هآرتس: سليمان مسودة، المُبشر بالدولة الواحدة
هآرتس 28/4/2024، جدعون ليفي: سليمان مسودة، المُبشر بالدولة الواحدة
تقريبا أي محاولة للعثور في هذه الايام على بصيص أمل، مصيرها الفشل؛ هذه ايام ظلامية لا مثيل لها. وبعد قول ذلك فها هو رغم ذلك شعاع ضئيل بمناسبة عشية العيد يظهر من وراء الظلام: سليمان مسودة. المقابلة الممتعة التي اجراها معه روني كوبان (“لقاء”) في الاسبوع الماضي، يمكن أن تعطي الأمل بواقع مختلف. المراسل السياسي في “كان 11” قال “هكذا يمكن أن تبدو الدولة”.
الواقع الذي وصفه مسودة معقد جدا ومؤلم، وللوهلة الاولى هو صعب المنال ومليء بالتناقضات. “دولة ديمقراطية واحدة”، التي لا يمكن ألا تثير المعارضة وعدم الثقة والاستخفاف والتشكيك من قبل الشعبين. مع ذلك هي تبعث على الأمل.
بالنسبة لعدد كبير من الفلسطينيين فان مسودة يعتبر عميل. وبالنسبة لعدد كبير من اليهود هو عربي، أي أنه مشتبه فيه بمجرد تعريفه. وحتى الآن لا يمكن احترام هذا الشاب المثير للانطباع، ولا يمكن عدم تقدير الطريق التي لا تصدق، التي قطعها في هذه الفترة القصيرة. وفوق كل ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة أنه فعل ذلك خلافا لجميع الاحتمالات. اذا كان مسودة هو المراسل السياسي في القناة 11 فانه ذات يوم سيتمكن هو وامثاله أن يكون ايضا عضو في الحكومة. واذا كان مسودة يستطيع تغطية نقاشات الكابنت فانه يستطيع ايضا أن يكون أحد الاعضاء فيه.
بشكل أنيق ومصقول واكثر بلاغة من معظم المراسلين في التلفزيون الاسرائيلي فان مسودة فعل ما لا يمكن فعله: حتى جيل العشرين لم يكن يعرف أي كلمة بالعبرية. وفي جيل الـ 28 اصبح مراسل سياسي في التلفزيون. عندما كان عمره 14 سنة تعرض للاهانة والضرب على نقاط التفتيش اثناء ذهابه الى المدرسة. وبعد 14 سنة يغفر اهانته دون أن يفقد كرامته.
مسودة ترعرع في الحي الاسلامي، وهو ابن لعائلة من الخليل. وقد سافر ثلاث مرات مع جده الى مكة – هو فلسطيني وليس “عربي اسرائيلي” أو المهرج يوسف حداد. لقد حافظ على صورته. فلسطيني خالص، خطط للتعلم في جامعة بير زيت، واكتشف في جيل العشرين بأن النادلين الفلسطينيين في فندق “قلعة داود” لا يحصلون على البقشيش، خلافا لمن يتكلمون اللغة العبرية. لذلك قرر أن يدرس اللغة العبرية. بعد بضع سنوات هو الذي ينبئكم عن موقف ايتمار بن غفير ويتم استدعاءه لمحادثة لدى بنيامين نتنياهو. منذ شهر ايلول لم يتجرأ على زيارة بيت عائلته في البلدة القديمة بسبب التهديد. مسودة يعيش في تل ابيب مع زوجته اليهودية، التي حسب مكان عملها السابق فانه مشكوك فيه أن تكون حتى يسارية. هو يكتب التقارير عما تفعله بلاده بأبناء شعبه، دون أن يعبر عن احاسيسه، التي لا شك أنها احاسيس صاخبة.
مسودة لم يقم ببيع روحه للشيطان. هو يحاول شق طريق اخرى، ربما لا توجد لها أي احتمالية. وهو نفسه يعترف أنه مشكوك فيه أنه يستطيع البقاء هنا، بالضبط مثل سابقه، السيد كعوش، الذي غادر.
لا يمكن الغاء الانتقاد الشديد لكثير من الفلسطينيين، بما في ذلك اعضاء الكنيست العرب، لنهجه. وفي نفس الوقت لا يمكن عدم الشعور بالتقدير الكبير له، رغم كل ذلك. هو تجاوز الحدود، وهو نفسه يعترف بذلك. لكنه لم يقم بمحو أي شيء من هويته أو من كرامته. “يبدو أنني في الطريق التي لا رجعة عنها. “الفأس وقعت بالرأس” حسب المثل العربي”، قال لكوبان واثبت الوعي الذاتي. ايضا هو سلعة نادرة للمراسلين في التلفزيون.
من السهل نفي ذلك والقول: متعاون. محاولته الادعاء في المقابلة بأن الجيش الاسرائيلي “لا ينوي المس بالابرياء” لم تضف له الاحترام، أو مراوغته. “أنا لن أقول إن هذا مجتمع عنصري. لكني جربت العنصرية”. ومن السهل القول بأنه الاستثناء الذي يثبت القاعدة. فلا توجد أي احتمالية للتعايش معا. الفلسطينيون هنا لا توجد لهم أي فرصة.
رغم كل ذلك فانه خلال ساعة قام هذا الشاب الساحر بنسج نص مفعم بالامل لواقع مختلف، واقع المساواة، على الاقل حتى نهاية المقابلة.