هآرتس: خطة نتنياهو لليوم التالي: احتلال عسكري، مرتزقة ومستوطنات

هآرتس 23/10/2024، نوعا لنداو: خطة نتنياهو لليوم التالي: احتلال عسكري، مرتزقة ومستوطنات
المعارضة في اسرائيل (أو البخار الذي بقي منها) تكثر من مهاجمة حكومة بنيامين نتنياهو بسبب غياب الرؤية وغياب خطة عمل. ولكن ما يميل كثيرون الى تفويته هو أنه بالنسبة لنتنياهو فان غياب خطة منظمة لا يعني عدم وجود سياسية. بالعكس، سياسته دائما تحددها الافعال على الارض، وليس الخطابات أو المصادقات. نتنياهو تمتع خلال سنوات حكمه بنشر الضبابية بشكل متعمد، بما في ذلك نشر رسائل متناقضة باللغتين العبرية والانجليزية، لكن الواقع نفسه لا يكذب. هذه هي الطريقة التي يتم فيها ضم شيئا فشيئا اجزاء واسعة في الضفة الغربية، ايضا بدون تشريع احتفالي، بشكل فعلي، وهذا بالضبط ما يحدث الآن في قطاع غزة.
في الوقت الذي فيه معارضو نتنياهو ينتقدونه بسبب غياب خطة منظمة لقطاع غزة (في اليوم التالي)، فعليا تتقدم خطة كهذه بالافعال، أولا، عن طريق احتلال مناطق واسعة في القطاع وطرد السكان وتدمير البيوت وشق طرق جديدة وبناء مواقع وبنى تحتية اخرى للمدى البعيد. وفي الوقت الحالي ايضا عن طريق الدفع قدما بخطة لنقل السيطرة المدنية في القطاع الى جهات خاصة مأجورة.
طريق طويلة محددة سارت فيها الحكومة، بدءا من النية التي تم الاعلان عنها في شهر شباط، بضغط شديد من امريكا، نقل السيطرة المدنية في القطاع الى جهات محلية لها “تجربة في الادارة”، التي “لا تكون متماهية مع دول أو هيئات مؤيدة للارهاب”، ومرورا بنية نقل المسؤولية عن المساعدات الانسانية في القطاع الى الجيش الاسرائيلي، الذي هو كلمة مغسولة للحكم العسكري، وانتهاء بالقرار الذي يتبلور الآن بسبب معارضة الجيش للانشغال بتوزيع المساعدات وهو استئجار شركة خاصة يمتلكها اسرائيليون وامريكيون لتولي ذلك.
الشركة التي يتم طرح اسمها مؤخرا كمرشحة هي شركة “جي.دي.سي”، وهي شركة مقاولات عسكرية من النوع الذي اغرق في حينه دول مثل العراق وافغانستان. هذا اسلوب جرت عليه ابحاث كثيرة في السنوات الاخيرة ووجدت فيه اخطار كثيرة. هذه شركات مرتزقة تحوم فوقها علامات استفهام شديدة في كل ما يتعلق بتطبيق القوانين والمعايير الدولية.
الحديث يدور عن خصخصة الحكم العسكري في غزة ونقله الى جهات خاصة لها مصالح اقتصادية خاصة، ليس اكثر من ذلك، الامر الذي يهدف الى ابعاد المسؤولية الاخلاقية والقانونية عن اسرائيل ونقلها الى مليشيات مسلحة. في مقابلة مقلقة جدا في “يديعوت احرونوت” أمس قال صاحب الشركة، موتي كهانا، بأنه “اذا حدث أي شيء فسنقوم بارسال الرسالة التالية الى سكان غزة: أنتم لا تريدون التعامل معنا”، هذا اقتباس حقيقي من عالم المافيا.
الى جانب حقيقة أنه لا يوجد لاسرائيل أي تفويض لتقرير من سيسيطر على مواطني غزة في اليوم التالي لحماس، فان كل ذلك في نهاية المطاف يحدث فقط كي لا يسمح للسلطة الفلسطينية بموطيء قدم هناك. هذا استمرار مباشر لسياسة تعزيز حماس واضعاف السلطة الفلسطينية، التي اتبعها نتنياهو خلال سنوات، وهي سياسة ترسخت بالافعال وبالدولارات في الوقت الذي هاجمه فيه الآخرون بسبب عدم وجود رؤية سياسية كما يبدو.
اسرائيل كان يجب عليها الدفع قدما، مع التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة، ببناء بديل سلطوي فلسطيني. القصد هو تسليم المفاتيح الآن عن السيطرة المدنية في القطاع الى مقاولين خاصين وخلق “عرقنة” للقطاع، التي ستكون بكاء لاجيال.
في موازاة هذه العملية، نتنياهو ايضا يستمتع بنشر الضبابية في كل ما يتعلق بموقفه بخصوص اقامة المستوطنات في غزة. هو يقول بأن هذا لن يحدث (لمزيد الدقة، “هذا غير واقعي”)، ومن جهة اخرى، حزبه يقود المهرجانات للدفع قدما بهذا الحلم المسيحاني. في نهاية المطاف البؤرة الاستيطانية الاولى التي “سيجدون صعوبة في اخلائها” هي التي ستحسم وليس الاقوال. عمليا، خطة نتنياهو لليوم التالي في قطاع غزة تتكون في هذه الاثناء من الاحتلال العسكري، المرتزقة والمستوطنات. هذه وصفة مؤكدة للكارثة القادمة.