هآرتس: ربما وسائل الاعلام تتجاهل غزة، لأن الجمهور سيكون مسرورا بالفظائع
هآرتس 2/6/2024، ديمتري شومسكي: ربما وسائل الاعلام تتجاهل غزة، لأن الجمهور سيكون مسرورا بالفظائع
صديقي المحامي ميخائيل سفارد وجه هنا مؤخرا انتقاد شديد ومبرر لا مثيل له (“هآرتس”، 21/5) لطريقة التغطية المشوهة للحرب في غزة من قبل وسائل اعلام التيار العام في اسرائيل، التي تتجاهل بشكل مطلق موت عشرات آلاف الاطفال والنساء الذين قتلوا في عمليات قصف سلاح الجو الاسرائيلي والمدفعية الاسرائيلية في غزة. عند قراءة هذا المقال اللاذع لسفارد لا يمكن أن لا يطرح سؤال: ما هي اسباب هذا التحيز الشديد لوسائل الاعلام. لماذا قنوات التلفزيون في اسرائيل تمنع بصورة ثابتة عن الجمهور النظر مباشرة في عيون اطفال غزة المليئة بالمعاناة، الايتام والذين يعانون نفسيا وجسديا، وتحطم كل عالمهم نتيجة ما يصعب عدم اعتباره عقاب جماعي على الاعمال الفظيعة في 7 تشرين الاول.
يبدو أنه كما يعتقد كثيرون ممن ينتقدون وسائل الاعلام في اسرائيل، تجنب عرض ابعاد القتل والمعاناة للمدنيين في غزة، ينبع من الخوف من أن مشاهدة الاسرائيليين لهذه الصور الفظيعة يمكن أن تكسر في قلوبهم الايمان باخلاقيةالجيش الاسرائيلي المقدسة، وتثير فيهم التحفظ من سياسة قتاله، الامر الذي يمكن أن يمس بالروح الوطنية اثناء الحرب.
العقل يقول إن الرد الاسرائيلي السائد على مشاهد القتل للغزيين العاديين في الحرب، التي لم يتم نشرها، كان يمكن أن يكون بالذات نوبة من الفرح الوطني الجماعي، مثل عيد “لاغ بعومر، نسخة رفح”، المنشور المهين لحاخام مستوطنة كفار ادوميم، افيشاي شورشم، الذي رد بسعادة على صور قصف مخيم للنازحين في رفح في الاسبوع الماضي. في نهاية المطاف فان الاسرائيليين غير جيدين وليسوا اسوأ من شعوب اخرى تعيش في نزاع وطني متواصل ودموي.
الوطنية، التي هي ظاهرة حديثة بمعان كثيرة، تقوم بشكل واضح على أسس قبلية بدائية. الوطنية يتم تخيلها بمفاهيم عائلية حميمية، وبالتالي ليس من الغريب أنه في مواجهة القسوة الوحشية والسادية تجاه ابناء وبنات العائلة القومية، مثل التي شاهدناها في 7 اكتوبر، تنشأ مشاعر انتقام في اوساط العائلة الوطنية، يرافقها الرضى الوطني كلما تحقق الانتقام.
يجب اضافة الى ذلك جانب آخر، نفسي – وطني محدد، أن ما يميز الصدمة الوطنية التي عاشها الاسرائيليون بسبب 7 تشرين الاول هو جانب يمكن أن يزيد بصورة لا تقاس ابعاد العداء تجاه التجمع الوطني الفلسطيني بشكل عام وتجاه الفلسطينيين في غزة بشكل خاص. غالبية الاسرائيليين لا يعتقدون فقط أن سكان غزة “يستحقون” القتل والدمار لأن كثيرين منهم يؤيدون حماس، بل غالبية الاسرائيليين على قناعة من اعماقهم بأننا لا نستحق بأي شكل ما حدث في 7 تشرين الاول، أو للدقة، جاء من مكان ما. من ناحيتهم كان هذا يمثل اعصار، كارثة طبيعية فجائية، مثل الاسم المناسب جدا لاغنية عيدن غولان في الاورفزيون التي تعكس بشكل اصيل الوضع النفسي الوطني لاسرائيل في هذه الايام.
الاسرائيليون لا يعترفون بأنه قبل الهجوم القاتل على مواطني اسرائيل في 7 تشرين الاول عاش الفلسطينيون في ظروف القمع ونزع الحريات الاساسية، الانسانية والقومية، على يد اسرائيل (يجب التأكيد: ما لا يمكن تبريره بأي حال من الاحوال أو تطبيع القتل الذي نفذته حماس في 7 تشرين الاول). غالبية الاسرائيليين على قناعة بأن الوضع الاسرائيلي – الفلسطيني الذي كان قبل 7 تشرين الاول كان بالاجمال طبيعي وحتى اكثر من معقول، من ناحية وضع الفلسطينيين. “الاحتلال”، ولا نريد التحدث عن الابرتهايد، هو في نظرهم اختراع لاسامي؛ عمليا، الفلسطينيون الذين يعيشون وراء الخط الاخضر (اختراع آخر لكارهي اسرائيل) يعيشون حسب رأيهم بصورة غير سيئة، بالتأكيد مقارنة مع اخوتهم العرب في سوريا والعراق أو أي دولة عربية اخرى، باستثناء الدول الغنية بالنفط والغاز. حتى في غزة، كما يعتقد الاسرائيليون، كانت للفلسطينيين دولة بكل معنى الكلمة. ولكن رغم كل ذلك هم اختاروا القيام بحملة قتل، خائنة وناكرة للمعروف.
على خلفية رؤية مشوهة لهذا الواقع فانه ليس من الغريب أن الغضب القومي الاسرائيلي على الفلسطينيين الغزيين وانغلاق اسرائيل تجاه معاناتهم، لا سيما مشاعر السعادة الوطنية التي احيانا تندلع واحيانا يتم كبتها، وازاء انباء متقطعة عن ابعاد الدمار والقتل في غزة، فان السعادة العلنية لكل من يستمع الى ما يحدث في الشارع الاسرائيلي، هذه بالتحديد المميزات الاساسية والشمولية لنظرة اسرائيل الى الحرب الحالية.
ازاء كل ذلك فانه لن يكون من الخطأ التخمين بأن الرفض لتسليط اضواء الاعلام الاسرائيلي على الضحايا المدنيين لحملة انتقام الجيش الاسرائيلي التي ليس لها هدف استراتيجي في قطاع غزة تنبع في جزء منها من خوف من يشكلون الرأي العام في اسرائيل من اثارة مشاعر السرور المكشوفة والقوية جدا في اوساط الجمهور الواسع في اسرائيل. هذا بالتأكيد لم يكن ليساهم في تحسين صورة اسرائيل في العالم، المحطمة أصلا.