كارتر، كلينتون وبوش الابن – أو أن يبقي اقتراحاته لنفسه.