هآرتس: خطاب اسبرطة كان اعلان نوايا محسوب

هآرتس 19/9/2025، يوسي فيرتر: خطاب اسبرطة كان اعلان نوايا محسوب
الامر السخيف في الحملة المكثفة لرجال نتنياهو من اجل اصلاح الضرر الكبير في خطاب “اسبرطة العظمى” الذي قام بالقائه، هو محاولة لتاطير أقواله كزلة لسان. هذا بحد ذاته تجديد للقواعد. في القاموس زلة اللسان تعتبر “قول انطلق من الفم بدون قصد”، ( مثل الحالة التي سمى فيها ابنه الصغير افنر بـ “ابراهام”). هذا ليس ما حدث هنا.
نتنياهو قرأ خطابه من ورقة. من المعروف ان هذا الشخص يحرص جدا على خطاباته، يقوم بمراجعتها عدة مرات، يشطب ويضيف، وبالتاكيد خطاب اقتصادي سيتم القاءه في منتدى اقتصادي هام.
الفقرة التي يدور الحديث عنها كانت بليغة ومبررة، وللأسف واقعية. فاعتبارها “زلة لسان” يشبه الشخص الذي يشتري بندقية وذخيرة مناسبة لها من اجل تنفيذ عملية اغتيال. هو يتدرب على اطلاق النار، تنظيف السلاح، والتموضع على سطح بيت وهو يصوب لفترة طويلة نحو الهدف ويضغط على الزناد، وفي التحقيق يقول ان الرصاصة انطلقت بالخطأ اثناء قيامه بصيد العصافير.
لكن بالنسبة للشخص الذي تعود على الكذب والنفي، ما هي الفائدة من محاولة أخرى لاخفاء الحقيقة، مهما ظهرت هذه الحقيقة فارغة ومثيرة للشفقة. لذلك المرء لا يمكنه الا التساؤل عن الحالة النفسية لرئيس الوزراء عند كتابة الخطاب. هل كان متزنا؟ كئيبا؟ مكتئبا؟ انهزاميا؟. البروفيسور حجاي لفين، رئيس جمعية أطباء الصحة العامة (الذي هو ليس طبيب نفسي)، يعتقد انه يجب على نتنياهو عرض نفسه على اخصائي كي يفحص مستوى لياقته العقلية لأداء دوره. ظاهريا هذه التوصية ليست بلا أساس. كان يمكن استخلاص ذلك بالتحديد من اليوم التالي للمؤتمر الصحفي المتسرع الذي عقد من اجل اصلاح “سوء الفهم”، كما قال نتنياهو؛ سوء الفهم هو من مسؤولية المستمع، ومرة أخرى جميعنا المسؤولين باستثنائه هو.
اذا كان سلوكه في الخطاب الأصلي يوحي بالاكتئاب فقد شاهدنا في اليوم التالي مرحلة الهوس. “توجد لي ثقة كاملة باقتصاد إسرائيل”، صرح في المؤتمر الصحفي. (المشكلة هي أن الاقتصاد لم يعد يوثق به). “الاقتصاد قوي جدا وهو يدهش كل العالم. الأسواق تدرك فائدة الاستثمار في إسرائيل”. فائدة؟ في دولة على شفا العزلة الدولية؟ الأداء المزري والمثير للشفقة لم يخفف الضرر الذي لحق بالأسواق ولو بمايكروغرام، والأكثر أهمية من ذلك هو انه لم يخفف الصدمة الجماعية التي اصابت إسرائيل العاقلة والمنتجة والتي تئن تحت عوائق حكومة هذا الشخص الخبيثة.
خلال ذلك هو فتح جبهة زائدة مع الصين، التي اتهمها بفرض “الحصار” على إسرائيل مع قطر، بعد بضعة أيام على إعطاء الامر للهجوم المجنون والفاشل في الدوحة، الذي وحد كل العالم العربي ضد إسرائيل. ومثل مشعل الحرائق، الظلامي والمريض، يقفز بين الساحات وهو يحمل وعاء وقود، يصب ويشعل، يشعل ويصب، ولا يعرف الشبع.
اثناء لقاء في مكتبه تصرف بفظاظة مع المراسل الممتاز في قناة “كان” ميخائيل شيمش، وقدم درع واقي للمشتبه فيها التي رفضت التحقيق معها، ماي غولان، وقام بتشويه سمعة رئيس الأركان ايال زمير الذي اتهمه بـ “التردد” بسبب موقفه من عملية “عربات جدعون 2” لاحتلال غزة.
كل “الداعمين” الذين خرجوا في ذلك المساء، تطرقوا فقط الى الموضوعين الأخيرين. ولكن موضوع الاقتصاد وموضوع سوء الفهم تم تجاهلهما وكأنهما صوت بجع. شهادة التاهيل التي أعطاها لغولان إضافة الى هجومه على المستشارة القانونية للحكومة والمدعي العام، اللذان تجرءا على إعطاء امر بالتحقيق مع مشبوهين في الحكومة وفي الائتلاف، أوضحت الى أي درجة هو نتنياهو “نقطة الصفر” البشرية للفساد والانحلال في إسرائيل. ورم عام عنيف ينتشر بسرعة.
لولا المعايير العصابية التي تركها هنا بحزم خلال سنوات التحقيق معه ومحاكمته، فان شخصية تافهة مثل غولان لم تكن لتتجرأ على التهرب من التحقيق معها، ومقارنة غالي بهراف ميارا مع المومسات والمدمنات، اللواتي تربت معهن في شبابها.
أمس بعد ان اخفتها في شقتها التي تتمتع بالحصانة لعدم دخول الشرطة، أرسلت والدتها ريمونا الى قسم التحقيق 433 بعد ان تم اعدادها جيدا فقط من اجل ان تظهر بعد فترة قصيرة في مركز الشرطة وتجر والدتها الى الخارج، وهي تصرخ على رجال الشرطة المندهشين. كل مستشاريها الذين تم اعتقالهم سيكونون شهود نيابة ضدها، احدهم سيكون شاهد ملكي.
اذا تمت ادانتها وحكم عليها ببعض المخالفات المنسوبة اليها فهي يمكن ان تصل الى سجن نفيه ترتسا، وربما الالتقاء مع بعض معارفها السابقين، على فرض انه سيتم رفع حصانتها في لجنة الكنيست، وهو الامر غير المؤكد. الائتلاف توجد فيه اغلبية. واذا كان هناك شيء تتقنه هذه العصابة فهو حماية الأعضاء فيه، ولا احد يعرف متى سيحتاجون هم انفسهم الى هذه الحماية.
فشل فظيع
ما هذه الروح العالية والنشوة التي شاهدناها في هذا الأسبوع لدى الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير. الأول يتحدث بعيون لامعة عن “طفرة العقارات” في القطاع وعن المفاوضات التي يجريها مع الأمريكيين حول “توزيع نسبة” الأراضي الموروثة. والثاني يصرخ بغضب في لقاء للشرطة ويعد بإقامة حي لرجال الشرطة في القطاع يطل على البحر، “بنايات شاهقة مع كل الأدوات”. في الوقت الذي فيه الجنود يقتلون ويصابون في القطاع، ويتم تعذيب المخطوفين تحت الأرض واستخدامهم كدروع بشرية فوقها، فان هذين المشاغبين يحتفلان بالاوهام المسيحانية.
الاثنان هما أيضا السبب الرئيسي للعملية الحالية، الغبية والدموية، في القطاع. وان كانت المسؤولية الحصرية هي للرأس. عربات جدعون 2 ستصبح فصل مظلم بشكل خاص في تاريخ هذه الحرب الفظيعة. مرة أخرى دخول جنود الجيش الإسرائيلي بدون هدف محدد الى منطقة حضرية خطيرة، التي تشبه محاولة تطهيرها كليا محاولة اخراج المياه بدلو من قارب مثقوب. مرة أخرى مئات آلاف الفلسطينيين المعدمين، الذين يعانون من الجوع ويهربون من القصف نحو الجنوب، ومئات القتلى المدنيين الذين يضافون الى العدد المعروض في كل العالم، الذي يعتبر إسرائيل دولة وحشية ومنفصلة وتقاد على يد يمين متطرف وبربري، ورئيس حكومة منفلت العقال فقد عقله.
في الأسبوع القادم سيضاف الى لقب “السيد تخلي”، الذي تم الصاقه (بحق) بنتنياهو، لقب “السيد فلسطين”. دول غربية كثيرة ودول ديمقراطية كبيرة التي بدأت إسرائيل تبتعد عنها، يتوقع ان تعلن عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، بشروط معينة أو بدون شروط. الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك ستكون تاريخية بكل معنى الكلمة.
بعد انتهاءها في يوم الجمعة القادم سيصعد الى المنصة مؤسس فلسطين، رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، في مشهد معروف مسبقا، للعب دور الضحية، وسيوجه الاتهامات العنيفة مع سلسلة من الشعارات المعروفة: “كارثة يهود أوروبا”، “مذبحة 7 أكتوبر”، “هدية لحماس” و”نفي الصهيونية”. لغته الإنجليزية ستكون رائعة، الالاعيب المعروفة والغضب المقدس ستملأ فضاء القاعة، لكن رائحة الفشل ستتغلب على كل شيء. لماذا الآن؟ سالت في هذا الأسبوع دبلوماسي غربي كبير مطلع على الأمور. “النقاش حول التوقيت هو مشروع”، اعترف. “لكن يوجد لنا رد، لان فكرة الدولتين هي الآن في خطر غير مسبوق. واقع البناء منفلت العقال في المستوطنات، البناء في منطقة إي1، سرقة الأراضي الفلسطينية، وضع اليد على مناطق وطرد السكان من قراهم ومن أراضيهم، إضافة الى عنف المستوطنين المتزايد – كل ذلك هو تهديد كبير لحل الدولتين”.
نتنياهو يتهمكم باعطاء هدية لحماس، لا سيما بعد 7 أكتوبر، قلت له. “هذه وبحق ليست هدية لحماس”، قال. “بالعكس، حماس تطمح الى دولة واحدة إسلامية على حساب إسرائيل. نحن نشرنا في نهاية تموز بيان مشترك مع كل الدول الأوروبية تقريبا، ودول أخرى مثل كندا وأستراليا، تركيا، الجامعة العربية، ودول إسلامية مثل اندونيسيا، الذي طالب بانهاء الحرب وطرد حماس من القطاع ونزع سلاحها وتحرير جميع المخطوفين. وهي وافقت على التوقيع بشرط أن تعترف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية. هذه يمكن ان تكون فرصة جيدة لإسرائيل من اجل فتح صفحة جديدة.
الادعاء في إسرائيل، الذي ينشره رئيس الحكومة ووزير الخارجية ساعر، هو ان رؤساء أوروبا خضعوا لضغط المهاجرين المسلمين الذين يزداد عددهم في بلادهم، قلت. “هذا ادعاء يوازي ما قيل في حينه وهو ان اليهود يسيطرون على اقتصاد العالم. المهاجرون المسلمون اندمجوا في الدول التي استوعبتهم، واصبحوا جزء من السياسة، الاقتصاد والثقافة”، قال الدبلوماسي الغربي.
نتنياهو يهدد العالم بان “خطوة أحادية الجانب من قبلكم ستواجه بخطوة أحادية الجانب من قبل إسرائيل.و هو يلمح بوضوح الى ضم مناطق في الضفة الغربية. كيف ستردون، وهل ستردون؟” سألت. “بالتأكيد”، قال وأضاف. “الجواب سيكون قاس جدا. عقوبات أخرى ستفرض، في مجال التجارة والاقتصاد بالأساس. هذا سيكون اخطر بكثير مما يحدث الآن. يجب أن لا يخطيء أي أحد في إسرائيل ويفكر بأننا سنعترف نحن بالدولة الفلسطينية وأنتم ستقومون بضم مناطق، وهكذا ينتهي الامر. كل ضم – بالنسبة لنا لا يوجد ضم رمزي – سيستدعي تدهور خطير في العلاقات مع إسرائيل”.
ما الذي سيحدث اذا؟ تساءلت بيأس. “الأسابيع القادمة ستكون مهمة جدا”، رد بشكل دبلوماسي.