هآرتس/ ذي ماركر: ماذا لو نفذ الحاخام تهديده بمغادرة الحريديم للبلاد؟
هآرتس/ ذي ماركر، سامي بيرتس: ماذا لو نفذ الحاخام تهديده بمغادرة الحريديم للبلاد؟
“إذا أجبرونا على الخدمة في الجيش فسنغادر البلاد جميعاً. نشتري التذاكر… لا يوجد شيء كهذا”، هذا ما قاله الحاخام الرئيس السفاردي إسحق يوسف في موعظته في منتهى السبت على خلفية عاصفة قانون التجنيد ونضال الحريديم من أجل سن قانون يثبت إعفاءهم من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي يمدد فيه الجيش فترة الخدمة الدائمة والاحتياط.
الحاخام يوسف ليس أول من هدد بـ “مغادرة البلاد”، فقد سبقه كثيرون، بدءاً بزوجة رئيس الحكومة سارة نتنياهو ومروراً برجال الأعمال والأطباء ورجال الهايتيك، وفعلياً كل قطاع يعارض أو يجد نفسه متضرراً من أفعال النظام ومن نهج دولة إسرائيل.
السيدة نتنياهو وثقت في 2002 في محادثة مع أحد نشطاء الليكود، هو شمعون درعي، وهي تقول: “بيبي زعيم أكبر من هذه الدولة كلها، هو حقاً زعيم على مستوى قومي. في هذه الدولة، الجميع يريدون أن يتم ذبحه وحرقه. لماذا عليه بذل هذا الجهد؟ لننتقل إلى خارج البلاد ولتحترق الدولة. الدولة بدون بيبي لن تصمد. سيذبح الناس”.
كان نتنياهو في حينه في إجازة من السياسة، لكنه كان يطمح للعودة إلى رئاسة الليكود. للأسف الشديد، نبوءتها تحققت، والناس ذبحوا وأحرقوا، لكن دون أن يغادر نتنياهو إسرائيل، بل في ولايته كرئيس للحكومة.
التهديد بالمغادرة يأتي على الأغلب عندما يبعدون قطعة الجبن من أمام شخص، خلال التسعينيات وفي العقد التالي، سمعنا هذا التهديد من رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال كلما بادرت الحكومة إلى إجراء إصلاحات أو تشريع يهدد أرباحهم وقوتهم. عملياً، الكثير من رجال الأعمال طوروا نشاطات دولية – سوبرماركتات في غرب أوروبا، وعقارات في الولايات المتحدة، وفروع لشركات في هولندا أو في جزر كايمان لاعتبارات اقتصادية خالصة.
الفرصة التجارية والاعتبارات الضريبية وما شابه هي التي أملت عليهم القيام بخطوات في الخارج، وليس التشريع أو التنظيم المتشدد في إسرائيل. من وجد فرصة تجارية في الخارج، بشكل عام لا يهدد – بل يحققها ببساطة.
والانقلاب النظامي الذي بادر إليه نتنياهو ووزير العدل ياريف لفين، أثار موجة تهديد لمغادرة البلاد، وأبرزهم الأطباء الذين أقاموا في تموز الماضي مجموعة باسم “أطباء من أجل تغيير مكان السكن”، التي انضم إليها آلاف الأطباء الذين بدأوا يهتمون بهذه الفرصة.
هذه المبادرة ضغطت على وزارة الصحة في حينه، لكن ما جعلها تذوي في هذه المرحلة هي أحداث 7 تشرين الأول. الصدمة بسبب المذبحة في بلدات النقب الغربي واختطاف 250 جندياً ومدنياً، وأعمال الاغتصاب والأعمال الوحشية الأخرى، كلها تهز المجتمع في إسرائيل حتى الآن. وبمعان كثيرة، حتى ربطت معه مجموعات شعرت سابقاً أن الدولة قد غيرت طابعها وأنها أخذت في إبعادهم من هنا.
شاهدنا ذلك في تجند الكثيرين الذين قطعوا إجازاتهم في الخارج وعادوا للامتثال للتجند على الفور. يصعب القول إن التهديد بمغادرة البلاد فارغ، ومن الأفضل التعامل معه بجدية، خصوصاً حين يدور الحديث عن أصحاب مهن تخلق قيمة اجتماعية واقتصادية عالية.
تهديد مغرٍ
تهديد الحاخام يوسف يبدو لكثيرين تهديداً مغرياً مقارنة مع تهديد قطاعات أخرى. الحاخام يهدد بأنه إذا تم إجبار الحريديم على التجند للجيش، الذي هو بحاجة إلى الجنود إزاء قتل مئات الجنود وإصابة الآلاف، فإنهم سيغادرون البلاد. يصعب مناقشة الأضرار النفسية والدينية لمغادرة مئات آلاف الحريديم الذين سيتم إجبارهم على التجند وسيذهبون إلى دول أخرى. لكن على المستوى الاقتصادي، يجب الاعتراف بأن هناك شيئاً مغرٍياً في هذه الفكرة، لأن تأثير ذلك على الحسابات القومية كبير؛ لقد توقف رئيس الحكومة نتنياهو عند ذلك عندما سئل في مقابلة مع “ذي ماركر” في نيسان 2012 عن الفجوة الاجتماعية الكبيرة في إسرائيل، فأجاب: “باستثناء العرب والحريديم، فإن وضعنا ممتاز”.
إحصائياً، لم يخطئ. الحريديم والعرب هم القطاعات الفقيرة في إسرائيل، وإذا أخرجناها من الإحصاءات فالوضع ليس “ممتازاً”، بل جيد حسب معايير كثيرة، وعلى رأس ذلك الناتج المحلي للفرد.
اوفير بنتو واوهيد كوهين، الباحثان في سلطة التشغيل، نشرا في 2022 بحثاً حول الفجوات الكبيرة في التجمعات المختلفة في إسرائيل. ووجدا في 2017 أن الناتج للفرد اليهودي غير الحريدي في إسرائيل 48.912 دولاراً في السنة، مقابل 17.627 دولاراً للفرد في الوسط العربي، 15.188 دولاراً للفرد في المجتمع الحريدي. متوسط إجمالي المجتمع الإسرائيلي في تلك السنة هو 38.263 دولاراً للفرد، أقل من المتوسط في دول الـ OECD، الذي كان في حينه 43.398 دولاراً للفرد.
هذه الأرقام تؤكد مقولة نتنياهو الإحصائية. ولكن نتنياهو نفسه هو الذي يجب عليه الآن أن يواجه مشكلة ليست إحصائية، بل رياضية واقتصادية: تم خصم آلاف الجنود المقاتلين من إجمال القوة البشرية للجيش الإسرائيلي، ما يحتاج إلى إضافة مستعجلة من الجنود. إذا أخذوا من المخزون القائم فهذا يعني قفزة حادة في عدد أيام الاحتياط للأشخاص الذين يعملون ويساهمون في الاقتصاد والناتج، وأخيراً الاندماج في سوق العمل لجنود في الخدمة النظامية الذين سيضطرون إلى الخدمة أربعة أشهر أخرى.
ليس هذا هو الضرر الوحيد؛ فحكومة نتنياهو الحالية زادت مليارات الشواكل لدفعات طلاب المدارس الدينية والمدارس التي لا تعلم المواضيع الرئيسية. إزاء التكاثر الطبيعي المرتفع في المجتمع الحريدي، فهذه العملية تضمن بقاء فجوة اقتصادية ستتعاظم وقوة تسحب أرقام الحسابات الوطنية نحو الأسفل.
عملياً، إذا نفذ الحاخام يوسف تهديده وجر وراءه كل المؤمنين إلى الخارج، فسنشهد انخفاضاً في غلاء المعيشة وفي النفقات. قد يقفز شخص ما، آخر هذه الصفقة.