هآرتس: حماس تضررت، السلطة مقصية والعشائر تأخذ السيطرة في قطاع غزة

هآرتس 30/6/2025، جاكي خوري: حماس تضررت، السلطة مقصية والعشائر تأخذ السيطرة في قطاع غزة
هذه الصورة تتكرر في عدد من المناطق في قطاع غزة، بالاساس في شمال القطاع: قوافل المساعدات تدخل الى الاحياء والشباب يتجمعون حولها. لا احد يقترب منها، الجميع يحترمونها. المسؤولون الجدد عن النظام العام في مكان لا يوجد فيه نظام ولكن يوجد فيه جمهور. بعد ذلك يشرف الشباب على قدوم الشاحنات الى مراكز توزيع الغذاء، ويمنعون مهاجمتها أو نهبها. هم ليسوا جنود اسرائيليين أو رجال حماية دوليين، بل هم من سكان القطاع، ابناء العشائر القوية في المنطقة، وهي عائلات قوتها في القطاع آخذة في التعزز.
هذه العائلات، التي هي عشائر متوسطة وكبيرة، دخلت الى الفراغ الذي تولد بسبب اضعاف حماس ومعارضة اسرائيل تواجد السلطة الفلسطينية في القطاع. الحديث يدور عن توجه بدأ في الاشهر الاولى للحرب، وكلما مر الوقت وتآكلت قيادة حماس وسيطرتها تقوى هذا التوجه. بعد ان قامت اسرائيل باغتيال عدد كبير من قادة حماس، وايضا رجال الاجهزة، بما في ذلك رجال شرطة، نشأ في القطاع نوع من المنطقة الحرام، وضائقة المساعدات الانسانية اوجدت فرصة ذهبية. لأنه في ظل غياب حماس من الذي يمكنه فرض النظام افضل من العائلات القوية في المنطقة؟.
“اينما توجد سيطرة للعائلات، يوجد نظام”، قال لـ “هآرتس” نشيط مسؤول عن حماية المساعدات. “أينما تقول اسرائيل بأنها تسيطر توجد فوضى ونهب”. ولكن الحديث لا يدور فقط عن مبادرة مرتجلة، في مناطق مثل جباليا والزيتون ودير البلح، العائلة هي السيد على الاقل بشكل جزئي. هي التي توفر الخدمات الاساسية للسكان، بما في ذلك حل النزاعات وتوفر لهم الاذن الصاغية. في المقابل، العائلات هي ايضا الشريكة للمنظمات الدولية التي تعمل هناك. والى جانب الحماية هي توفر طرق لتجاوز العقبات البيروقراطية.
يمكن القول بان شمال القطاع هو نوع من مشروع تجربة، هناك هذا الواقع على الارض. وكدليل على ذلك هو طريقة توزيع المساعدات هناك في الاسبوع الماضي بشكل منظم نسبيا. في وسط القطاع وفي جنوبه، المناطق التي لم يتم فيها التنسيق مع العائلات، تم نهب المساعدات وهي في الطريق الى مراكز التوزيع. “نحن رأينا أنه يمكن فرض النظام اذا رغبوا في ذلك”، قال احد سكان شمال القطاع. “لذلك، النضال الان هو على وصول ذلك الى كل ارجاء القطاع”. سبب ذلك هو ان الجنوب، المنطقة المشوشة، يرتبط ايضا بسيطرة العشائر. احد سكان هذه المنطقة قال: “هناك عائلات تعتبر النهب والسرقة احد عوامل القوة. لذلك فانه من المفضل بالنسبة لها سرقة وبيع البضائع بعشرات آلاف الدولارات بدلا من ادخالها بشكل منظم الى القطاع”، نحن في وضع معقد جدا، لم نعد نعرف من الذي حقا يسيطر وعلى من. حتى الآن بالنسبة لنا العشائر والعائلات هي افضل من الفوضى والمليشيات”.
احيانا جميع القوى التي تعمل في القطاع تتكتل، من جهة حماس التي ما زالت موجودة بحجم متغير، ومن جهة اخرى، العشائر التي تحاول تحقيق السيطرة على بعض المناطق، ومن جهة ثالثة، احيانا هناك جنود الجيش الاسرائيلي. فقط في الاسبوع الماضي اصيب عدد من الاشخاص اثناء تبادل لاطلاق النار خارج مستشفى في خانيونس في جنوب القطاع. في هذه الحادثة كان طرفان اساسيان، وحدة “السهم” التابعة لحماس، ومسلحون من عشيرة بربخ. حسب شهادات السكان فان اعضاء وحدة السهم اطلقوا النار على ابناء عائلة بربخ، وعلى الاقل قتل شخص واحد منهم واصابوا آخرين. في حماس قالوا ان العشيرة كانت مشاركة في نهب شاحنة مساعدات، ولكن في العائلة نفوا ذلك. المواجهة في المنطقة استمرت لبضعة ايام ونتج عنها مصابين. في النهاية حققت حماس سيطرتها في المنطقة.
صراعات القوة هذه تعمق اكثر فاكثر الشعور بعدم الامان لدى المواطنين، قالت للصحيفة مواطنة غزية، التي حسب قولها ذهبت عدة مرات في الفجر الى مراكز التوزيع واصطدمت بملثمين لم تعرف لمن ينتمون. “نحن نخرج فجرا في الظلام كي نتمكن من الوصول، وعندها نصطدم بكل النماذج”، قالت. “لم اعد اعرف من ينتمي لهذه العائلة ومن هو مجرم ومن هو رجل حماس. نحن لم نعد نفكر بالنظام العام، بل بالحصول على الطحين والغذاء، واذا كان ذلك عن طريق العشائر وبمساعدتها فليكن”.
حكم العائلات
سيطرة هذه الحمائل أو غيرها في مناطق في القطاع لا تعتبر ظاهرة جديدة، الامر ابعد من ذلك. منذ عشرات السنين العائلات الممتدة هي العامل الرئيسي في النسيج الاجتماعي الفلسطيني. البنية القبلية ليست فقط من بقايا الماضي، بل هي منظومة حية ونشطة وتوفر الرد على الاحتياجات الاجتماعية، الاقتصادية وحتى الامنية، في ظل غياب مؤسسات دولة قوية. بمعنى معين يبدو الامر يشبه قوة العائلات في القرى العربية في اسرائيل، التي ايضا فيها سلطات الدولة تنسحب. هي تدافع عن اعضائها امام المجرمين وممثلي السلطة، وهي ايضا تساعد على ايجاد عمل.
لكن في قطاع غزة، الذي فيه ايضا في عهد حماس الذهبي اعتمدت المنظمة على التعاون مع العائلات، سيطرتها كانت واضحة اكثر. هكذا شرخ خبراء في الاقتصاد وفي المجتمع الفلسطيني. هذا وجد تعبيره في كل اركان الاقتصاد الغزي – الزراعة، التجارة والصيد. وفقا لذلك، فانه في السنوات التي سيطرت فيها حماس بقوة كان التهريب من خلال الانفاق الى مصر الشريان الرئيسي لاقتصاد القطاع، كان للعائلات ايضا دور مهم في ذلك.
الان بسبب الانقسام السياسي وتآكل المؤسسات فان العائلات التي توجد لها قوة اجتماعية وسياسية موازية تبرز وتلعب دور مركب في احلال السلام الاجتماعي وفي توزيع الموارد، وحتى في توجيه الولاء السياسي. بعض العائلات والحمائل معروفة تاريخيا بأن لها نفوذ في القطاع، البعض منها بشكل كبير وبعضها اقل. مثلا، عائلة الجعبري متماهية مع كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس. عائلة برهوم من خانيونس، المعروفة بفضل ابنها فوزي برهوم، المتحدث السابق باسم حماس. ولكن الحديث لا يدور فقط عن حماس. ففي القطاع هناك عائلات مع مرور السنين ارتبط اسمها بجسم معين في كل المجالات، بدءا بالتماهي الاقتصادي وانتهاء بالدعم الاقتصادي وتوفير النشطاء لهذا الجسم المسلح. الآن مع ذلك يصعب قياس طبيعة الصلة، لأن كثير من العائلات تضررت بشكل كبير، وهناك عائلات فقدت ممتلكاتها، وحتى هناك عائلات غادرت القطاع.
بخصوص العائلات التي ما زالت تنشط في القطاع، حتى لو ضعفت صلتها مع اجهزة السلطة، فان الارتباط بالسكان بقي على حاله في مرات كثيرة. عمليا، في ظل غياب سلطة مركزية وعدم اليقين غير المسبوق في غزة، فان الكثير من العشائر تعتبر جزر استقرار. التصريح الذي نشره في الشهر الماضي “تجمع العائلات والمخاتير في جنوب القطاع، يمكن معرفة منه ان العائلات يمكنها تحمل المسؤولية عن مجالات حيوية في الحياة في غزة. الى جانب ذلك يبدو أن هذه العائلات تنوي حماية الحدود السياسية والوطنية، وهي ترفض التحول الى عنصر في جهاز التعاون مع اسرائيل. هذا التصريح عبر ايضا عن دعمه لحماس وللفصائل التي تعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، طالبوا في التصريح بتدخل السلطة الفلسطينية في الشؤون المدنية.
كل هذه الشروط، اضافة الى الوضع الهش، تدل اكثر من أي شيء آخر على مؤقتية الوضع الحالي. ولكن حتى النموذج القائم الان بعيد عن ان يكون كامل بالنسبة للسكان. كثيرون منهم يشيرون الى سلبيات تظهر من المركزية الجديدة للقوة. “لا يمكن القول بان العائلات والعشائر هي كما كانت ذات يوم، عندما كان شيخ القبيلة أو رئيس العائلة يتخذ القرارات باسم الجميع”، قال للصحيفة أحد ابناء عائلة ثرية في القطاع حتى الحرب. “الوضع تغير. الآن ما يربط هو بالاساس القوة الاقتصادية أو قوة السلاح. لذلك، فان كل انواع الشباب المسلحين يصعدون ويصبحون ذوي قوة. في حالات كثيرة هذه القوة يتم الحصول عليها من خلال التخويف. هذا جزء من الفوضى التي ترعاها اسرائيل، مثلما هي الحال مع مليشيا أبو شباب”.
على رأس هذا التنظيم يقف ياسر أبو شباب، وهو ابن قبيلة الطرابين البدوية، المعروف بنشاطاته الاجرامية، بما في ذلك نهب المساعدات في نهاية السنة الماضية. ورغم أن أبو شباب نشر تسجيل قال فيه بانه لا يتعاون مع اسرائيل، حسب مصادر في غزة، إلا أن تنظيمه يضم 100 شاب مسلح وهو يحصل على الدعم الصامت من الجيش الاسرائيلي لنشاطاته، وحتى أنه يحصل على مساعدة لوجستية واستخبارية منه.
اسم أبو شباب ليس الاسم الوحيد الذي ارتبط باسرائيل، بشكل فعلي أو بامكانية كامنة. لذلك فان رؤساء العشائر وكثير من المخاتير في القطاع صرحوا علنا عن رفض التحول الى اداة بيد الاحتلال، أو أن يكونوا البديل للحركات الوطنية. في اسرائيل يعتبرون ذلك محاولة لخلق بديل محلي عن سلطة حماس. ولكن بالنسبة للفلسطينيين فان أي دعم اسرائيلي كهذا ليس اقل من التماهي مع الاحتلال ومحاولة تحويل البنية التقليدية الى اداة تخدم اسرائيل. مثلا، أبو شباب، الذي حسب شهادات من غزة، حدث تغيير على مكانته، والآن قوة هذا التنظيم في حالة تدهور.
لكن هناك ايضا عملية تنظيم بعيدة المدى، بصبغة فلسطينية فقط، على سبيل المثال محمد دحلان، رئيس الامن الوقائي السابق ومن كبار قادة حركة فتح وهو الآن رئيس التيار الاصلاحي في الحركة، بمرافقة هذا اللقب هو يدير ويمول منظمات غير ربحية ومنظمات اغاثة. مقربون من دحلان يشيرون الى أن الجمعيات المرتبطة به تعمل بالتنسيق مع مؤسسات الامم المتحدة وتشارك في تقديم المساعدات الانسانية المباشرة للعائلات في قطاع غزة. ناشط بارز يوضح ذلك ويقول: “يتم تسليم المساعدات بواسطة مؤسسات دولية، بعضها امريكية، من خلال اجهزتها. لا توجد لنا آلية مستقلة للتوزيع. نحن نقوم بنقل المعدات اليهم وهم يهتمون بادخالها الى القطاع وتوزيعها، واحيانا يكون ذلك باشراف العائلات نفسها”.
الوضع الحالي
في محادثات مع سكان في غزة ظهر مرة اخرى قاسم مشترك: الحالة المؤقتة. ايضا الان عندما على الاقل في شمال القطاع تم تحقيق آلية ثابتة لتوزيع المساعدات، فان السؤال الرئيسي ليس متى سيتم توسيعها في كل ارجاء القطاع، بل متى ستتوقف كليا. “يوجد تفاهم على أنه حتى لو أن هذه الالية ناجعة، فان اسرائيل غير معنية بالضرورة بتفعيلها طوال الوقت”، قال مصدر في احدى العشائر التي توفر الحماية للمساعدات. “ربما ان الطموح هو بالذات الحفاظ على الهدوء المصطنع لوقت طويل الى جانب الفوضى المراقبة”.
في القطاع على قناعة بان سلطة العشائر لا يمكن ان تبقى في القطاع طالما انه لا يوجد حسم من هو السيد فيه. احد سكان غزة، ناشط في احدى العائلات، قال للصحيفة ان “اسرائيل معنية بنهب قوافل المساعدات لتعزيز مكانة عصابات الجريمة”. وحسب قوله فانه عندما توجد ارادة حقيقية للعائلات، وعندما يسمحون لها بالعمل، هي ستنجح في فرض نظام افضل. ولكنه غير واثق من ان هذا حقا هو مصلحة اسرائيل، “حتى لو كان الامر يتعلق بعائلات مرتبطة بفتح أو بالتيار المرتبط باتحاد الامارات”. وقد اعطى امثلة على ذلك. “اسرائيل تريد الحفاظ على حالة الفوضى من اجل الادعاء بأن المساعدات تصل الى حماس، لان ذلك يخدمها سياسيا، ومن اجل صد الضغط الدولي”.
طه الاسطل، وهو من كبار هيئة العائلات والعشائر في خانيونس، قال ان اسرائيل تضع العقبات امام آلية ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع، وحتى أنها تسمح بالفعل لجهات جريمة بالمس بهذه العملية لاسباب خاصة بها. “بدلا من السماح لجهاز محلي، ينسق مع المنظمات الدولية للعمل بشكل منظم”، قال في نهاية الاسبوع في مقابلة مع راديو “الشمس” في الناصرة. “اسرائيل تقوم بتعويق ادخال القوافل وتضع شروط مشددة وحتى أنها توفر بالفعل الدعم لجهات اجرامية، التي تحاول السيطرة على المساعدات ونهبها”.
حسب قوله فانه في الايام الاخيرة تم الحصول على تعهد بادخال عشرات الشاحنات المحملة بالطحين، لكنهم في اسرائيل صمموا على أن تدخل المساعدات فقط في معبر كرم أبو سالم، بصورة تزيد الخوف من فقدان السيطرة على الارض. “هذا يفتح مدخل للسرقة، عدم النظام وانهيار الجهاز المدني الذي نحاول الحفاظ عليه”، قال. “تصعب معرفة كم من الوقت يمكننا الصمود هكذا. نحن نفعل كل ما في استطاعتنا لحماية المساعدات والتاكد من وصولها الى هدفها، لكن الشعور هو ان اسرائيل بالذات هي التي تسد هذه الامكانية”.
لكن اسرائيل هي فقط عامل رئيسي واحد من بين ثلاثة عوامل، لها صلة فيما يحدث في القطاع. فالى جانبها تعمل بالطبع حماس، وهناك ايضا السلطة الفلسطينية التي تريد العودة الى غزة بعد 18 سنة غياب. وهي تعرف انه لا يمكنها فعل ذلك بدون اشراك العائلات والاعتراف بدورها، الامر الذي يلزمها بتحسين العلاقات واعادة الثقة من جديد وتطوير نموذج حكم يدمج بين المؤسسات الرسمية والبنية التقليدية. بسبب ان بعض العائلات حافظت على علاقتها مع السلطة وعائلات اخرى ابتعدت عنها (بعضها يعتبر اسرائيل طوق نجاة حيوي)، فان المهمة التي تقف امام مؤسسات السلطة هي مهمة معقدة بشكل خاص.