هآرتس: رغم مرونة حماس والرحلات المكوكية للوسطاء، صفقة التبادل ما زالت بعيدة
هآرتس 12/7/2024، عاموس هرئيل: رغم مرونة حماس والرحلات المكوكية للوسطاء، صفقة التبادل ما زالت بعيدة
الرد الذي قدمته حماس في الاسبوع الماضي للوسطاء بخصوص اقتراح بايدن – نتنياهو لصفقة التبادل، عكس مرونة معينة في موقف حماس، بالاساس بخصوص الانتقال بين مراحل الصفقة وامكانية مناقشة قضايا تتجاوز عدد السجناء الفلسطينيين الذين سيتم اطلاق سراحهم. ربما هذا الامر يتعلق بالجهود الامريكية التي بذلت على دولة وساطة اخرى، قطر. اعتماد حماس المالي على قطر كبير، ومؤخرا القطريون يواجهون ايضا الآن حرب نفسية تجري ضدهم في واشنطن وتكشف منظومة التأثير المتشعبة التي اداروها في العاصمة الامريكية وفي الجامعات باستثنار مليارات الدولارات.
بعد رد حماس سيطرت روح ايجابية على كبار جهاز الامن الذين يأملون أنه في هذه المرة، بطريقة معينة، سيكون بالامكان التوصل على الاقل الى تنفيذ المرحلة الاولى للصفقة. المرحلة التي سيتم فيها اطلاق سراح 33 مخطوف لاسباب انسانية، نساء وكبار سن وجرحى، رغم أنه يبدو أن فقط حوالي 18 من بينهم ما زالوا أحياء. وزير الدفاع يوآف غالنت، ورئيس الاركان هرتسي هليفي، صرحا في هذا الاسبوع علنا بتصريحات لصالح عقد الصفقة رغم أنه من الواضح أنها ستلزم اسرائيل بتقديم تنازلات مؤلمة. غالنت ايضا يتلقى انتقادات من المقاعد الخلفية في حزبه (الليكود).
لكن رغم الرحلات المكوكية في هذا الاسبوع بين القاهرة والدوحة إلا أنه يبدو أنه حتى الآن لا توجد اسباب للتفاؤل. مبعوثو الادارة الامريكية يعتقدون أنهم ربما سينجحون في التوصل الى صفقة، وأن نتنياهو سيضطر الى قبولها، لكن يوجد شك اذا كان هذا هو حقا الوضع. التقدير المنطقي اكثر هو أن رئيس الحكومة سيقوم بتأخير رده الى ما بعد القاء خطابه في الكونغرس في 24 الشهر الحالي. ولكن دائما يمكن العثور على ذريعة من اجل الانسحاب من المفاوضات.
الصعوبة الرئيسية تكمن في الواقع الاساسي، وقد تم اثباتها في مساء يوم الاحد فيما عرف بـ “تأكيد القتل”، التصريح الذي اصدره مكتب نتنياهو قبل بضع دقائق على عقد رئيس الحكومة جلسة حول المفاوضات مع رؤساء جهاز الامن. رئيس الحكومة اضاف هناك عدة بنود تعجيزية، وكأنها استهدفت ضمان أن لا شيء سيتقدم في المحادثات. للوهلة الاولى هذه طلبات امنية مثل منع عودة المخربين الى شمال القطاع والابقاء على تواجد الجيش الاسرائيلي في ممر نتساريم؛ الحفاظ على السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح لمنع تهريب السلاح من مصر؛ تمكين اسرائيل من استئناف القتال حتى تحقيق اهداف الحرب. عمليا، نتنياهو يقول هنا “أنا مستعد لوقف الحرب اذا وافقتهم على ضمان سيطرتنا الامنية على النقاط الرئيسية في القطاع”.
حماس لا تميل الى الموافقة على هذه الطلبات. في حين أن نتنياهو يستند الى الاستطلاعات التي تدل على أنه حتى لو كان الجمهور في اسرائيل يريد اعادة المخطوفين، إلا أنه في اغلبيته يخشى التنازل عن انجازات الجيش الاسرائيلي في الحرب. ولكن هذا ليس الموضوع، الاخطار التي تنطوي على اطلاق سراح 1000 سجين أمني، من بينهم قتلة. جوهر الموضوع، على الاقل منذ كانون الثاني الماضي، هو اعتماد نتنياهو على شركائه، وزراء اليمين المتطرف ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين اعلنوا في السابق بأنهم سيفككون الائتلاف اذا ذهب الى صفقة. شبكة الامان التي سيوافق على أن يقدمها له عدد من احزاب المعارضة لتنفيذ الصفقة، لن تعزيه. هي ستعمل لفترة محدودة وبعد ذلك ستأتي المطالبة بالاعلان عن اجراء انتخابات مبكرة. هذا يبدو وكأنه السبب الرئيسي لادخال عقبات جديدة كمطالب لاسرائيل.
مثلما في جولات محادثات سابقة فان رجال بايدن يحرصون على نثر غبار التفاؤل. ديفيد ايغنوشيوس، المحلل العسكري في “واشنطن بوست”، كتب أمس نقلا عن جهة رفيعة في الادارة الامريكية بأن الخطوط الاساسية في الصفقة متفق عليها، والآن هم يناقشون طريقة تنفيذها. حسب قوله، هنا يكمن تحديث جديد، اسرائيل وحماس اتفقتا على اقامة حكم مؤقت في القطاع. هذا يعني أنه ستكون حكومة مؤقتة يتم تشكيلها خلال المفاوضات على المرحلة الثانية في الصفقة ولن تكون خاضعة لأي طرف من الطرفين. هذه الحكومة ستعتمد على قوة حماية قوامها 2500 شخص، تم تدريبهم من قبل الامريكيين، الذين سيكونون مرتبطين بالسلطة الفلسطينية. اذا تحقق هذا السيناريو فان حماس ستعود لتصبح نوع من حزب الله في القطاع، قوة عسكرية تعمل من وراء الكواليس، لكنها تبقي الصلاحيات المدنية لمنظمات اخرى. هذا يبدو في هذه الاثناء فكرة بعيدة المدى يصعب معرفة كيف سيتم تطبيقها، في حين أن العدد المتواضع لرجال الحماية الذي تم ذكره لن يمكن من السيطرة الناجعة في القطاع.
بين الاهرامات
في بداية هذا الاسبوع بدأت الشهر العاشر للحرب ضد حماس. اليوم يصادف ذكرى اخرى، الذكرى الـ 18 لحرب لبنان الثانية. رغم المنشورات التي تزعم العكس هنا وهناك، إلا أنه حتى اخفاقات الحرب الحالية لا يمكن أن تكون سببا للاشتياق الى حرب 2006. هذه كانت حرب فاشلة رغم أنها لم تنته بالهزيمة، إلا أنها تذكر بأنها حرب مخيبة للآمال ظهرت فيها محدودية قدرات الجيش الاسرائيلي.
بعد سنة ونصف على تلك الحرب أنا وآفي يسسخاروف قمنا بتأليف كتاب سميك بعنوان “خيوط العنكبوت”، حاول وصف مجريات الحرب. هنا وهناك في الاشهر الاخيرة حصلت على صور من جنود احتياط: في غرفة عمليات، في الشمال أو في الجنوب، يقرأ هذا الكتاب. المحبط جدا فيه، بتصفح جديد، هو أن عدد الاخفاقات والعيوب التي تميز الجيش الاسرائيلي وحكومة اسرائيل تمت ملاحظتها في حينه من قبل الجيش، وفي اعقاب ذلك تم البدء بعملية التصليح. وقد حكم علينا بتكرار بعضها، هذه المرة مع نتائج اكثر خطورة، بدرجة لا تقدر (عدد القتلى في الحرب الحالية عشرة اضعاف عددهم في الـ 34 يوم في الحرب السابقة).
الصعوبة في هذه المرحلة من الحرب الحالية تتعلق بالفجوة بين صورة قوة اسرائيل قبل الحرب وقوتها كما يتم عكسها في الواقع. الجيران، الاصدقاء والاعداء، بدأوا يتشككون، لكنهم يجدون صعوبة في تقدير وضعنا الحقيقي. اسرائيل بعد المذبحة، العالقة عميقا في الشرك الاستراتيجي الذي اوجدته حرب بدون حسم في الجنوب وفي الشمال، هي افعى جريحة توجد في اصعب ساعاتها. ربما جزء من الاخطار التي تأخذها على عاتقها لا تعكس فهم حالتها الحقيقية.
الامر يظهر، ضمن امور اخرى، في القرارات حول مواصلة سياسة التصفية لكبار قادة حزب الله، رغم الخوف من الانجرار الى حرب شاملة، في الوقت الذي فيه ازمة التسليح مع الولايات المتحدة لم يتم حلها، وقدرة الجيش الاسرائيلي تتآكل في غزة. هذا ينطبق ايضا على قضايا تجري حولها ازمة داخلية عاصفة، من قانون التجنيد وحتى قانون الحاخامات، بدون أن يستوعب المستوى السياسي خطورة الصعوبات، وأن يبلور بسرعة خطة للتغلب عليها.
إن شرك صورة القوة لا يتعلق فقط بالعلاقات بين المستوى السياسي والمستوى الامني. هو يظهر في تقارير الجيش نفسه. وفي كل زيارة يقوم بها رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الاركان في الوحدات في الميدان، يقول لنا كبار المسؤولين بأنهم تشجعوا مما شاهدوه هناك واستمدوا منه الروح القتالية. عمليا، كما يعرف كل شخص خدم في الجيش بأنه يصعب الهرب من النمط الذي يقول فيه قائد الفصيل لقائد الكتيبة الذي يبلغ قائد اللواء، بالضبط ماذا أراد أن يسمعه من البداية. تقريبا لا توجد حالة، حتى في وقت الحرب، فيها يعترف قائد امام المسؤولين عنه بكل الصعوبات الحقيقية. هذه ايضا الروح التي تهرب في المقابلات مع وسائل الاعلام عندما يأتي المراسلون لزيارة القوات.
قبل بضعة اشهر تم هنا وصف استراتيجية اسرائيل في عهد نتنياهو كنوع من العرض العبثي. خداع هرمي استمر لسنوات، الذي تحطم بضجة كبيرة في 7 اكتوبر، ونتائج فشله تظهر الآن بكامل خطورتها. الخطوات التي وعد بها الجمهور وتسويقها المتغطرس تم اكتشافها منذ ذلك الحين بكامل وضاعتها. تبين أن اسرائيل في ظل نتنياهو لم توقف المشروع النووي الايراني (قرار الرئيس دونالد ترامب بحث من رئيس الحكومة الانسحاب من الاتفاق النووي فقط سرع تقدم ايران). تهديد الصواريخ والقذائف حول اسرائيل ازداد، وبعد ذلك تم تحقيقه بشكل نزع بالكامل قدرته على أن يظهر كـ “الحامي الكبير” للاسرائيليين، حسب تعبيره. القضية الفلسطينية لم يتم ادخالها في تجميد عميق، بل عادت بكامل نشاطها. في حين أن الخطوات الالتفافية امام الدول العربية السنية تلخصت في عهده باقامة علاقات دبلوماسية غير بسيطة مع دولة الامارات والبحرين بدون أن تحصل اسرائيل على الجائزة الكبرى التي وعد بها، التطبيع مع السعودية.
لكن القصة لا تقتصر على البعد الاستراتيجي، توجد هنا مشكلة شخصية سياسية، التي فيها في الواقع تكمن بداية سقوط نتنياهو. مشكلاته بدأت في 2017 – 2018 حول نضوج ملفات الآلاف التي أدت الى استقالة عدد من مستشاريه ومقربيه بعد ذلك بقليل. هنا تم تمهيد الطريق لعدم الاستقرار الاستثنائي الذي سيطر على المستوى السياسي وأدى الى خمس جولات انتخابية في غضون ثلاث سنوات.
في النضال على تأخير الاجراءات القانونية ضده، والتهرب من الزنزانة في السجن التي اصبحت تظهر بوضوح كنتيجة متوقعة بعد انتهاء المحاكمة، فان كل الوسائل اصبحت مشروعة. لحظة الحضيض ظهرت بعد عودته الى الحكم بعد فوزه في انتخابات 2022. في حينه تم عقد التحالف غير المقدس مع اللاعبين الثلاثة الرئيسيين، الذين نتنياهو القديم لم يكن ليتجرأ على تخصيص وظائف رفيعة لهم في حكوماته السابقة – ياريف لفين في منصب وزير العدل، سموتريتش في منصب وزير المالية (وزير ثاني في وزارة الدفاع، والذي حصل فيما بعد على السيطرة بالكامل على المستوطنات)، بن غفير كمهرج للامن الوطني.
هذه الخطوات عادت لتطارده وتطاردنا كما حذر كثيرون رئيس الحكومة مسبقا. ومشكوك فيه اذا كانت توجد لنتنياهو مصلحة مبدئية في تغيير من الجذور جهاز القضاء، لكن منذ اللحظة التي اعطى فيها المفاتيح لمتعصب منغلق مثل لفين فان النتائج كانت معروفة مسبقا وتضمنت مواجهة داخلية غير مسبوقة، وفي اعقابها ازمة عميقة في جيش الاحتياط، التي غمزت بالتأكيد ليحيى السنوار كي يتخذ قرار شن الهجوم المفاجيء في الغلاف. الشركاء الآخرون في الائتلاف كانت لهم اسباب خاصة بهم لدعم هذه الخطوة. الحريديون ارادوا الدفاع عن الطريقة الفاسدة للحصول على الدعم المالي وارادوا اضعاف رقابة القضاء، الامر الذي صعب على ضمان اعطاء اعفاء ساحق من الخدمة العسكرية لرجالهم. من ناحية المستوطنين فان المحكمة العليا ازعجت (قليلا) مواصلة مهمة السيطرة على الضفة الغربية.
من اللحظة التي تسلم فيها سموتريتش وبن غفير منصبيهما قاما بتسريع عمليات الهدم. المعلومات الاستخبارية التي جمعها الجيش في القطاع في الاشهر الاخيرة تؤكد تحذير “أمان” لنتنياهو في فترة الانقلاب النظامي: الانقسام الداخلي حث حماس وجعلها تشعر بأنه يجب عليها العمل ازاء خطوات احادية الجانب، التي قادها بن غفير في القدس (تغيير الوضع الراهن في الحرم)، وسموتريتش في المستوطنات. هذا الامر لا يقلل بحد ذاته من خطورة فشل “أمان” (الاستخبارات العسكرية)، التي استخفت بالاشارات التي تدل على استعداد حماس لتنفيذ المذبحة.
هنا يضاف خداع هرمي آخر، الذي هو ايضا يوجد كما يبدو في مرحلة الانهيار. نتنياهو هو ساحر سياسي، كما يثبت ذلك تاريخه الطويل، لا سيما بقاءه في الحكم رغم الفشل الذريع في عهده. مشكلته هي أنه لم يعد قادر على مواصلة بيع نفس الشيكات بدون رصيد. الدائنون السياسيون تجمعوا حوله بالفعل، حيث أنهم اشتموا رائحة الضغوط.
جزء كبير من الجمهور وكبار قادة جهاز الامن يتوقعون منه عقد صفقة التبادل. بن غفير وسموتريتش يهددان بحل الائتلاف اذا وافق على الصفقة. سموتريتش، في لحظة مدهشة من الجهل وعدم المعرفة، اوضح أول أمس في مقابلة مع “كان” بأن الجيش الاسرائيلي سيبطل قدرات حزب الله بحرب قصيرة في لبنان، وكل المطلوب هو اتخاذ القرار. الحريديون يضغطون عليه من اجل الاستمرار في تمويل المدارس الدينية. المحكمة العليا تهدد باتخاذ خطوات اذا لم يقم بحل ازمة التجنيد واذا لم يقم الجيش بتجنيد الحريديين.
في نهاية هذه المسيرة الطويلة والمتشعبة ستأتي لحظة الحقيقة عندما سيصبح من الواضح أنه لم يعد بالامكان خداع كل الناس طوال الوقت.



