هآرتس: سواء نجا رئيسي أم مات، سياسة ايران لن تتغير
هآرتس 20/5/2024، تسفي برئيل: سواء نجا رئيسي أم مات، سياسة ايران لن تتغير
حتى بعد أن تبين بأن رئيس ايران، ابراهيم رئيسي، قتل في حادثة المروحية التي اضطرت الى الهبوط بشكل اضطراري، فان ايران لن تبقى يتيمة القيادة، أو أنه فجأة سيبدأ تغير في سياستها واستراتيجيتها الاقليمية والعالمية، أو حتى بنية النظام. ايران هي دولة اجهزة، فيها الكلمة الاخيرة التي تقرر هي في يد الزعيم الاعلى علي خامنئي، في حين أن الرئيس، حتى لو كان منتخب في انتخابات رسمية وغير ديمقراطية، هو في مكانة مدير عام ملقاة عليه مسؤولية تنفيذ قرارات الزعيم الاعلى وتحمل وزر الاخفاقات في ادارة الدولة.
مكانة رئيسي لا تختلف في ذلك، الذي انتخب لهذه الولاية في 2021، عن مكان اسلافه، سواء كانوا من التيار “الاصلاحي” مثل حسن روحاني أو محمد خاتمي، أو كانوا من التيار “المحافظ المسيحاني” مثل محمود احمدي نجاد. مواضيع جوهرية مثل تطوير المشروع النووي أو قرار تجميده وبناء محور استراتيجي مع روسيا والصين، وترميم شبكة العلاقات مع الدول العربية، كل ذلك يتحكم فيه بشكل مطلق الزعيم الاعلى خامنئي. ايضا استئناف العلاقات مع دولة الامارات في 2021، ومع السعودية في آذار 2023، واستراتيجية تشغيل وكلاء ايران في لبنان وفي العراق وفي اليمن، كلها ليست من صلاحية الرئيس. في حين أن صلاحية الزعيم الاعلى غير قابلة للنقاش فان عملية اتخاذ القرارات يؤثر عليها اشخاص واجهزة لها قوة وعمليات سياسية تجبر الزعيم على أخذها في الحسبان. خامنئي محاط بعدد كبير من المستشارين في جميع المواضيع. اضافة الى صلاحيته في تعيين الوزراء واقالة الرئيس فان خامنئي، وليس رئيسي، هو الذي يعين قادة الجيش والحرس الثوري، اضافة الى تعيين ممثليه في الوزارات الحكومة وفي الجيش وفي الحرس الثوري، الذين مهمتهم التأكد من تنفيذ سياسته. ايضا ابناء عائلته، لا سيما نجله مجتبى، وعدد من فقهاء الشريعة، يوجد لهم دور كبير في تشكيل سياسته.
من بين هؤلاء فان رئيس الدولة هو جهة اخرى تتنافس مع اصحاب مكانة آخرين على أذن خامنئي، طالما أنه يعتبر مخلص جدا لنهج الزعيم الاعلى. التحدي الاكبر لخامنئي هو الموازنة بين كل عوامل القوة هذه لازالة المعارضة التي يمكن أن تعرض للخطر مكانته، وفي نفس الوقت فحص احتياجات الدولة. على سبيل المثال، هو صادق على المفاوضات وعلى التوقيع على الاتفاق النووي الاول رغم معارضة الحرس الثوري وجهات محافظة دينية. وصادق ايضا على استئناف الاتصالات مع الولايات المتحدة حول التوقيع على اتفاق نووي جديد بعد أن قرر الرئيس ترامب في 2015 الانسحاب من الاتفاق النووي. وصادق ايضا على اجراء المفاوضات مع الولايات المتحدة حول اطلاق سراح سجناء خلافا لمواقف عدد من مستشاريه.
في كل هذه الامور لم يكن لرئيسي أي دور حقيقي في اتخاذ القرارات. في البنية الرسمية وغير الرسمية لعملية اتخاذ القرارات في النظام لن يحدث أي تغيير حتى لو لم يبق رئيسي رئيسا للذراع التنفيذية. في هذا يكمن الفرق المهم بين النظام في اسرائيل والانظمة الديكتاتورية المعروفة في الدول العربية.
هرم القيادة في ايران يعتمد على مبنى معقد، الذي جزء منه يظهر الوجه الديمقراطي الذي يشمل الانتخابات للرئاسة والبرلمان والسلطات المحلية وعدد من المجالس التي مهمتها، على الاقل دستوريا، فحص والمصادقة على أو الغاء قوانين يسنها البرلمان والسياسة التي تتبناها الحكومة. توجد في الاعلى طبقة اخرى لمؤسسات غير منتخبة مثل جهاز القضاء وقوات الامن. هذه البنية، في قسميها المنتخب والمعين، يحكمها الزعيم الاعلى، وينشيء في الاوقات العادية منظومة توازن وكوابح، التي هي غير موجودة في معظم الدول الديكتاتورية. كل ذلك الى حين الحاجة الى اتخاذ قرارات استراتيجية، ليس فقط في القضايا الامنية والنووية، بل حتى في المواضيع الاقتصادية. هذه الاجهزة اقوى من الحكومة ورئيسها، وهي تخضع لانتقاد البرلمان ومجالس الرقابة على اشكالها.
توجد مشكلة مع الرؤساء في ايران وهي أن اخفاقاتهم أو انجازاتهم تنعكس على شكل النظام ومن يترأسه في المجال العام المحلي، وهي يمكن أن تضر بـ “العقد” النظري الموجود بين الحاكم والشعب، وتعمل على تآكل شرعيتهم. رئيسي اعتبر رئيس فاشل منذ الاسابيع الاولى لانتخابه عندما وقفت ايران وما زالت تقف امام ازمة اقتصادية من اخطر الازمات في تاريخها. الوعود المدهشة التي سوقها في حملته الانتخابية مثل بناء مليون شقة للمحتاجين وتقليص كبير في نسبة البطالة وتعزيز قيمة الريال الايراني وخفض التضخم و”الصمود” أمام العقوبات، لم يبق منها الكثير.
في البرلمان الايراني الذي يسيطر عليه المحافظون تسمع انتقادات على الفشل الاقتصادي للحكومة، الى أن اضطر رئيسي، الذي تعرض هو نفسه لدعوات اقالته، اضطر الى اقالة عدد من وزراء الاقتصاد لارضاء منتقديه. رئيسي الذي كان في السابق رئيس السلطة القضائية، ونائب المدعي العام، والمسؤول في 1988 عن اعدام الكثير من الخصوم السياسيين، لم ينجح في فترة ولايته في عرض خطة اقتصادية مناسبة أو ميزانية حقيقية يمكنها التعامل مع الازمة الاقتصادية.
التضخم المتزايد الذي بلغ 40 في المئة، ونسبة البطالة التي بلغت 8 في المئة، اضافة الى انخفاض سعر الريال، الذي كان في العام 2018، 42 ألف ريال للدولار مقابل 650 ألف ريال للدولار في الشهر الماضي. إن تحطم الطبقة الوسطى وهرب الادمغة الكبير وملايين الاشخاص الذين فقدوا اماكن العمل والمظاهرات في 2022 بعد قتل مهاسا اميني على يد رجال شرطة الآداب، هزت النظام وجعلت رئيسي أحد الرؤساء الاسوأ في تاريخ ايران.
في المقابل، بصفته مقرب جدا من خامنئي، فان رئيسي يحظى بالدعم، وحتى أنه يعتبر أحد المرشحين لوراثة خامنئي في مستقبلا. الجهة المسؤولة، حسب الدستور، عن تعيين الزعيم الاعلى، هي مجلس الخبراء. ولكن خامنئي عين في السابق لجنة تتكون من ثلاثة اشخاص، من بينهم رئيسي، مهمتها التوصية بالوريث. مع ذلك فان التقدير هو أن خامنئي قرر من سيكون وريثه. منصب رئيسي، اذا قتل، سيشغله نائبه الاول. ولكن المتوقع هو اجراء انتخابات مبكرة.