ترجمات عبرية

هآرتس: “سنة تشرتشل” لنتنياهو

هآرتس 8/10/2024، انشل بابر“سنة تشرتشل” لنتنياهو

في خطابه في الكونغرس في تموز الماضي ذكر بنيامين نتنياهو قرار الادارة تأخير ارسالية قنابل شديدة القوة لاسرائيل. ترافق خطابه واقتباسات عن ونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية: “اعطونا الأدوات وسننهي المهمة”.

الاختيار التاريخي – من داخل توجه تشرتشل الى الرئيس روزفلت في بداية 1941، حين كانت بريطانيا وحدها أمام النازيين وكانت تواقة لارساليات السلاح من الولايات المتحدة – كان مضللا وناكرا للجميل. فبريطانيا تشرتشل كان يمكنها فقط أن تحلم بالقطار الجوي الامريكي الذي يهبط في اسرائيل بانتظام منذ نشوب الحرب في غزة. ناهيك عن نشر حاملات الطائرات والاسراب القتالية الامريكية، كتلك التي شاركت في اعتراض رشقة الصواريخ والمسيرات من ايران في 14 نيسان.

لكن نتنياهو، رغم كل السيرة الذاتية لتشرتشل وقصص التاريخ عن الحرب العالمية التي قرأها لا يمكنه أن يضبط نفسه. ففي نظر نفسه هو ونستون تشرتشل جيلنا، وحتى ذروة دعوات تشرتشل للخطابة في الكونغرس حطمها، حين فعل هذا اربع مرات. كما لخص ايضا من خطاب “دم، عرق ودموع”: “نصر، نصر بكل ثمن، لا يهم كم طويلة ستكون الطريق إذ بدون حرب لا بقاء”، في شعار من كلمتين، سرعان ما طبع على القبعة. نتنياهو أسير في شخصية تشرتشل رغم أنه تعلم منه الشعارات أساسا.

حقيقتان تاريخيتان جوهريتان تفرقان بينهما. صحيح أنه كان لتشرتشل تجربة سياسية جمة حين عين رئيسا للوزراء في 1949، لكنه قبل ذلك لم يكن في المنصب العالي. العقد ما قبل ذلك اسماه “سنوات صحرائي”: سنوات من المنفى الداخلي بعزلة داخل الحزب المحافظ الذي رأى معظم زعمائه به نموذجا خطيرا وليس مصداقا. في هذه السنوات تمرد تشرتشل على الخط الحزبي وعارض بشدة السياسة التصالحية لسلفه نويل تشمبرلين تجاه المانيا النازية. هوة تفصل بين تشرتشل ونتنياهو الذي في سنواته الطويلة كرئيس وزراء قبل 7 اكتوبر اختلق مفهوم الاحتواء وعزز حماس في غزة. التضارب المطلق بين الرجلين ينعكس ايضا في الشكل الذي وصل فيه تشرتشل في النهاية الى الحكم: بعد ثمانية اشهر من نشوب الحرب العالمية، في اعقاب الهزيمة العسكرية التي تكبدتها بريطانيا في المعركة على النرويج، ومع بدء الاجتياح الالماني لدول غربي اوروبا. وللدقة، دخل تشرتشل داونينغ 10 حتى دون أن ينتخب لرئاسة الحزب المحافظ، وبفضل انذار طرحته احزاب المعارضة. الليبراليون وحزب العمال رفضوا أن يكونوا شركاء في الائتلاف تحت تشمبرلين أو تحت شريكه في سياسة المصالحة – وزير الخارجية هليفيكس. 

ليس كنتنياهو – الذي فقد ثقة اغلبية الجمهور الاسرائيلي ويتمترس في داخل حكومة يمين متطرف – تشرتشل في ايام الحرب وقف على رأس حكومة وطنية شكلتها الاحزاب الثلاثة الكبرى.

من المغري ايضا تشبيه نتنياهو، أبي مفهوم “احتواء حماس”، بتشمبرلين المتصالح. لكن ليس مثل نتنياهو، فهم تشمبرلين الحاجة الى الوحدة الوطنية في ساعة الحرب. كان يمكنه أن يبقى رئيس وزراء بتأييد من الاغلبية الكبرية للمحافظين في البرلمان، لكنه اختار الاستقالة حين فهم أن هذا هو السبيل الوحيد لتوسيع الحكومة.

من كل ما كتب ونحن نعرفه عن ونستون تشرتشل، واضح أنه في مجال المزايا الشخصية، هو ونتنياهو نقيضان تامان. تشرتشل لم يخف من اتخاذ قرارات ثورية، حتى تلك التي كانت تتعارض ومواقف “قاعدته”. لم يعمل بـ “توجيهات”، بل اعطى الأوامر وبعد ذلك تأكد من تنفيذها. تشرتشل وثق جدا باعضاء طاقمه، وبالمقابل، حظي بثقتهم. كما أنه لم يخشى من العمل المشترك مع خصوم سياسيين.

لما كانت المحبة للسيجار ليست ميزة، يمكن القول إن الميزة المشتركة بين نتنياهو وتشرتشل هي قدرتهما على كتابة الخطابات والقائها.

أما الحقائق التاريخية فأقل اهمية. نتنياهو بالطبع ليس تشرتشل، واسرائيل 2024 ليست الامبراطورية البريطانية في 1940. لكن رئيس وزرائنا يؤمن بكل قلبه بأنه تشرتشلنا. مع دخوله الى سنة اخرى من حرب لا تنتهي، هذا الاعتقاد الذاتي سيجد تعبيره بقرارات تؤثر على حياتنا جميعا.

في السنة الاولى من الحرب قلل نتنياهو من القيادة. فهو اساسا كان يرد (وحتى هذا بصعوبة) على الواقع الرهيب الذي فرض على اسرائيل. هو لم يدر الحرب في غزة، وبالتأكيد لم يدخل الى التفاصيل العملياتية. حضوره وجد تعبيره اساسا باقرار متردد للخطط وبمنع كل مبادرة لبلورة استراتيجية لانهاء الحرب. بخلاف تشرتشل، الذي لم يتردد في استبدال جنرالات وفرض رأيه على خطوات الحرب، نتنياهو دخول الى حرب خنادق مع وزير الدفاع وهيئة الاركان. وحتى تغيير الاتجاه في الشهرين الاخيرين، اساسا في لبنان، فرض عليه لاضطرارات عملياتية. التشرتشل الذي فيه طل هذه السنة اساسا بالخطابات وفي اطلاق الشعارات العليلة. من ناحيته هو “دخل الى الشخصية”.

الآن، حين تدخل الحرب في سنتها الثانية يلوح لنتنياهو الامر الحقيقي. حرب ضد ايران هي لحظة حقيقته التشرتشلية. ومثل موضع تقليده (الذي كان صوتا وحيدا في الغرب الذي حذر من المانيا النازية ودعا الى التسلح المتعاظم)، هكذا تصرف نتنياهو حين على مدى السنين حذر العالم من التهديد الايراني. في الماضي منعت القيادة الامنية خروجا الى معركة عسكرية ضد ايران، وهكذا ايضا معظم اعضاء الكابنت السياسي – الامني والادارة الامريكية. أما الآن، حين لاحت الفرصة بعد رشقة الصواريخ الباليستية من ايران، يؤمن نتنياهو بأن لديه شرعية تاريخية للعمل. قادة جهاز الامن – ليس مثله هم نادمون على خطيئة قصور 7 اكتوبر، وهم ايضا يبحثون عن مخرج من حكم التاريخ – لم يعودوا يقفون في طريقه. جو بايدن ايضا لا يبدو أنه حاجز لا يمكن عبوره. بعد الانتخابات في تشرين الثاني ستكون فترة الصمت بين الادارتين. وبعد ذلك من يدري، لعل دونالد ترامب يعود الى البيت الابيض.

نتنياهو مقتنع أن في 7 اكتوبر المذنبون فقط هم قادة الجيش والشباك، لكنه هو ايضا يقرأ الاستطلاعات ويعرف أن الكثيرين يرون فيه المذنب الاساس. لكن مثلما قبل 29 سنة، بعد اغتيال رابين نجح في قلب الجرة رأسا على عقب والفوز في الانتخابات – الآن ايضا هو مصمم على ترجيح كفة حكم التاريخ. هو بالتأكيد يؤمن بأنه سينقذ ارثه وأنه بدلا من أن يسجل كالزعيم الاسوأ في ألفي سنة تاريخ يهودي – سيذكر كتشرتشل اليهودي – الرجل الذي وحده حذر من العواصف والمخاطر، وهو الذي قاد العالم الحر الى النصر المطلق على الشر.

المستقبل القريب لا يمكن توقعه. ربما سلسلة هجمات على منشآت النووي والنفط الايرانية (بمساعدة بعض التصفيات المركزة) ستقرب سقوط نظام آيات الله. ربما ينضم الامريكيون الى المعركة ايضا، مثلما فعلوا في 1941. المؤكد هو أن اسرائيل تدخل الى سنة اخرى من حرب رهيبة، فيما يقف على رأسها أسير في صورة ذاتية تاريخية كاذبة، منقطع اكثر من أي وقت مضى عن واقع حياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى