هآرتس: ساعة «الشرعية» تتكتك
هآرتس 2023-11-03، بقلم: عاموس هرئيل: ساعة «الشرعية» تتكتك
تفاقم القتال في قطاع غزة يسرع محاولة التوصل الى اتفاق حول إطلاق سراح عدد من المخطوفين المحتجزين لدى حماس. بعد بضعة ايام من التأخير المتعمد، سمحت حماس أمس لمئات أصحاب الجنسيات الاجنبية بالخروج من القطاع الى مصر في معبر رفح. في نفس الوقت تم نقل عشرات الفلسطينيين المصابين باصابات خطيرة بسبب القصف الاسرائيلي الى العلاج في مصر، لأن المستشفيات في القطاع تجد صعوبة في علاج المصابين اثناء القتال، وتصدر التقارير عن الانقطاع المستمر في تزويد الكهرباء.
هذه الخطوات غير مفصولة عن الجهود المبذولة لاطلاق سراح عدد من المخطوفين، التي تديرها قطر. حماس تنشر الكثير من المعلومات غير الصحيحة، بالاساس حول المخطوفين، لذلك من الجدير الاخذ بحذر كل أمر تنشره حماس. مع ذلك، جهات رفيعة في حماس قالت أمس لقناة “الجزيرة” بأنه تم استئناف المحادثات حول اطلاق سراح مخطوفين لديهم جنسيات اجنبية، وربما أيضا بعض المخطوفين الذين اصيبوا، حسب ادعاءاتهم، بسبب الهجمات الاسرائيلية. من غير الواضح اذا كانوا يقصدون الاسرائيليين الذين لديهم جنسية مزدوجة أو الاجانب فقط، ومن بينهم سياح أو عمال اجانب عملوا في الكيبوتسات في الغلاف.
اضافة الى ذلك نشر أن روسيا التي تدعم حماس في المواجهة، طلبت منها اطلاق سراح ثمانية اشخاص يوجدون بين المخطوفين. الخطوات التي تقوم حماس بفحصها تستهدف ايضا أن تحقق لها تسهيلات في فترة الحرب. القلق الاكبر لحماس هو التزود بالوقود المطلوب لها لمواصلة تمكين قادتها الكبار ومقاتليها من الجلوس في شبكة الانفاق. المحادثات تجري في الوقت الذي زاد فيها الجيش الاسرائيلي بشكل كبير الضغط على حماس. الدخول الى عمق المنطقة يرافقه قتال صعب. الجيش الاسرائيلي اعلن أنه في اليومين الاخيرين قتل في المعارك 16 جندياً، من جفعاتي ومن اللواء 7 التابع لسلاح المدرعات ومن كتيبة الاحتياط 749. الكثير من القتلى اصيبوا بنار الصواريخ المضادة للدروع التي تم توجيهها ضد قوات مشاة وآليات مدرعة. حتى الآن من بين مئات الصواريخ المضادة للدروع، التي تم اطلاقها على القوات، فقط ثلاثة صواريخ تسبب باصابة. في الطرف الفلسطيني يدور الحديث عن مئات القتلى منذ دخول الجيش الاسرائيلي، من بينهم مخربون والكثير من المدنيين.
العملية التي وصفت بأنها حركة بطيئة الى الامام نحو قطيع فيلة، تعمل الآن بقوة كبيرة. الجيش الاسرائيلي يتقدم في ضرب الوية حماس في منطقة العمليات، ويهاجم مقرات للقيادة ويقتل قادة من المستوى التكتيكي، قادة كتائب وفصائل. يبدو أن هناك تنسيقا وثيقا بين القوات البرية وسلاح الجو وجهاز الاستخبارات. مع ذلك، جهود المس بقادة اكبر وزنا فان الانجازات ما زالت محدودة.
ازاء القتال الصعب في شمال القطاع فانه من المرجح أن الهرب نحو الجنوب سيستمر، رغم الاكتظاظ الكبير والظروف القاسية. حسب طلب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي فان اسرائيل تسمح الآن بحركة اكبر للشاحنات التي تحمل المساعدات الانسانية من مصر الى جنوب القطاع. الجيش الاسرائيلي يستخدم النار الثقيلة وبحجم ضخم، جوا وبرا، الامر الذي يتسبب بالكثير من القتلى من حماس. ولكن القتال في منطقة مبنية ومكتظة مقرون باخطار كثيرة ايضا للقوة التي تقوم بالهجوم.
رغم أن اسرائيل تكبدت بخسائر كثيرة في الهجوم الارهابي في 7 تشرين الاول، هذه الحقيقة لم تحصن الجمهور الاسرائيلي من التأثير القاسي لخسائر الجيش الاسرائيلي، حتى ايضا عندما يدور الحديث عن عملية برية هجومية.
يوجد تياران تأثيرهما مندمج. من جهة، التضامن الاجتماعي كبير خلافا لجهود حكومة نتنياهو في التمييز بين اجزاء الشعب. أي خبر عن قتلى يثير ردود متماهية في كل شرائح الجمهور.(قرار قنوات التلفاز بث الجنائز للجنود هو أمر يفطر القلب. ولكن على المدى البعيد من غير المؤكد أنه سيساعد في الجهود الحربية. من جهة اخرى، يبدو أنه بالنسبة للاغلبية الساحقة في اسرائيل لا يوجد في هذه المرة أي نقاش حول عدالة الطريق. اعضاء حماس خرقوا وقف اطلاق النار في بداية الحرب، وذبحوا مدنيين عزلا ونكلوا واختطفوا. هذه الافعال أدت بمعظم الجمهور الى الاستنتاج بأنه في هذه المرة هذه حرب لا مناص منها، تبرر اتباع مقاربة عنيفة في الهجمات على غزة (التي هدفها الثانوي هو تقليص الخطر على الجنود)، ايضا استعداداً لتحمل الخسائر.
ما لم يتساوق تماما مع سلم الاولويات هذا هو القلق الطبيعي على مصير المخطوفين. انقاذ الجندية اوري مغيدش هو تقريبا بمثابة معجزة استخبارية وعملياتية. سيكون من الصعب تكرار مثل هذه العملية بحجم واسع اثناء القتال.
ساعة الشرعية
في المقابل، يبدو أن التعاطف الدولي مع المأساة التي شهدتها اسرائيل آخذ في النفاد بسرعة. مساء أول أمس تمت مهاجمة جوا موقع عسكري لحماس في جباليا وقتل قائد كتيبة لحماس. الفلسطينيون نشروا في البداية عن 50 شهيدا، وبالغوا الى أن وصل العدد الى 400، بعد ذلك خفضوا العدد الى بضع عشرات من المسلحين والمدنيين. من التفجيرات الجانبية يبدو أنه تم في المكان تخزين كمية من السلاح. أمس نشر عن المزيد من القتلى في هجوم مشابه في جباليا.
وسائل الاعلام الاجنبية مصابة بالصدمة من المشاهد في غزة. ولكن عددا كبيرا من وسائل الاعلام لا تقدم أي مضمون عن مستوى القتل لحماس وعن الاستخدام المتعمد للمدنيين كدروع بشرية وعن تخزين السلاح الذي يزيد ابعاد الدمار في كل عملية قصف. الهجمات والخسائر يوجد لها تأثير ايضا في الرأي العام الفلسطيني. الانطباع في غزة، هذا اكثر مما في عملية الجرف الصامد، هو أن اسرائيل قد ازالت عن نفسها قيود الحذر وأنها تهاجم بغضب شديد. ربما أنه يوجد في ذلك ما من شأنه أن يثير التخوفات في الجانب الفلسطيني حول احتمالية النجاح في المعركة.
عن المزاج الذي يحب القتل في قيادة حماس تشهد مقابلات اجرتها شخصيات كبيرة في المنظمة مؤخرا. عضو المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق، قال لشبكة “آر.تي” الروسية بأن الانفاق التي قامت حماس ببنائها هدفت الى حماية رجالها من الطائرات الاسرائيلية، في حين أن المسؤولية عن حماية المدنيين في قطاع غزة تتحملها الامم المتحدة واسرائيل. مصدر رفيع آخر، غازي حمد، الذي كان رجل اتصال مقبولا على المراسلين الاسرائيليين، قال إنه “يجب ازالة اسرائيل من الاراضي الاسلامية. يجب علينا القضاء على اسرائيل، وأن نعلمها درسا”، هدد. “طوفان الاقصى (هجوم 7 تشرين الاول) هو فقط المرة الاولى. وستكون هناك مرة ثانية وثالثة ورابعة”.
رغم أن نوايا حماس واضحة إلا أن ساعة الشرعية الدولية بدأت في التكتكة بشكل يزعج اسرائيل. الاردن اعلن أمس عن اعادة السفير من اسرائيل من اجل التشاور. وزير الدفاع الاميركي نشر ملخصا عن محادثته مع وزير الدفاع الاسرائيلي، أكد فيه على الحاجة الى اعطاء الاولوية لسلامة المدنيين في القطاع وادخال المساعدات الانسانية لهم. في الغد سيصل الى البلاد وزير الخارجية الاميركي بلينكن. في اسرائيل ينتظرون الرسالة التي سيجلبها معه من الرئيس الاميركي بايدن حول مستوى الصبر الاميركي.
في هذه الاثناء الولايات المتحدة تقوم باستكمال تجميع القوة العسكرية الكبيرة التي نشرتها في شرق البحر المتوسط وفي الخليج الفارسي. القوات الاميركية تكبدت تقريبا 40 هجمة صواريخ ومسيرات على قواعدها في العراق وفي سورية من قبل المليشيات الشيعية المؤيدة لايران. المتمردون الحوثيون في اليمن هم مصدر آخر للقلق على خلفية محاولة اطلاق الصواريخ والمسيرات نحو اسرائيل. وحتى الآن اسرائيل تعتبر ذلك جبهة هامشية نسبيا، وهي تركز على اعتراض الهجمات. عند الحاجة، يبدو أن الولايات المتحدة هي التي ستعالج هذا التهديد بشكل هجومي. ولكن من الجدير الانتباه الى تهديد آخر للحوثيين وهو المس بالتجارة البحرية لاسرائيل التي تمر في البحر الاحمر. هذا، اكثر من الاطلاق المتقطع للنار نحو ايلات، اصبح قضية استراتيجية بالنسبة لاسرائيل، ويمكن أن يكون له تأثير بعيد المدى.
في لبنان ينتظرون خطاب رئيس حزب الله، حسن نصر الله، في الغد. أمس تكبد حزب الله قتلى عندما هاجم الجيش الاسرائيلي ست خلايا اطلقت صواريخ مضادة للدروع وقذائف الهاون على الجليل الغربي. مصادر في حزب الله، اقتبست في الصحافة في لبنان، يقولون بأن حزب الله سيتدخل بشكل اوسع في الحرب اذا كان هناك خطر فوري على بقاء حماس. في اسرائيل يستعدون ايضا لهذه الاحتمالية، يذكرون بأن دخول حزب الله الى “حرب المدن” تشمل اطلاق الصواريخ والقذائف على الجبهة الداخلية في اسرائيل سيؤدي الى دمار كبير للبنان من النوع الذي تشهده غزة الآن.
وزير الدفاع، يوآف غالنت، وممثلو الجيش الاسرائيلي، حذروا مؤخرا من تصعيد محتمل في الضفة الغربية على خلفية اجراءات اليمين المتطرف. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، يضغط لعدم تحويل اموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية، التي تحتاج هذه الاموال من اجل دفع رواتب اعضاء الاجهزة الامنية. من خلف الكواليس وفي الشبكات الاجتماعية كان هناك من أرادوا أن تهزم اسرائيل حماس في غزة. ولكن اجراءات اسرائيل تدفع السلطة نحو الزاوية وتزيد احتمالية المواجهة. القلق من الوضع في الضفة يتم طرحه في كل محادثة مع الادارة الاميركية، التي مؤخرا قامت بتعميق تغطية الاقمار الصناعية هناك من اجل متابعة عن كثب توسيع البؤر الاستيطانية.