هآرتس: رد سيكون، رغم التحفظات الامريكية
هآرتس 16/4/2024، عاموس هرئيل: رد سيكون، رغم التحفظات الامريكية
بعد النجاح في احباط هجوم الصواريخ والمسيرات الايراني يبدو أن اسرائيل تخطط للرد. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقد أمس عدة لقاءات مستعجلة وكثيفة حول مسألة رد اسرائيل على العملية الايرانية الاستثنائية في منتهى يوم السبت. ورغم أنه تم ارسال اكثر من 350 صاروخ ومسيرة نحو اراضي اسرائيل، إلا أن هذا الهجوم انتهى بفشل ذريع – اربع اصابات سطحية لصواريخ واصابة طفلة في النقب اصابة خطيرة. القيادة الاسرائيلية تؤكد على هذه السابقة الخطيرة وتشعر بأنه يجب عليها التوضيح للنظام في طهران الثمن الذي ينطوي على ذلك.
نتنياهو سيعقد مجلس الحرب اليوم ايضا للمرة الثانية خلال 24 ساعة لمناقشة الرد المطلوب. مكتبه اعلن ايضا بأن رئيس الحكومة قام باستدعاء عدد من رؤساء المعارضة لتقديم احاطة أمنية استثنائية لهم. في الخلفية يجب أن لا نتجاهل الاعتبارات السياسية المقرونة باتخاذ القرارات. نتنياهو يتم تحديه من اليمين، من قبل رؤساء القوائم المتطرفة في الحكومة، ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذان يطلبان علنا انتقام مدوي من ايران.
الولايات المتحدة، التي كانت لمساعدتها العملياتية لاسرائيل دور اساسي في نجاح احباط الهجوم، تريد منها الآن الامتناع عن الرد. الرئيس الامريكي قال ذلك في محادثة هاتفية مع نتنياهو صباح أول أمس، والرسائل تكررت منذ ذلك الحين في عدة قنوات مع جهات رفيعة في الادارة الامريكية. ايضا الدول الاوروبية التي ساعدت في حماية اسرائيل، من بينها بريطانيا وفرنسا، ارسلت رسائل مشابهة. الولايات المتحدة اوضحت لاسرائيل بأنه في هذه الظروف هي لن تشارك معها في أي عملية هجومية ضد ايران.
مع ذلك، حسب وسائل الاعلام الامريكية، بايدن لا يحاول وبحق منع عملية اسرائيلية. جزء من التحفظ الامريكي الذي تم التعبير عنه في المحادثة مع الرئيس ونتنياهو، نبع من تخوف الولايات المتحدة من أن يتم تشخيصها مع الهجوم الاسرائيلي، بعد بضع ساعات على قيام طيارين من الدولتين باسقاط مسيرات وصواريخ مجنحة ايرانية معا.
رغم أنه تسرب الى وسائل الاعلام الخلافات في الآراء في المجلسين الوزاريين، المرتبطة ايضا بعدم الثقة الكبير بين نتنياهو والشركاء في حكومة الطواريء، الوزير بني غانتس والوزير غادي ايزنكوت، إلا أن الاجماع في القيادة العليا يتجاوز المعسكرات السياسية، وحتى أنه يشمل رؤساء جهاز الامن. ورئيس الاركان هرتسي هليفي قال أمس اثناء زيارته في قاعدة نفاتيم بأن اسرائيل سترد على اطلاق النار على اراضيها. الاعتقاد هو أنه مطلوب الرد، حتى لو كان يبدو أنه سيتم بذل محاولة لاختيار عملية محسوبة، ترسل الرسالة الى ايران بدون أن تدهور منطقة الشرق الاوسط الى حرب اقليمية.
مع ذلك، يجب التذكر بأن الاستخبارات الاسرائيلية اخطأت عندما قللت من تقدير الخطر قبل اغتيال الجنرال حسن مهداوي في 1 نيسان، وهو الحادث الذي بدأ جولة التوتر الحالية. الخطر الاكبر بهذا الشأن يكمن في حزب الله. ايران بنت حزب الله، التنظيم وترسانة السلاح كردع ورد على امكانية هجوم اسرائيلي ضد منشآتها النووية. الآن يمكن أن تستخدمه ايضا في الرد على أي هجوم محتمل، مقلص جدا عليها وأن تزيد خطر اندلاع الحرب.
حزب الله غير متحمس حتى الآن للانضمام لجهود ايران. فعلى الفور بعد اغتيال مهداوي أوضح رئيس الحزب، حسن نصر الله، بأن الثأر هو شأن ايراني لأن كرامة طهران هي التي تم المس بها. اطلاق النار في منتهى السبت شارك فيه حزب الله بشكل رمزي. ورغم ذلك من المؤكد أنه في حالة حدوث أي تدهور آخر فان ايران ستضغط على حسن نصر الله كي ينضم للحرب.
من وراء الكواليس
بعض المراقبين الغربيين قدروا مؤخرا أنه من وراء كواليس هجوم ايران الواسع كان هناك تدخل غير مباشر لدولة اخرى، روسيا. وحسب قولهم فان الهجوم عبر عن محاولة النظام في طهران وقف هجمات المعركة بين حربين الاسرائيلية ضد رجاله في سوريا. الايرانيون ارادوا وضع حد بهذا لمنحى زيادة عمليات الاغتيال والتفجيرات من قبل اسرائيل، وهو المنحى الذي كان بحد ذاته رد على المساعدة الايرانية الواسعة لحزب الله والتنظيمات الفلسطينية.
لكن حسب هذا التحليل فانه ايضا كانت لروسيا هنا مصلحة خفية، في اطار الحلف الاستراتيجي الآخذ في التعزز لها مع ايران. هجوم ايران الواسع الذي أحبط بنجاح من قبل اسرائيل وحلفائها استهدف في نظر موسكو ايضا توجيه الاهتمام الدولي الى منطقة الشرق الاوسط وأن يبقيه هناك لفترة طويلة، من اجل تمكين روسيا من مواصلة حربها في اوكرانيا، حيث تحقق هناك نجاح معين في المعارك في شرق اوكرانيا. ارتفاع التوتر في الشرق الاوسط سيحتاج ايضا الى توجيه موارد ووسائل قتالية على حساب انتاج السلاح والمساعدات الامنية التي يوفرها الغرب الى اوكرانيا، التي تساعدها في تعزيز مكانتها امام غزو روسيا منذ سنتين تقريبا. ازمة طويلة في الشرق الاوسط سترفع اسعار النفط وستخدم تصدير النفط الروسي.
النتيجة الاكثر اهمية للازمة اذا استمرت يمكن أن تكون خسارة بايدن في الانتخابات في تشرين الثاني القادم، وهو احد الاهداف الاستراتيجية الحاسمة لنظام لبوتين. النظام في روسيا يأمل عودة ترامب، الذي لم يخف اعجابه بالرئيس فلادمير بوتين وهناك الكثير امامه ليفعله. لكن في هذه الاثناء فشل ايران يمكن أن يصبح فشل لروسيا. وهناك اشارات اولية على أن الحزب الجمهوري الامريكي يرفع المعارضة على شرعنة المساعدات الحيوية التي يمكن أن تضمن بأن ترسل الادارة الامريكية عشرات مليارات الدولارات كمساعدات امنية لثلاث دول يتم تهديدها وهي اوكرانيا واسرائيل وتايوان.
منذ المذبحة في الغلاف في 7 اكتوبر أدار الحزب الجمهوري بتشجيع من ترامب حرب تمديد استهدفت تأخير المصادقة القانونية. الآن ربما أن خطورة التهديد على اسرائيل ستساعد بايدن في اثبات الحاجة الملحة لارسال السلاح. اسرائيل تمكنت منذ فترة طويلة من أن تثبت نفسها في المعسكر الديمقراطي الى جانب الدول الاخرى التي تمت مهاجمتها، وأن تحصل على فرصة اخرى للحصول على بطاقة العضوية في النادي. من اجل ذلك لم يكن سيضرها لو أنها اوقفت التملص وعرضت دعم علني لاوكرانيا التي تتم مهاجمتها في الوقت الذي تعقد فيه روسيا علنا تحالف مع ايران.
نافذة ضيقة جدا
الادارة الامريكية تعتبر احداث الفترة الاخيرة فتح نافذة وقت ضيقة كي تحاول مرة اخرى تنفيذ خطط واسعة. احباط هجوم ايران لا يعتبر فقط انجاز تاريخي بالمنظار العملياتي والتكنولوجي، بل هو يعكس التنسيق الوثيق غير المسبوق بين اسرائيل وبعض الدول العربية المعتدلة في المنطقة، كما نشر، تحت المظلة الامريكية. يبدو أنه توجد هنا نطقة انطلاق لحلم متفائل أكثر: خلق تحالف حقيقي بين هذه الدول كوزن مضاد لعدوان ايران.
في هيئة الاركان العامة في الجيش الاسرائيلي يلاحظون ايضا وجود فرصة. ولكن تصعب رؤية كيف ستتحقق عندما ستضطر السعودية الى ادخال مكون فلسطيني في الواقع الاقليمي الجديد على شكل موطيء قدم لحركة فتح والسلطة الفلسطينية المستقبلية في الحكومة المستقبلية في قطاع غزة اذا تم اخراج حماس من هناك. نتنياهو غير مستعد لتوفير ذلك في الوقت الحالي تحت أي ظرف. المبرر هو ايديولوجي، لكن عمليا هو سياسي ايضا وينبع من تخوفه من بن غفير وسموتريتش.
للمرة الاولى منذ نصف سنة تقريبا تمت ازاحة الوضع في القطاع من العناوين العالمية ازاء تبادل اللكمات بين اسرائيل وايران. هذا هو وقت ايران، على الاقل حتى تتضح مسألة كيف ومتى سترد اسرائيل على الهجوم الذي تعرضت له. الانشغال برد اسرائيل دفع الى الزاوية النقاشات الكثيفة في العملية المحتملة للجيش الاسرائيلي في رفح.
في نفس الوقت تم ايضا ابعاد النقاش حول الوضع المقلق للمخطوفين الـ 133 المحتجزين لدى حماس. وأمس تم نشر رد حماس على اقتراح الوسطاء، الذي طرحت فيه حماس طلبات جديدة متشددة اكثر. الجمود في المحادثات سيحتاج في القريب الى انشغال اسرائيلي جديد في محاولة للبحث عن مسارات بديلة.
في الواقع ربما يكون ذلك فرصة. الصفقة العالقة شملت اطلاق سراح المخطوفين على دفعتين، مع وقف اطلاق نار يستمر حسب الظروف. ربما أنه حان الوقت لمناقشة صفقة شاملة على دفعة واحدة، ستكون مقرونة بتقديم تنازلات، مؤقتة على الاقل، عن الاحلام العبثية بالنصر المطلق. ولكن اذا اصبحت ايران وحزب الله بؤرة الحرب فمن الجدير تجريب الجهد الاخير لانقاذ المخطوفين قبل اختفائهم الى الأبد في الانفاق في قطاع غزة.