هآرتس: شركة سايبر اسرائيلية : اجرت مفاوضات لبيع قدرات هجومية متطورة للسعودية

بقلم: عاموس هرئيل وآخرين، هارتس ٢٥-١١-٢٠١٨
بصفتها تقع بين الشرق والغرب فان فيينا تستخدم منذ سنوات مركزا لاعمال التجسس، اتصالات الشراء الامنية ولقاءات دبلوماسية غير رسمية. في حزيران 2017 التقت في المدينة مجموعة غير عادية: لقد وصل الى فندق محلي عبد الله المليحي، المقرب من رئيس المخابرات السعودية السابق، الامير تركي الفيصل. وشخصية سعودية رفيعة اخرى هي ناصر القطاني الذي قدم نفسه كنائب لرئيس المخابرات الحالية. الطرف الثاني في اللقاء كانوا رجال اعمال اسرائيليين اقترحوا عليهم تكنولوجيا مثيرة للخيال.
الاسرائيليون الذين التقوا مع السعوديين رفيعي المستوى كانوا ممثلي شركة “ان.اس.أو” المتخصصة بتطوير وسائل تجسس على الهواتف المحمولة. في تلك الفترة طرحت الشركة منتج جديد هو برنامج “باكسوس 3″، وهو نظام تجسس دقيق جدا الى درجة أنه قادر على اختراق الهواتف بدون أن يمس ضحية الاختراق أي طُعم آخر. ممثلو الشركة عرضوا على السعوديين قدرات البرنامج، ومن اجل تأكيدها طلبوا من القطاني الذهاب الى المجمع التجاري القريب وأن يشتري جهاز آيفون جديد ويعطيهم رقمه. وكما برهنوا كان يكفي بهذا من اجل اختراق الجهاز الذي بواسطته سجلوا وصوروا اللقاء نفسه.
هذا لم يكن اللقاء الاول بين الطرفين. في العلاقات مع دول الخليج التي يكثر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مؤخرا التفاخر بها، الورقة الاسرائيلية الاقوى هي القدرات التكنولوجية. الرسالة واضحة: اسرائيل توافق على بيع دول الخليج تكنولوجيا أمنية وهي ستنضم اليها في الحرب الاستراتيجية ضد ايران. تحقيق “هآرتس” يرتكز على شهادات وصور ووثائق سفر ووثائق قانونية، ويكشف ما خلف الستار من محاولات السعودية لشراء التكنولوجيا الاسرائيلية.
الثغرة الفريدة لاتصالات الشركة مع السعودية فتحتها دعوى قدمت هذه السنة للشرطة الاسرائيلية على خلفية نزاع تجاري، والتي تفحص في هذه الايام. حسب الدعوى، بداية القضية كانت في محادثة هاتفية لمن سيوصف الآن كرجل اعمال اوروبي له علاقات مع دول الخليج. على الخط كان و. وهو اسرائيلي يعمل في مجال التكنولوجيا الامنية بواسطة شركات في قبرص (النظام الضريبي في قبرص أخف مما هو في اسرائيل، وشركات امنية كثيرة مسجلة هناك). لقد طلب من زميله الاوروبي مساعدته في صفقات تجارية في دول الخليج. من بين معارف رجل الاعمال كان شخصان سعوديان رفيعي المستوى، المليحي الذي يترأس شركة باسم “الرامز” ورجل المخابرات القطاني.
في 1 شباط 2017 التقى و. مع رجل الاعمال للمرة الاولى. الموضوع الرئيسي الذي كان على جدول العمل هو تسويق برامج سايبر هجومية. خلافا للوسائل القتالية الاخرى، فان ثمن انظمة كهذه يرتبط فقط بدرجة تحمس الزبون لشرائها – من هنا ايضا الامكانية الاقتصادية الكبيرة الكامنة فيها. نسبة الارباح في صفقات كهذه يمكن أن يصل الى مئات النسب المئوية.
بعد شهر سافر رجل الاعمال لحضور معرض للوسائل القتالية في اتحاد الامارات، وهناك رتب له أحد اصدقاءه لقاء مع المليحي، حيث عرض عليه مواد دعائية من شركة اسرائيلية. في نيسان رتب لقاء في فيينا بين المليحي والقطاني وبين ممثلي شركات اسرائيلية، وشارك فيه اسرائيليون آخرون. بعد ذلك جرى لقاءان مع ممثلي شركات اسرائيلية شارك فيهما اسرائيليون آخرون في فندق فاخر “الفصول الاربعة” في ليماسول، الذي اعتادت شركات سايبر اسرائيلية اجراء اللقاءات فيه مع زبائن اجانب. في اللقائين وجد ايضا و. وإبنه. يبدو أنهما كانا وديين. الصور التي وثقت أحد اللقاءين يظهر فيها و. والقطاني بعد الصيد حيث وجه الاخير بندقية نحو حيوان تم صيده.
في لقاء في نيسان عرض السعوديون قائمة تشمل 23 وسيلة وجهاز ارادوا شراءها. اساس اهتمامهم كان انظمة سايبر. عشرات ملايين الدولارات كانت ستعطيهم القدرة على أن يخترقوا بسهولة هواتف معارضي النظام في السعودية والعالم وجمع المعلومات عنهم. حسب اقوال رجل الاعمال فانه من اللقاء الاول حول السعوديون لممثلي احدى الشركات تفاصيل عن حساب تويتر نشر تغريدات ضد النظام في الرياض وطلبوا معرفة صاحبه. الاسرائيليون رفضوا اعطاء أي معلومات. وفي شهر حزيران جرى لقاء مع ممثلي شركة “ان.اس.أو” الذي وصف أعلاه. وفي اللقاء اظهر السعوديون اهتمام كبير بشراء النظام.
حسب اقوال رجل الاعمال الاوروبي، في تموز 2017 جرى لقاء آخر بين الطرفين، للمرة الاولى بعدم وجوده، في بيت و. في قبرص. و. عرض أن يبيع للسعوديين برنامج “باكسوس” مقابل 208 ملايين دولار. بعد ذلك اتصل المليحي مع و. ودعاه الى الرياض من اجل عرض البرنامج على رجال العائلة المالكة. قسم الرقابة للتصدير الامني في وزارة الدفاع وقسم المساعدة الامنية المسؤول عن تشجيع التصدير رفضا الموافقة على السفر. ولعن و. قسم الرقابة وعندها استأجر طائرة صغيرة وأخذ معه مؤسس الشركة، شليف خوليو، لاجراء مقابلات في الخليج. حسب اقوال رجل الاعمال فقد مكثا هناك ثلاثة ايام بدونه بدء من 18 تموز 2017. في اللقاءات، قال، تم الاتفاق على صفقة لبيع “باكسوس 3” للسعوديين مقابل 55 مليون دولار.
حسب اقوال رجل الاعمال، تفاصيل الصفقة علم عنها فقط من اصدقائه في قسم المساعدة الامنية. حيث اتفق مع و. شفويا بأن نصيبه من الصفقة سيكون 5 في المئة (2.75 مليون دولار). إلا أن و. وإبنه تملصا منه وتوقفا عن الرد على مكالماته الهاتفية. فيما بعد، حسب اقوال رجل الاعمال، تلقى من محامي و. بريد الكتروني فيه عقد مزيف ينص على أن الشركة ستدفع له فقط النفقات وستفحص دفع زيادة اذا تم تنفيذ الصفقة. في نيسان الماضي قدم رجل الاعمال بواسطة محامية اسرائيلية دعوى للوحدة القطرية للتحقيق في الاحتيال، وقام المحقق بأخذ شهادته. بعد ذلك أخبروه بأن التحقيق حول لوحدة اخرى مختصة بالموضوع. وبعدها تلقى طلب من ضريبة الدخل، حيث يحاول هؤلاء كما يبدو فحص اذا كان هناك دخل لم يتم الابلاغ عنه من قبل و. عن الصفقة.
وكتعزيز لادعاءات رجل الاعمال قدم مراسلة قانونية وصلت للصحيفة من مصدر آخر، بين رجل اعمال تركي يعيش في دولة الامارات، سام كوكسيل، وبين محامي و. في اسرائيل. رجل الاعمال الاوروبي اعترف أن كوكسيل كان مشاركا هو ايضا في الوساطة في الصفقة. في الرسالة التي ارسلها محاميه في شباط الماضي طلب كوكسيل من و. نصيبه من الصفقة. وفي الرد على الرسالة الذي ارسل في بداية آذار نفى محامي و. مجرد وجود الصفقة. وسبب عدم توقيع الصفقة، قال، هو اهمال كوكسيل، لذلك، هو لا يستحق العمولة أو أي تعويض آخر.
هذه القصة يوجد لها سياق أوسع: من اقوال رجل الاعمال الاوروبي ومن رسالة كوكسيل يتبين أن الصفقة وقعت في صيف 2017 بعد بضعةاشهر من بدء محمد بن سلمان السعودي عملية التطهير ضد معارضي النظام. في اطارها اعتقل في فندق في الرياض وعذب عدد من أبناء العائلة المالكة ورجال اعمال سعوديين اتهموا بالفساد. واعتقل لبضعة ايام ايضا رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. في الاشهر التالية واصل السعوديون حملة الصيد ضد معارضي النظام في الخارج التي بدأت تثير الاهتمام الدولي فقط بعد الكشف عن عملية قتل الصحافي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.
مؤخرا قيل إن شركة “ان.اس.أو” ساعدت النظام في الرياض في ملاحقة معارضيه. وحسب تقرير في “فورباس” وتقارير لمعهد الابحاث الكندي لشؤون السايبر “ستيزن لاب”، فان من بين اهداف الملاحقة كان الكاتب الهزلي غانم المسرير ونشيط حقوق الانسان يحيى العسيري واللذان يعيشان في لندن، وعمر عبد العزيز المنفي في كندا. الثلاثة كانوا على صلة مع الخاشقجي. في الشهر الماضي قال ادوارد سنودن الذي كشف عن خطة الملاحقة، لمجلس الامن القومي الامريكي بأن نظام “باكسوس” استخدمته السلطات السعودية من اجل ملاحقة الخاشقجي نفسه. “هم اسوأ السيئين” قال عن الـ “ان.اس.أو”، التي اتهم المسؤولين عنها بالمساعدة على المس بحقوق الانسان. هذه الشركة أسسها ويديرها شليف خوليو وعمري لافي. الشركة مسجلة في قبرص ولكن مكان تطويرها موجود في هرتسليا. في 2014 تم بيع الشركة لصندوق “فرانسيسكو بارتنرز” في سان فرنسيسكو بمبلغ 250 مليون دولار. وفي ايار الماضي تم رفض عرض من شركة “فارنت”لشراء الشركة مقابل مليار دولار. بتوجيه من جهاز الامن الاسرائيلي فقط يسمح للدول بشراء منتجات شركة “ان.اس.أو”، التي تخضع لرقابة وزارة الدفاع على التصدير الامني. نشاطات الشركة مربحة جدا: في بداية الشهر الحالي خرج كل عمال الشركة للاستجمام في منتجع في تايلاند، وقد تم ارسال نيتع برزيلاي وليئور سوشراد وثلاثة اشخاص من فرقة ترانس انفكتيد ماشروم ايضا من اجل ترفيه العمال.
نظام “باكسوس” الذي تطوره الشركة كان يعمل في السابق على مبدأ كبسة واحدة: من اجل الاختراق كان يجب على الضحية الضغط على رابط تم ارساله اليه كطُعم. الجيل الجديد للنظام، كبسة صفر، لم يعد بحاجة الى طُعم، يكفي معرفة رقم الـ اس.آي.ام، بطاقة العضو، من اجل اختراق الهاتف. كيف يحدث ذلك؟ في سوق التكنولوجيا يقدرون بأن النظام يستغل ثغرات في الموديم المحمول، الجزء الذي يستقبل البث من الانتين أو ثغرات حماية في التطبيقات الموجودة في الجهاز. من اللحظة التي يتم فيها اختراق الهاتف يمكن استخدام مكبر الصوت والكاميرا لتسجيل وتوثيق المكالمات. ايضا تطبيقات مشفرة مثل الواتس آب يمكن مراقبتها بواسطة تصوير شاشة المكالمات.
شركة “ان.اس.أو” التي تخفي قائمة زبائنها ارتبطت في السابق بصفقات مع دول تخل بحقوق الانسان. الشركة تقول إن منتجاتها تستخدم في محاربة الجريمة والارهاب. ولكن في دول معينة تستطيع السلطات تحديد معارضي النظام ومراسلين وارهابيين، وبناء على ذلك اعتبارهم أهداف للملاحقة.
في العام 2012 باعت الشركة نموذج متطور لـ “باكسوس” للمكسيك من اجل محاربة كارتل المخدرات في الدولة. حسب اقوال الشركة، كل صفقاتها تشمل بند صريح يسمح باستخدام البرنامج فقط من اجل “التحقيق ومنع الجريمة والارهاب”. ولكن في العام 2016 ورد تقرير في “نيويورك تايمز” يقول إن السلطات المكسيكية تعقبت ايضا مراسلين ومحامين. في ايلول الماضي قدم ضحايا التعقب دعاوى ضد الشركة في اسرائيل. “نيويورك تايمز” اوردت ايضا ان البرنامج بيع ايضا لاتحاد الامارات، وهناك استخدمته السلطات لتعقب رؤساء الدول المجاورة وكذلك محرر صحيفة بريطانية.
الردود
من شركة “ان.اس.أو” جاء ردا على ذلك بأن “الشركة عملت وتعمل فقط وفقا لقوانين التصدير الامني، وبتوجيه ورقابة دائمة من مجمل اذرع الامن بما في ذلك كل ما يتعلق بسياسة التسويق واذونات التصدير.
“المعلومات التي عرضتها هآرتس، سواء بخصوص الشركة أو منتجاتها أو طريقة استخدامها، هي معلومات مغلوطة وترتكز على الشائعات. طريقة العرض تشوه الوقائع.
“الشركة تستخدم لجنة أخلاق مستقلة، خارجية وملزمة، التي لا توجد في أي شركة اخرى من هذا النوع، والتي تضم خبراء خارجيين لهم خلفية قضائية وخلفية في العلاقات الدولية. اللجنة تفحص كل صفقة للشركة من اجل أن يتم تطبيق النظام فقط وفقا لاهداف الاستخدام المسموحة، التحقيق ومنع الجريمة والارهاب.
“منتجات الشركة تساعد يوميا سلطات تطبيق القانون في انقاذ اشخاص في ارجاء العالم من العمليات الارهابية، ومافيات المخدرات وخاطفي الاطفال بهدف أخذ الفدية وذوي النزعات الشاذة تجاه الاطفال ومجرمين وارهابيين.
“خلافا لما نشر في وسائل الاعلام فان الشركة لا تبيع منتجاتها ولا تسمح باستخدامها في دول كثيرة. وبخلاف ذلك، الشركة تقيد جدا مجال الاستخدام من قبل الزبائن لمنتجاتها ولا تتدخل في استخدام الانظمة من قبل الزبائن.
“في كل مرة يكون فيها شك حول سوء استخدام النظام فان الشركة تحقق في الحالة وتتخذ الخطوات المطلوبة كما تقتضي نتائج التحقيق بما في ذلك الغاء الصفقة”.
وجاء من و. ردا على ذلك بأن “الامر يتعلق بشكوى لا اساس لها كوسيلة للابتزاز من قبل المشتكين، بسبب معرفتهم أنه لا يوجد أي اساس لادعاءاتهم وأنهم لو توجهوا الى الجهات القضائية ذات الصلة فان هذه الشكاوى سترفض على الفور”.
صاحب السيطرة في “ان.اس.أو”، صندوق فرنسيسكو بارتنرز، لم يرد على رسالة “هآرتس”.