ترجمات عبرية

هآرتس: خطة وواقع

هآرتس – عاموس هرئيل -21/2/2025 خطة وواقع

في القطار الافعواني العاطفي الذي يمر على الجمهور الإسرائيلي منذ المذبحة في 7 أكتوبر، سجلت أمس نقطة حضيض قاسية بشكل خاص، مع إعادة جثامين ثلاثة من أبناء كيبوتس نير عوز، الطفلين اريئيل وكفير بيباس، والعضو المخضرم من أبناء الجيل المؤسس عوديد لايفشيتس. أمس تبين بشكل مأساوي أن جثة أخرى اعادتها حماس ليست جثة الام شيري بيباس. من فحص للطب الشرعي الذي جرى في إسرائيل اظهر أن الطفلين قتلا على يد آسريهم. الاحداث القاسية ما زالت تضع محل تساؤل نقطة الذروة المخطط لها في الغد، إعادة ستة مخطوفين احياء من اسر حماس في قطاع غزة.

لكن في الوقت الذي فيه كل الشعب منفطر القلب ولكنه ما زال يتنفس وهو يتابع الدراما وكأنها اخذت من لعبة واقع ساخرة وقاتلة، فان الحكومة تتصرف كالعادة. الفترة الأخيرة خصصها رئيس الحكومة وأعضاء الائتلاف لادانة رؤساء جهاز الامن، والتطاول على أعضاء الكيبوتسات الذين ذبح اصدقاءهم وأبناء عائلاتهم في المذبحة، وسرقة الخزينة العامة، وبالطبع بسن سريع لقوانين الانقلاب النظامي.

لا يقل عن ذلك فظاعة: اذا كان الامر مرهون بنتنياهو وشركائه المتطرفين في اليمين فانه في الأسبوع القادم، عند انتهاء المرحلة الأولى في الصفقة، بإعادة أربعة جثامين أخرى للمخطوفين، سيتم تمهيد الطريق لاستئناف الحرب في غزة. في هذه المرة، كما يعدون، بدون كابح. لا توجد أمم متحدة أو أي محكمة في لاهاي ستقول لنا ماذا يجب علينا أن نفعله. عندما يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلف إسرائيل ويسمح لها باغلاق الموضوع كما تشاء. سلسلة التفجيرات للحافلات الفارغة في بات يم أمس، التي اعادت ذكريات مؤلمة في فترة الانتفاضة الثانية، يتوقع أن ترفع نسبة التوتر. الجيش الإسرائيلي عزز أمس قواته في الضفة الغربية بثلاث كتائب، ويتوقع أن يكون هناك ضغط متزايد على الحكومة لتوسيع عملية الهجوم في السامرة. 

إعادة الجثامين هي الدليل على فشل الدولة ومؤسساتها الفظيع، في البداية اهمال السكان ومواجهة المذبحة، وبعد ذلك في التواجد الزائد حول انضاج الاتصالات لعقد الصفقة. كرميت بالتي كتسير، ابنة نير عوز، التي كان والدها وامها وشقيقها العاد من بين قتلى المذبحة، احسنت أمس وصف القلق في مقابلة مع ايلانا ديان في “صوت الجيش”. مشهد التوابيت، قالت، يمكن أن يستغل لتطوير مشاعر الانتقام لدى الجمهور الإسرائيلي بهدف استخدام ذلك لافشال الصفقة. لقد كان من الأفضل، اقترحت كرميت، لو أن نتنياهو استثمر الموارد في استكمال الصفقة، وفي الطريق قام بزيارة نير عوز، ونظر مباشرة في عيون سكان نير عوز واعتذر. مشكوك فيه أن يحدث ذلك في الفترة القريبة. 

ما يريده ترامب حقا يصعب فهمه حتى الآن. هذا يتغير بين يوم ويوم ومن تصريح الى تغريدة. ولكن على الأقل من تصريحات مبعوثه في المنطقة، ستيف ويتكوف، تظهر لنا صورة مختلفة. المبعوث الأمريكي، الذي هو مقرب جدا من الرئيس، يواصل في بث رغبة قوية لتطبيق المرحلة الثانية في الاتفاق وإعادة جميع المخطوفين. خلافا للواقع الذي ساد في فترة الرئيس السابق جو بايدن، يبدو أن الإدارة الامريكية الجديدة يمكنها فرض موقفها على الطرفين. نتنياهو في الواقع يتصرف وكأنه واثق من دعم ترامب، لكن اذا تابعنا السرعة التي يلقي فيها الرئيس أوكرانيا تحت إطارات الحافلة على خلفية الحرب، فربما أن الثقة بالنفس التي يظهرها رئيس الحكومة ستكون مبالغ فيها قليلا. 

استكمال تحرير المخطوفين الاحياء في المرحلة الأولى، المخطط له في الغد، تم تحقيقه بفضل مرونة مواقف حماس بضغط من دول الوساطة. حماس أيضا أعلنت أنه يمكنها تبكير المرحلة الثانية وإعادة جميع المخطوفين الاحياء المشمولين فيها في دفعة واحدة. مقابل توحيد الدفعات في المرحلة الأولى تم ادخال معدات هندسية وكرفانات وخيام الى قطاع غزة. ربما أنه أعطيت أيضا لحماس ضمانات لتنفيذ المرحلة الثانية. وحتى التنفيذ السريع للمرحلة الثانية ما زال مرهون بالاستجابة لطلبات حماس الاصلية، على رأسها انسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع والبدء في إعادة الاعمار، في الوقت الذي تسعى فيه حماس للبقاء كشريكة في السيطرة على القطاع.

من ناحية نتنياهو ومؤيديه في اليمين يوجد هنا حبة دواء يصعب ابتلاعها، تحرير جماعي للمزيد من السجناء الأمنيين، الذين عدد كبير منهم قتلة ومحكوم عليهم بالمؤبدات، واخلاء محور فيلادلفيا وتعهد فعلي بانهاء الحرب. في هذا السيناريو يجب على نتنياهو ضمان لقاعدته السياسية أن الاتفاق هو مؤقت، وأنه في القريب سيجد ذريعة من اجل استئناف الحرب، بعد ارتكاب حماس لأول خطأ لها. حتى ذلك الحين رئيس الحكومة سيتعهد بعدم إعادة الاعمار في القطاع طالما أنه لم يتم نزع السلاح منه. في نفس الوقت سيحاول تعويض اليمين المتطرف من خلال تسريع سن قوانين الانقلاب النظامي، وربما عملية ضم في الضفة الغربية.

ترامب يواصل التذكير بين حين وآخر بخطة الهجرة “الطوعية” التي طرحها على سكان قطاع غزة، لكن مستوى جدية الإدارة الامريكية فيما يتعلق بنية تطبيقها، غير واضح. نتنياهو يحرص على التلويح بالخطة كدليل على أنه في القريب سيكون بالإمكان تطبيق طموحات اليمين الإسرائيلي في غزة (الحرب محت ما تبقى من التمييز بين اليمين المتطرف واليمين الأكثر رسمية). استفزاز وتحريض ترامب حقق حتى الآن شيء واحد وهو أنه اجبر الدول العربية على التعامل بجدية مع الازمة في القطاع، وعرض حلول خاصة بها. للمرة الأولى يبدو أنه تتبلور خطة مصرية بديلة بدعم من دول الخليج. 

الخطة تتحدث عن تقليص دور حماس في الحكم في القطاع، وإدخال السلطة الفلسطينية بغطاء “حكومة التكنوقراط” وتقديم مساعدات دولية كبيرة لتطبيق القانون والنظام، في الوقت الذي ستبدأ فيه جهود إعادة الاعمار المتوقعة خلال عقد على الأقل، بتكلفة مئات مليارات الدولارات. يبدو أن الخطة ستطرح في قمة الجامعة العربية التي ستعقد في القاهرة في بداية الشهر القادم.

مع ذلك، الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة والمتسامحة اكثر مع نتنياهو، تظهر أيضا أمر آخر وهو أن الأغلبية الساحقة في الجمهور توجد لها مواقف تخالف مواقف الائتلاف في ثلاث قضايا رئيسية: استكمال الصفقة حتى بثمن باهظ، اجراء الانتخابات وتشكل لجنة تحقيق رسمية. نتننياهو سيضطر الى الى شن حرب ضروس ضد رغبة الشعب، التي تعارض أهدافه. واذا ارتكب أي خطأ مثل الافشال المتعمد للمرحلة الثانية فربما سيطلق العنان أخيرا للغضب الشعبي المتراكم منذ 7 أكتوبر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى