هآرتس/ ذي ماركر / تناقض بنيامين نتنياهو : هل أنت مع أم ضد العرب؟

هآرتس/ ذي ماركر – بقلم دورون مصا – باحث في مجال النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، معهد ترومان في الجامعة العبرية ومسؤول كبير سابق في ديوان رئيس الوزراء – 4/6/2018
ستذكر حكومات بنيامين نتنياهو في كتب التاريخ بانها الحكومات التي عملت في صالح الاقلية العربية في اسرائيل اكثر مما عملته كل الحكومات الاخرى. من ناحية الحقائق سيكون من الصعب الجدال في ذلك. فالخطة الخماسية للوسط العربي، بكلفة 15 مليار شيكل، اكبر بكثير من خطة الـ 4 مليار شيكل لحكومة باراك، وكذا من المبالغ التي خصصت للوسط في عهد حكومة رابين.
كما أن التيار المركزي للقيادة العربية سيصعب عليها نفي ذلك، ومثلها جهات اخر بما فيها الصحافة الاقتصادية، منظمات المجتمع المدني واجزاء من اليسار. اما العامل الوحيد الذي يخرب على الصورة الايجابية فهو موقف حكومات نتنياهو السياسي تجاه الاقلية العربية، والذي يتميز بكدية لها تعابير عديدة مثل “التشريع اليهودي” والجهد لتقييد مجال مناورة الجمهور العربي. وهذا تنتج اللغز التالي: كيف يمكن تسوية التناقض بين السياسة الاقتصادية المحسنة لحكومات اليمين تجاه العرب، وبين الميول المعاكسة التي تشجعها الحكومة في المجال السياسي.
ان محاولة حل لغز التناقض حققت حتى الان اجوبة جزئية، ولا سيما لانها تفتقد الى معرفة السياق التاريخي المتعلق بموقف المؤسسة الرسمية في اسرائيل من الاقلية. فمراجعة ما حصل في السبعين سنة الاخيرة يمكن أن ترينا بان موقف كل حكومات اسرائيل من الاقلية العربية كان يقوم على اساس نمط ثابت من الجذب – النفور. فمن جهة، بذل جهد لجذب الاقلية الى داخل المجتمع الاسرائيلي، ومن جهة اخرى بذل جهد معاكس لنبذها. وكان لهذا النمط دور – فقد استهدف وضع الاقلية العربية في نوع من المجال المرحلي؛ المكان الذي ليس مكانا لجعلها كيانا مغروسا بين مجالات انتماء متضاربة، دون قدرة على اظهار تواجد كامل في واحد منها. هذا النمط يستهدف الصدي للتوتر الذي نشأ في 1948 بين وجود الاقلية في الدولة بعد الحرب، وبين اهتمام الدولة البنيوي بتطهير المجال من تواجد العامل غير اليهودي. وقد اصبحت هذه العلاقات محورا مركزيا في نشاط كل حكومات اسرائيل، دون صلة بطابعها السياسي.
لقد تبنت حكومة نتنياهو هي الاخرى هذا النموذج، حين وضعت عن قصد سياسة تقوم على اساس الدمج الاقتصادي والاقصاء السياسي. وقد تعاطت هذه السياسة مع منظومة من العلاقات الاخرى، وعلى رأسها فكرة السلام الاقتصادي لدى اليمين، والتي سعت الى استبدال التطلعات الوطنية السياسية بوسائل اقتصادية. وتميز هذه السياسة ايضا موقف اسرائيل من الزعامة الفلسطينية في الضفة الغربية.
اما السياق الثاني فكان الفكرة الحكومية الليبرالية الجديدة، التي سعت الى تقليص عبء الجماعات الضعية على المجتمع الاسرائيلي من خلال دمجها اقتصاديا، وعقب ذلك زيادة الناتج القومي. وعلى أي حال ففي سعيها الى تمكين الاقلية كانت توجد طاقة كامنة لتطوير تطلعات سياسية موازية وتقليص عدم التماثل بين اليهود والعرب، مما حرك المحاولة لتقليص حجم تواجد العرب في المجال السياسي.
رغم الصعوبة التي تفرضها هذه السياسة على الساحة السياسية العربية، فان التيار المركزي فيها، برئاسة رئيس القائمة المشتركة، النائب ايمن عودة مستعد لان يبتلع القرص السياسي المرير مقابل تحقق اهداف الوسط في المجال الاقتصادي. ولكن ينبغي طرح ملاحظتي تحذير هنا. الاولى، بالنسبة لقدرة الزعامة العربية على مواصلة التعاون مع الخطوة الاقتصادية الحكومية، المتعلقة بالضريبة اللفظية التي يتعين عليها ان تدفعه للخطاب القومي القديم. والا، بروح مؤشرات النقد التي انطلقت نحوها، فانها ستوصم كمتعاونة مع حكومة اسرائيل وكمستعدة لاستبدال القيم القومية بثمن بخس.
والثانية هي ان الجهد لدمج الاقلية العربية في الاقتصاد بالتوازي مع اقصائها السياسي، من شأنه ايضا ان يؤدي الى انطواء الوسط في داخل نفسه والى انعزالية اجتماعية – مجتمعية من النوع الذي من المشكوك فيه ان تتمكن حتى حكومات اليمين – التي تسعى الى اقصاء العرب عن المجال السياسي في اسرائيل – ان تسلم بها.