هآرتس: رسالة الجيش الإسرائيلي من اقتحام الشفاء

هآرتس 2023-11-17، بقلم: عاموس هرئيل: رسالة الجيش الإسرائيلي من اقتحام الشفاء
يعكس دخول القوات الجيش الاسرائيلي لاجراء عمليات تمشيط في مستشفى الشفاء في غزة أمس (أول من أمس) يعكس عملية دراماتيكية للحرب ضد حماس منذ بدأت العملية البرية للجيش الاسرائيلي في شمال القطاع في نهاية شهر تشرين الاول. اسرائيل تورطت في عملية معقدة مع الاحتكاك المتزايد مع منظومات حماس التي توجد في اعماق مدينة غزة. هذه العملية توجد لها اهداف محددة منها كشف استخدام حماس للمنشآت الطبية لاغراض عسكرية، الى جانب البحث عن معلومات عن المخطوفين الاسرائيليين، ولكن ذلك مقرون ايضا بأهمية رمزية.
يريد الجيش الاسرائيلي ارسال اشارات بأنه حتى لو كان الامر في الوقت الحالي يتعلق باقتحام محدود لاهدافه فانه لا يوجد أي مكان تخشى قواته من الدخول اليه، ولا يوجد أي مكان تستطيع فيه حماس الشعور بالأمان. كل ذلك ينطبق على شمال القطاع الذي فيه تقوضت بشكل كامل سيطرة حماس. في الجنوب الذي ما زالت اسرائيل تقلل من العمل فيه، فان رجال حماس يختبئون وراء الدروع البشرية التي تشمل نحو 2 مليون شخص – نصفهم هم من اللاجئين الذين هربوا من شمال القطاع بناء على طلب من الجيش الاسرائيلي. هذه متاهة مختلفة كليا.
لقد سبقت اقتحام المستشفى، كما يبدو، تفاهمات مع الادارة الاميركية، التي اعلنت بأنها تتفق معى المعلومات الاستخبارية الاسرائيلية حول الاستخدام العسكري الواسع الذي تقوم به حماس في المستشفيات وفي اماكن مدنية محمية اخرى. الولايات المتحدة طلبت مع ذلك أن تقوم اسرائيل بعملية محدودة، وأن تحافظ على حياة المرضى والطواقم الطبية وتجنب القصف الجوي مسبقا للمستشفى، وهذا ما حدث. من اجل أن تحافظ لنفسها على حرية العمل العسكري، فان اسرائيل توصلت الى هذه التفاهمات، وفي المقابل هي مصغية اكثر لطلبات المجتمع الدولي حول توفير الغذاء والمعدات للمدنيين في جنوب القطاع في ممرات انسانية.
مشكوك فيه أن يكون في ذلك أي شيء سيقنع الرأي العام المنقسم في الغرب بتبرير خطوات اسرائيل. ففي الوقت الذي فيه تقريبا 200 ألف شخص شاركوا أول أمس في اعتصام لتأييد اسرائيل في واشنطن، فان رئيس الحكومة الكندية، جستين ترودو، دعا الى وقف قتل المدنيين الفلسطينيين في القطاع. وفي الوقت الذي يريد فيه الاسرائيليون معرفة من أين جلب لغته الانجليزية المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، داني هاجري، فانهم في اوروبا يفحصون كم هو عدد الاطفال الخدج الذين ماتوا في مستشفى الشفاء، ولا يتأثرون بشكل خاص بأن جنود الجيش الاسرائيلي احضروا الى المستشفى الحضانات والحليب للاطفال.
يتعلق قرار العمل في مستشفى الشفاء بالتجربة العملية التي تراكمت في القتال في الاسابيع الاخيرة. الجيش الاسرائيلي عمل في السابق بنجاح في مستشفيات ومعسكرات لحماس ومؤسسات للسلطة. مع ذلك، العملية في مستشفى الشفاء معقدة اكثر بسبب وجود مئات المرضى فيه ولأنه يجذب اليه الاهتمام الدولي. التورط هناك، اذا حدث، يمكن أن يؤثر بشكل سيئ على تقدم عملية اطلاق سراح المجموعة الاولى من المخطوفين التي يبدو أنها تقترب من مرحلة حاسمة، وربما سيؤثر حتى على ردود فعل حزب الله في لبنان. بشكل عام من الجدير التعامل بتشكك مع تصريحات الوزراء والجنرالات حول واجب اعادة المخطوفين. عمليا، بعضهم يركزون بشكل كامل على الجهود العسكرية ويقنعون أنفسهم بأنه فقط زيادة الضغط على حماس هي التي ستؤدي الى صفقة، وهم يريدون تجنب صفقات مؤقتة – اذا كانت ستؤدي الى وقف لاطلاق النار، الذي سيؤخر تقدم القوات على الارض.
أمس نشر الجيش الاسرائيلي منشورات في خان يونس طلب فيها من السكان في احياء شرق المدينة الاخلاء. هذا يمكن أن يكون مثلما في السابق، عملية اعداد لعملية برية من غير الواضح كيف ستتوافق مع محاولة انهاء الصفقة. القرار النهائي حول عقد الصفقة سيتخذه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولكن ايضا هو نفسه توجد له اعتبارات خاصة تتعلق ببقاء الائتلاف ازاء احتمالية انسحاب قوائم اليمين المتطرف احتجاجا على ذلك.
في وسائل الاعلام العربية نشر أمس بأن حماس وافقت على اقتراح قطر حول اطلاق سراح 50 مخطوف. يوجد ايضا نقاش حول «نبضة ثانية» فيها سيطلق سراح 20 مخطوفا آخر. المتوقع أن يطلق سراحهم هم من النساء والاطفال، ولكن من غير الواضح اذا كان هذا يشمل جميع النساء والاطفال المحتجزين لدى حماس. في المقابل، حماس تتوقع اطلاق سراح حوالي 150 سجينا فلسطينيا من المسنين والنساء والاطفال. وقد طلبت ايضا ارسال الوقود الى القطاع وخمسة ايام من وقف اطلاق النار. في هذه الاثناء اعلن الجهاد الاسلامي بأن هذه الصفقة غير مقبولة عليه. هو ايضا لديه مخطوفون.
في جهاز الامن يتشككون في أن رئيس حماس، يحيى السنوار، يلعب على الوقت. فهو يريد وقفا لاطلاق النار من اجل تمكين رجال الذين تتم مهاجمتهم من التقاط الانفاس، وهو يعول على اتفاقات لعقد صفقات تبادل اخرى التي سيستغرق تطبيقها فترة طويلة اخرى، من اجل منع الجيش الاسرائيلي من العودة ومهاجمة القطاع.
في المقابل، يثور الخوف الكبير من أن اسرائيل يمكن أن تفوت هنا فرصة. في القطاع تسود الفوضى ومن غير الواضح الى أي درجة حماس والتنظيمات الاخرى التي تحتجز المخطوفين يمكنها ضمان أمنهم لفترة طويلة. التركيز على الانجازات العملياتية يمكن أن يشوش اعادة المخطوفين الذين مروا بصدمة قاسية ويتم احتجازهم في ظروف صعبة مع المخاطرة بتعريض حياتهم للخطر. هذه النقطة حتى الممثلون الاميركيون يطرحونها في المحادثات مع نظرائهم الاسرائيليين. مشاركة اميركا في المفاوضات هي مشاركة كثيفة جدا، وهي تتركز في يد رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام برانس، مع حتلنة مستمرة للرئيس جو بايدن ورجاله.
انهيار اسرع من المتوقع
يجب قول ذلك بحذر كبير، لكن تقدم قوات الجيش الاسرائيلي في شمال القطاع حتى الآن، وأمامه قوة المعارضة التي عرضتها حماس، تعكس صورة وضع متفائلة اكثر مما تم طرحه في السيناريوهات العسكرية السابقة. وتيرة انهيار حماس حتى الآن كانت اسرع من المتوقع.
الامور يمكن أن تتغير اذا غرقت القوات على الارض في وضع ثابت وكانت معرضة للاصابة بشكل كبير، أو اذا استوعبت حماس الوضع الجديد وقيادتها العسكرية التقطت الانفاس. ولكن حتى أمس كان يبدو أن هيمنة الجيش الاسرائيلي العسكرية في الميدان واضحة وأن الهجمات المضادة لحماس في الحقيقة تجبي الثمن، لكنها لا تنجح في وقف الآلة العسكرية على الارض. هذه الآلة تعمل باندماج كبير مع سلاح الجو وتعتمد على معلومات واسعة توفرها لها الاستخبارات العسكرية والشاباك.
بين المدنيين الكثيرين الذين يهربون نحو الجنوب هناك عدد غير قليل من الشباب. الجيش الاسرائيلي يقوم باعتقال بعضهم على فرض أنهم يوجد بينهم اعضاء لحماس، الذين القوا السلاح ويريدون الهرب من المنطقة. ايضا يجب الاخذ في الحسبان بأن المئات من مخربي النخبة، وهي القوة الاكثر تدربا لدى حماس، قتلوا في المعارك اثناء الهجوم الارهابي في 7 تشرين الاول. مستوى تدريب جزء من القوات الاخرى متدن قليلا. مع ذلك، منظومات حماس في جنوب القطاع تقريبا لم تتضرر، ومحاولة اسرائيل العمل هناك يمكن أن تواجه مقاومة شديدة ومنظمة اكثر، كما قلنا بواسطة الحماية من السكان المدنيين. ايضا في مدينة غزة نفسها المواجهات العسكرية تتركز في الجنوب والغرب. الجيش الاسرائيلي لم يعمل بعد على الارض في الاحياء الشرقية في المدينة وفي مخيم جباليا للاجئين في شمال المدينة.
أداء الجيش الاسرائيلي في الميدان بعد سنوات من الخلافات والترددات المهنية، يعيد للحكومة وهيئة الاركان درجة من الثقة بقدرة الجيش البري. هذا مهم بشكل خاص بعد الفشل الفظيع في 7 تشرين الاول، الذي فيه لم تنجح المنظومة الامنية في توفير الحماية للمواطنين في غلاف غزة. في العقد الاخير رؤساء الاركان بموافقة من نتنياهو، حولوا جزءا كبيرا من موارد الجيش الاسرائيلي للاستثمار في الاستخبارات والتكنولوجيا. هذه تساعد في ما يتم تحقيقه الآن. ولكن التطورات في غزة حتى الآن تظهر الحاجة الى جيش بري اقوى، بحيث يناسب التهديدات الحالية والمستقبلية لاسرائيل. اضافة الى زيادة كعكة ميزانية الدفاع ستكون حاجة الى فحص توزيع المخصصات الداخلية بين المنظومات.
حكم عسكري جزئي
في الوقت الذي ما زالت فيه حماس تستخدم القوات العسكرية في شمال القطاع، بالاساس من خلال الانفاق، فانها تنازلت تقريبا بشكل كامل عن صلاحيتها المدنية. نتنياهو، في مقابلات مع وسائل الاعلام الاميركية، يصدر تصريحات تتناقض قليلا مع الطريقة التي يرى فيها مستقبل القطاع. فمن جهة اعلن بأن اسرائيل لن تقوم باحتلال القطاع. ومن جهة اخرى قال بأنها ستواصل السيطرة عليه أمنيا.
الفراغ الذي سينشأ بسبب تدمير حكم حماس في الشمال لا يمكن أن يبقى الى الأبد. بعد الهجوم الارهابي في الغلاف اعلن وزير الدفاع، يوآف غالنت، عن فصل جميع البنى التحتية المدنية من قبل اسرائيل للقطاع. بعد ذلك، القصد هو المنع المطلق لانتقال البضائع والاشخاص، واجبار النظام في غزة على الاعتماد على دخولها من مصر كما يحدث بشكل محدود في ايام الحرب. ولكن اذا سيطرت اسرائيل طوال الوقت على القطاع أو على جزء منه فستكون حاجة الى ادارة مدنية بالحد الادنى للقطاع. مؤخرا تم استدعاء للاحتياط ايضا عشرات من رجال وحدة الحكم العسكري التي شغلها الجيش الاسرائيلي في السابق بعد الحروب في لبنان وفي المناطق. هذه الوحدة تم اهمالها لسنين، وتقريبا لم يتم تخصيص ميزانيات لها أو موارد بشرية. الآن يستعدون ايضا لاحتمالية تشغيل هذه الوحدة بشكل محدود.
الجنرال احتياط يعقوب أور، الذي كان منسق اعمال الحكومة في المناطق في بداية الانتفاضة الثانية، قال للصحيفة إنه «بشكل عام سيمر الوقت، والجيش الاسرائيلي سيجد نفسه هو المسؤول عن السكان الذين يوجدون في المناطق التي توجد تحت سيطرته كمناطق محتلة. هذا سيشمل واجب معالجة المدنيين واحتياجاتهم بالحد الادنى. المعنى العملي سيكون العودة الى الحكم العسكري الجزئي، حتى لو تم ذلك من البوابة الخلفية».
حسب قوله هذه وصفة مضمونة للغرق من جديد في وحل قطاع غزة، اذا لم تتمكن اسرائيل من العثور على طريقة لدمج السلطة الفلسطينية في ادارة القطاع، هذا على فرض أنها ستنجح حقا في هزيمة حماس عسكريا.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook