هآرتس: روليتا روسية في قطاع غزة
هآرتس 4/11/2024، اسحق بريك: روليتا روسية في قطاع غزة
في حزيران كتبت وثيقة عن جنود الجيش الاسرائيلي الذين يقتلون بالعبوات الناسفة والكمائن اثناء تمشيط البيوت في قطاع غزة. وقد كتبت في الوثيقة بأن سبب ذلك هو أن القيادة العليا لا تطبق الدروس. للاسف، لم يتغير أي شيء منذ ذلك الحين. الاهمال يستمر. الجنود يدخلون الى البيوت المفخخة بدون أي فحص، ويقتلون. الاغلبية الساحقة من الحالات التي يقتل فيها الجنود ويصابون في القطاع تنبع من عدم الانضباط العملياتي، وعدم استخلاص الدروس وتطبيقها، وتجاهل القادة الكبار للاحداث الخطيرة. أي اطلاق نار صديقة من قبل قواتنا. دخول غير مراقب للبيوت المفخخة وفتحات الانفاق وانفجار عبوات.
تحليل بيانات القتال في لبنان سيجري بعد العملية. ولكن من الواضح أنه ايضا في القرى اللبنانية يوجد لاسرائيل الكثير من القتلى والمصابين بسبب عدم الانضباط العملياتي وعدم تطبيق تمارين اساسية للتقدم الصحيح نحو الهدف. في جزء من الاحداث الصعبة في لبنان سار الجنود وهم منتصبون نحو الهدف ودخلوا الى بيوت مفخخة بدون الفحص المسبق، الامر الذي هو مطلوب حسب الاوامر. المورد الاكثر اهمية بالنسبة لنا، حياة الانسان، اهملته وتخلت عنه القيادة العليا للجيش الاسرائيلي في حرب “السيوف الحديدية”.
أنا تحدثت مع قادة اثناء الحرب في قطاع غزة. وقد قالوا لي بأنه في احداث صعبة، عندما قتل واصيب عشرات المقاتلين، أمر رئيس الاركان بأن يقوم كل قادة الوحدات بالتحدث الى جنودهم حول الحدث وتعليمهم كيفية التصرف حسب الاجراءات والاوامر كي لا تتكرر كوارث كهذه. حسب اقوالهم فان توجيهات رئيس الاركان في موضوع الانضباط العملياتي لم تنزل الى الميدان بشكل عام، بل علقت في الطريق. بالتوجيهات التي وصلت لم يحدث أي شيء ولم يتم اصلاح أي شيء، والوحدات استمرت بالتصرف بنفس الطريقة. وحسب قولهم فان سبب ذلك هو نقص الرقابة والمتابعة من قبل المستوى الاعلى لتنفيذها. والاخطر من ذلك هو أنه عندما يطلب القائد من المسؤولين عنه الحصول على وسائل لفحص البيت قبل دخوله مع الجنود من اجل تمشيطه فان الجواب الذي يحصل عليه احيانا من قادته هو “تدبر الامر مع ما هو موجود لديك”. إن أمر الجنود بالدخول الى البيوت بدون وسائل فحص هو مقامرة بحياتهم.
“منذ فترة طويلة وقواتنا تعود وتهاجم مرة تلو الاخرى نفس الاماكن التي سبق أن احتلتها في قطاع غزة بسبب نقص الفائض من القوات، الامر الذي لا يسمح بالبقاء لفترة طويلة في المنطقة التي تم احتلالها. في كل هجوم كهذا نحن ندفع ثمنا باهظا جدا بالقتلى والمصابين. هذا القتال يذكرنا بحرب الخنادق في الحرب العالمية الاولى، التي تم فيها ارسال الجنود من خلال الخنادق وركضوا وهم مكشوفون في مناطق حيث كانت اجسادهم امام وسائل اطلاق لهب قاتل وبنادق وسقطوا باعداد كبيرة. في الواقع مقاتلو الجيش الاسرائيلي لا يهاجمون رجال حماس الذين يطلقون اللهب لأن حماس تقاتل حرب عصابات ولا تسعى الى الاشتباك وجها الى وجه، بل تقوم بنصب الكمائن وتفجر العبوات في المباني وتطلق الصواريخ وتختفي في فتحات الانفاق، وهكذا تلحق بالجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة.
“في كل يوم يمر يقتل جنودنا عند دخولهم الى البيوت المفخخة بدون انضباط عملياتي أو اجراءات اساسية أو تعلم الدروس أو رقابة ومتابعة من قبل القادة الكباير أو بدون تنفيذ تمارين اساسية قبل دخول المباني (مثل اطلاق قذيفة دبابة أو قذيفة مدفعية أو ارسال حوامة أو كلب أثر) من اجل فحص المبنى. يدخلون الى بيت مفخخ بعمى مطلق، مثل الاعمى في المدخنة أو مثلما في اللعبة القاتلة للروليتا الروسية، ويقتلون بتفجير العبوات بسبب المخاطرة المتعمدة من قبل قادتهم، وهكذا فان حياة الجنود يتم تركها للحظ.
هذا “الروتين” يعود مرة تلو الاخرى، وبسبب ذلك تجرى الجنازات المؤلمة، وكثيرون يحزنون جدا، والحزن الفظيع يسيطر على الجميع، ولكن لا أحد ينبس ببنت شفة أو يقوم بالاحتجاج. كل ذلك يحدث بدون أي هدف، ودخول الجنود الى البيوت المفخخة لا يساهم في التقدم في الحرب. هذه هستيريا لا يمكن قبولها أو فهمها، ويجب عدم الوقوف مكتوفي الأيدي.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook