هآرتس: حماس في سياق استراتيجية الامتدادات الإيرانية
هآرتس 20-3-2024، تسفي برئيل: حماس في سياق استراتيجية الامتدادات الإيرانية
خلال عشرات السنين من وجودها تجذرت النظرية التي تفيد بأن حماس هي منظمة تعمل حسب توجيهات إيران، وهي امتداد فلسطيني لـ “محور الشر” الذي يوجد رأسه في طهران. الحرب في غزة أوضحت أن هذه النظرية لم تكن أكثر من عنوان هدف إلى تضخيم حماس ومحور إيران بشكل عام.
لا يوجد خلاف على أنه خلال عشرات السنين أرسلت إيران لحماس وسائل قتالية وتكنولوجيا وتمويل سخي.
حماس نفسها شكرت مرات كثيرة القيادة الإيرانية على الدعم الكبير الذي ساعدها في الكفاح المسلح الفلسطيني، لكن عندما جاء وقت الاختبار تبين أن إيران لم تكن مشاركة في تخطيط وتنفيذ الهجوم على إسرائيل، وهي لا يمكنها توجيه، بالأحرى إملاء، خطوات حماس حتى بعد اندلاع الحرب.
حسب تقرير نشرته “رويترز” فإن المرشد الأعلى علي خامنئي أوضح لإسماعيل هنية في تشرين الثاني الماضي أن إيران لم ولن تشارك في الحرب لأنهم “لم يتشاوروا معها”، وأنها لن تحارب بدلاً من حماس.
الآن هي أيضاً ليست شريكة في مجموعة الدول التي تنشغل في إدارة المفاوضات بين إسرائيل وحماس، وهي المكانة المحفوظة لقطر ومصر. هذا التطور يقتضي إعادة فحص التعريفات التي تصف العلاقة بين تنظيمات وحركات إقليمية وبين إيران.
الذراع الفلسطينية لإيران تعتمد بشكل مطلق على الجهاد الإسلامي، بسبب اعتماده الحصري على تمويل إيران، وبدرجة أقل يعتمد على حماس، التي طموحاتها واعتباراتها الاستراتيجية أكبر بكثير من طموحات الأخ الأصغر.
أفضلية الجهاد الإسلامي هي أنه خلافاً لحماس لا يتفاخر ولا يحاول إدارة دولة، هو لم يقم بإدارة نظام مدني ولا توجد له أجهزة تعليم وصحة أو وزارة رفاه.
قوته النسبية التي اعتمدت عليها إيران في التأثير على الساحة الفلسطينية كانت تكمن في قدرته على تعويق مبادرات حماس، لا سيما التي اقتضت الموافقة والتنسيق مع التنظيمات في غزة، مثل وقف إطلاق النار أو أي اتفاقات أخرى مع إسرائيل.
في الواقع قيادة حماس المخضرمة أقامت علاقتها الأولى مع إيران في 1992 عندما تم طرد 415 عضواً فيها، من بينهم من سيصبحون زعماء للحركة، إلى لبنان. لكن هذه القيادة نفسها قررت في 2012 قطع علاقاتها مع سورية بسبب المذبحة التي نفذها نظام بشار الأسد ضد مواطنيه، وهي الخطوة التي أدت إلى قطع العلاقة بين طهران وحماس الذي استمر سنوات كثيرة.
حتى بعد استئناف العلاقات بين إيران وحماس، إلا أن الخلاف داخل حماس في ما يتعلق بإيران لم ينته.
هنية وصالح العاروري اعتبرا إيران ركيزة استراتيجية، لكن خالد مشعل دفع نحو إعادة المنظمة إلى “الحضن العربي”، لا سيما تحسين العلاقات مع السعودية.
إيران لم تتمكن وبحق من الاعتماد على أن حماس في جيبها. والآن عندما تدير حماس حرباً على بقائها السياسي، ليس فقط العسكري، وعلى مكانتها في الساحة الفلسطينية بشكل عام وليس فقط في قطاع غزة فإنّ هناك شكاً كبيراً في أن تستطيع إيران مساعدتها، ومن غير المؤكد أنها سترغب في ذلك إذا اعتقدت أن الأمر يتعلق بذخر مفقود.
لكن ليس فقط الساحة الفلسطينية هي التي تضعضع صولجان سيطرة إيران وتثير التساؤلات حول قوتها.
“فايننشال تايمز” كشفت في الأسبوع الماضي أن وفداً أميركياً رفيعاً برئاسة بيرت ماكغورك، المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، تحدث في كانون الثاني الماضي في سلطنة عُمان في محادثات غير مباشرة مع جهات إيرانية رفيعة برئاسة علي باقري – قاني، نائب وزير الخارجية ورئيس بعثة المفاوضات حول الاتفاق النووي.
الأميركيون طلبوا من إيران في هذه المحادثات “تهدئة” نشاطات الحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق، التي هاجمت عشرات الأهداف الأميركية في العراق وفي سورية.
إيران من ناحيتها طلبت من الولايات المتحدة استخدام الضغط على إسرائيل لتطبيق وقف مطلق لإطلاق النار.
المحادثات انتهت دون أي نتيجة. وفي اليوم التالي هاجم الأميركيون أهدافاً للحوثيين، لكن بالذات هجمات المليشيات الشيعية على الأهداف الأميركية توقفت منذ 4 شباط، ليس بفضل هذه المحادثات بل بعد عدة هجمات أميركية على قواعدها في العراق.
بخصوص غزة وحماس بقيت إيران خارج الصورة. فهي لم تتمكن ولم يطلب منها أيضاً طرح تنازلات أو طلبات باسم حماس. مشاركتها المباشرة في منظومة الأواني المستطرقة التي يتم وصفها بـ “وحدة الساحات” بقيت في الأساس إعلانية. والأكثر من ذلك هو أن إيران أدركت أن “وحدة الساحات” يمكن أن تضر بأعدائها، لكنها لا يمكن أن تحسم المعركة، وبالأساس هي يمكن أن تكون شركاً وتهدد أمنها.
في شهر شباط زار بيروت إسماعيل قاءاني، قائد قوة القدس، للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب، والتقى مع حسن نصر الله من أجل مناقشته في التأثيرات المتوقعة من استمرار المواجهة مع إسرائيل.
وسائل إعلام عربية التي تعتمد على مصادر إيرانية ولبنانية نشرت أنه في هذا اللقاء وعد نصر الله قاءاني بأن منظمته لن تجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة. “هذه حربنا ونحن مستعدون لتنفيذها وحدنا”، قال حسن نصر الله.
من غير المعروف ماذا كان رد قاءاني، لكن جواب نصر الله يدل على أنه أيضاً في الساحة اللبنانية، التي يوجد لإيران فيها نفوذ أكبر بكثير مما في ساحات أخرى، وبالتأكيد في الساحة الفلسطينية، فإن نفوذها يرتبط بالظروف المحلية، ولا يمكن أن يكون نفوذاً مطلقاً.
السفير الإيراني في الأمم المتحدة، أمير سعيد ارفاني، أوضح في مقابلة مع “ان.بي.سي” بأن “العلاقات بين إيران ومنظمات المقاومة في المنطقة تشبه العلاقات القائمة بين دول حلف الناتو”.
وحسب قوله فإن هذه التنظيمات تقرر بنفسها كل ما يتعلق بنشاطاتها العسكرية.
هذا أيضاً هو الخط الدعائي الذي يكثر وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، تكراره من أجل أن يزيل التهمة عن إيران وكأنها تنسق وتدير النشاطات العسكرية لهذه التنظيمات.
لكن هذه الرواية الإيرانية تدل على الصعوبات التي تواجهها إيران في تشكيل “الظروف الداخلية”، التي يضطر كل تنظيم إلى العمل في إطارها، ويظهر أنها هي نفسها خاضعة لإملاءات هذه الظروف إذا كانت تريد الحفاظ على نفوذها في المنطقة.
إيران يمكنها مثلاً التأثير على قرارات حزب الله ومطالبته بعدم جرها إلى حرب شاملة، مثلما فعلت حتى الآن. لكن هي لا يمكنها استبدال التركيبة الطائفية والدينية في لبنان التي تحدد إطار نشاطات حزب الله.
ضرورة الحفاظ على هوية المنظمة كمنظمة لبنانية وليس إيرانية، تملي على حزب الله صيغة التفسيرات التي هو ملزم بها للحفاظ على مكانته، التي بحسبها هو يعمل من أجل الدفاع عن لبنان وليس إنقاذ فلسطين.
على هذا المبرر تستند معادلة الردع التي حافظ عليها حزب الله سنوات، حتى أثناء الحرب في غزة. “طبرية مقابل بعلبك”، أوضح نائبه نعيم قاسم قواعد الرد التي يطبقها حزب الله، وليس “طبرية مقابل خان يونس أو رفح”.
إيران لا يمكنها أيضاً تغيير طبيعة الصراع السياسي والعسكري في اليمن.
حرب الحوثيين ضد النظام الرسمي في اليمن والسعودية لم يتم التخطيط لها في طهران، مثلما أن العملية الدبلوماسية التي أدت إلى وقف إطلاق النار قبل سنتين تقريباً والتفاهمات بين الحوثيين والسعودية لم يتم تشكيلها على يد إيران، بل تم إملاؤها على السعودية على يد الولايات المتحدة.
الحوثيون يواصلون المس بالحركة التجارية في البحر الأحمر، وهم يوضحون بذلك أنهم يساهمون بالشكل الأكثر نجاعة في محور المقاومة. لكن توجد للحوثيين أجندة خاصة بهم، غير مرتبطة بغزة أو حماس، بل بالصراعات السياسية الداخلية؛ خلافاً لحزب الله الذي وضع نفسه في علاقة مع غزة وأوضح أن وقف إطلاق النار في القطاع سيلزمه هو أيضاً، ومثلما تصرف أيضاً في وقف إطلاق النار السابق، فإن الحوثيين غير ملتزمين بأي شيء.
تصعب معرفة إذا كانت المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران لم تثمر أي نتائج في ساحة البحر الأحمر بسبب رفض إيران التخلي عما يتم تعريفه بالغرب بـ “ذراعها التنفيذية في المنطقة” أو أنها فشلت لأنه لا يمكنها التأكد من أن الحوثيين سيخضعون لطلبها، وبذلك يظهرون عدم السيطرة على امتداداتها – ويتحدون التصور الذي يقول إنه يمكنها إملاء استراتيجية من فوق رؤوس التنظيمات المحلية.
إيران وضعت نفسها مجدداً كدولة شرعية في الشرق الأوسط بعد استئناف علاقاتها مع دولة الإمارات والسعودية، وربما بعد ذلك مع مصر، وهي يمكنها الاستنتاج بأن الحرب في غزة تلزمها بإعادة فحص “استراتيجية الامتدادات”. وهي الاستراتيجية التي وفرت لها قوتها حتى الآن، لكنها أيضاً كشفت قيود امتداداتها، والآن هذه الاستراتيجية تهدد الدول التي أنقذت إيران من العزلة الإقليمية.