هآرتس: سوريا هي الحلقة الأضعف في المحور الإيراني
هآرتس 17/9/2024، تسفي برئيل: سوريا هي الحلقة الأضعف في المحور الإيراني
نهاية الاسبوع الماضي تميزت بغزو الحوثيين للمنطقة. في يوم الجمعة نشرت وكالة الانباء “ريا نوفستي” الروسية بأن الحوثيين بدأوا في ارسال قوات الى سوريا عبر الاردن للمشاركة في المواجهة مع اسرائيل من اراضيها. حسب التقرير هذه القوات هي الاكثر تدريبا من ناحية عسكرية كي تطلق هجمات نحو البلدات الاسرائيلية.
“المصدر” الذي اعتمدت عليه الوكالة الروسية قال ايضا إن هذه القوات تدربت على استخدام السيارات المصفحة والمدافع وتشغيل المسيرات. ايضا وسائل اعلام في اسرائيل تبنت هذا التقرير واضافت عليه سيناريوهات رعب اخرى.
لكن في يوم السبت سمعت صافرة تهدئة. وكالة الانباء الروسية “سبوتنك” اقتبست خبير عسكري (مقرب من الحوثيين) الذي قال إن “التقرير حول ارسال قوات للحوثيين الى سوريا غير صحيح. فسوريا والقوات فيها ليست بحاجة الى دعم من القوات اليمنية لأنه لديها ما يكفي من القوات لمواجهة العدو”. متحدثون سوريون واردنيون رسميون لم يردوا على هذا التقرير. وفي يوم الاحد سقط الصاروخ البالستي اليمني في اراضي اسرائيل، ليس من سوريا أو من الاردن، بل من اليمن.
قبل النفي ايضا التقرير الاصلي اثار عدة تساؤلات، ليس فقط أن الاردن لم يكن ليسمح بالانتقال العلني لقوات اجنبية، سواء للحوثيين أو غيرهم، عبر اراضيه الى سوريا، وبالذات في معبر حدودي رسمي. وسوريا نفسها طردت قبل سنة تقريبا “الدبلوماسيين” الحوثيين الذين كانوا في السفارة اليمنية في دمشق بعد أن قام نظام الاسد ببلورة التفاهمات حول ذلك مع حكومة اليمن المعترف بها مقابل تحسين العلاقات مع سوريا.
هذه كانت ضربة شديدة للحوثيين الذين يعملون على الحصول على الاعتراف بنظامهم. منذ فترة قصيرة اعترفت ايران بحكومة الحوثيين، وفي العام 2019 سمحت للحوثيين بفتح ممثلية دبلوماسية فيها. في شهر تموز، بضغط من المليشيات المؤيدة لايران في العراق، وافقت الحكومة العراقية على السماح للحوثيين بفتح ممثلية في العراق. ولكن ممثل رسمي في الحكومة العراقية سارع للتوضيح بأن الحديث لا يدور عن سفارة أو حتى ممثلية رسمية، بل عن “مبنى يمكن أن يتواجدوا فيه بشكل دائم بدلا من الفنادق”.
سوريا ليست بحاجة الى مساعدة الحوثيين في المواجهة مع اسرائيل، لأن دمشق تبنت موقف سلبي في الحرب. هي ليست شريكة في “وحدة الساحات” أو في “جبهة الدعم” للفلسطينيين. الاسد يخشى من حرب شاملة بين اسرائيل وحزب الله التي يمكن أن تتدهور الى سوريا، وهو حتى حظي بـ “الاعفاء” من رئيس حزب الله، حسن نصر الله، من المشاركة في عملية الثأر على تصفية فؤاد شكر في شهر تموز الماضي. في “المحور الشيعي” المهدد سوريا هي الحلقة الضعيفة. في ساحة متعددة الجبهات، في اعقاب الحرب في غزة، كان من المطلوب كما يبدو أن تتساوق سوريا في موقفها مع تركيا من اجل دعم على الاقل جبهة سياسية واسعة ضد اسرائيل الى جانب ايران. ولكن حتى الآن كل محاولات تركيا فشلت من اجل استئناف العلاقات مع سوريا، والاسد يشترط انسحاب القوات التركية من اجل الدفع قدما بالمفاوضات بين الدولتين.
بخصوص نشاطات القوات الايرانية والقوات المؤيدة لها في سوريا فان الاسد اوضح في السابق بشكل حازم بأنه لن يسمح لهذه القوات بالعمل ضد اسرائيل من اراضي سوريا. ومرة واحدة على الاقل طلب ابعاد الجنرال الايراني الذي بادر الى شن هجوم على اسرائيل.
حرية عمل اسرائيل في سوريا تستند الى التفاهمات مع روسيا، التي بحسبها تمتنع اسرائيل عن المس بمؤسسات النظام أو القوات السورية وأن لا تحاول تدمير النظام. كانت هناك مرات فيها مع ذلك تمت مهاجمة مواقع سوريا، مثل قاعدة سلاح الجو “تي 4” التي تمت مهاجمتها عدة مرات، أو الهجوم الجوي والبري الاخير قبل اسبوع قرب قرية مصياف، الذي نسب لاسرائيل وقتل فيه 18 شخص وتضررت فيه ايضا منشآت مدنية وشبكة الكهرباء. في هذه الحالات اعتبرت هذه الهجمات كعمليات ضد قواعد ايرانية أو قواعد يشغلها حرس الثورة أو ضرب للمصانع التي تنتج الصواريخ والمسيرة لصالح حزب الله، وليس كهجمات ضد سوريا.
بشكل عام سوريا تدين في الواقع الهجمات ضدها، لكنها عمليا تعتبرها مشكلة لايران وليس كمشكلة لها. هناك شك كبير اذا كانت سوريا ستغير استراتيجيتها وتوافق على استخدامها كساحة اخرى في مواجهة اسرائيل اذا اندلعت حرب واسعة مع حزب الله، حتى لو جرت هذه الحرب تدخل ايران بشكل مباشر.
بعد تجاوز الاسد للحرب الاهلية الطويلة، التي حتى الآن لم تنته كليا، وبؤر عصيان ما زالت تعمل في جنوب الدولة – محافظة ادلب لم يحتلها النظام حتى الآن، وداعش يستعرض قدراته في شرق سوريا – فان فتح جبهة اخرى، هذه المرة مع اسرائيل باسم حرب لم يبادر اليها مثل دعم حماس التي لم يتم رأب الصدع كليا معها، يبدو أنه غير موضوع على طاولة تخطيط رئيس الاركان في سوريا.
مثلما هو الامر في سوريا فهكذا ايضا في العراق. مشكوك فيه اذا كان النظام في بغداد سيسمح للحوثيين باستخدام السلاح ضد اسرائيل أو ضد اهداف امريكية، بالتحديد في الوقت الذي يستكمل فيه العراق النقاشات مع الولايات المتحدة حول انسحاب القوات الامريكية من العراق في العام 2026. الحوثيون في الحقيقة يشاركون في “غرفة العمليات” التي اقامها حزب الله لتنسيق نشاطات وكلاء ايران ضد اسرائيل. ولكن نشاطاتهم العسكرية في البحر الاحمر وضد اسرائيل هم يديرونها بشكل مستقل، دون طلب المصادقة أو التنسيق المسبق مع ايران أو مع جهات اخرى. في نفس الوقت هم يحاولون استغلال هذه الهجمات لتحقيق انجازات سياسية خاصة بهم.
في هذا الاسبوع نشر أن مصر ستستضيف في الفترة القريبة وفد رفيع للحوثيين من اجل حل الازمة في البحر الاحمر، بالتنسيق مع السعودية وتركيا وربما مع الولايات المتحدة. هذه لم تكن المرة الاولى التي تجري فيها مصر مفاوضات مع الحوثيين لانهاء المواجهة في البحر الاحمر. ولكن في هذه المرة يبدو أن الامر يتعلق بعملية اكثر شمولية. لأنه حسب التقارير وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، يتوقع أن يزور ايران في القريب لطرح استراتيجية جديدة لحل المواجهة مع الحوثيين.
اذا خرجت هذه الزيارة الى حيز التنفيذ فهذه ستكون الزيارة الثالثة في غضون اربعة اشهر، التي يقوم فيها وزير الخارجية المصري بزيارة ايران. ولكن في المرتين السابقتين كانت هذه زيارة مجاملة، المرة الاولى في شهر ايار حيث شارك الوزير السابق سامح شكري في جنازة الرئيس ابراهيم رئيسي الذي قتل في حادثة المروحية، والمرة الثانية عندما شارك عبد العاطي في احتفال تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. زيارة اخرى ستكون عملية سياسية بصورة واضحة وستمنح ايران انجاز استراتيجي. ولكن من اجل انهاء الحرب في البحر الاحمر فانه مطلوب من ايران والحوثيين قبول “رطل اللحم السياسي”، الذي يوجد الآن في غزة والذي يعتمد على موافقة اسرائيل على وقف الحرب.