هآرتس: حماس تتطلع الى استخدام الموافقة على منحى ويتكوف لانجاز يضمن مستقبلها

هآرتس 3/6/2025، تسفي برئيل: حماس تتطلع الى استخدام الموافقة على منحى ويتكوف لانجاز يضمن مستقبلها
اسرائيل تفسر توسيع الحرب في غزة بان الضغط العسكري المتزايد الى جانب الظروف الانسانية القاسية التي يفرضها الجيش الاسرائيلي ستجبر حماس على الموافقة على خطة ويتكوف الجديدة. ولكن في هذا الافتراض يوجد عدد من الاخطاء والتناقضات، التي لا تتساوق مع الهدف العلني وهو اعادة المخطوفين وتدمير حكم حماس في غزة.
الضغط العسكري – المفهوم المغسول لحجم القتل الكبير والقصف الممنهج للبنى التحتية ومن بينها شل الخدمات الصحية المجانية وتدمير مصادر المياه وتجويع مخطط له ونقل قسري للسكان – لم يثمر حتى الآن نتائج حقيقية. المخطوفون لم يتم تحريرهم، وحماس ما زالت الجسم الوحيد الذي يمكن ان نجري المفاوضات معه. تصفية طبقات قيادة حماس، العسكرية والسياسية، في غزة وفي الخارج، قوضت في الواقع قدرتها على السيطرة في القطاع وحرمتها من الكثير من قدرتها العسكرية، لكن هذه النتائج لم تضر بمكانتها كجسم حصري يقرر مستقبل صفقة اطلاق سراح المخطوفين.
في الاشهر الاخيرة اثبتت حماس ان رافعة الضغط السياسية المستخدمة عليها، التي نسبت لقطر ومصر وتركيا، هل رافعة محدودة. وبدرجة لا تقل عن ذلك بفضل السياسة الارتجالية وعديمة التخطيط لاسرائيل. فسيطرتها على معبر رفح واغلاقه مثلا، اضرت في الواقع بدرجة كبيرة بالسكان، وفي نفس الوقت الغت رافعة ضغط مهمة كانت في يد مصر، وهي الخطوة التي استفادت منها قطر.
رافعة الضغط القطرية تعتمد على منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تطورت خلال عشرات السنين بتشجيع من اسرائيل، وعلى أن دولة الامارات استضافت على اراضيها قيادة حماس الخارج. ولكن اذا كانت اسرائيل والولايات المتحدة طلبت في بداية الحرب من قطر تهديد قيادة حماس بالطرد وحتى تنفيذ هذا التهديد، بعد ذلك تبين أنه حتى لو تم تنفيذ تهديد الطرد فان ذلك لن يكون له أي تأثير على قرارات يحيى السنوار أو قرارات من حلوا مكانه في غزة. هم في الاصل تعاملوا مع قيادة حماس الخارج باعتبارها مندوبة ليس لها أي سلطة لاتخاذ القرارات.
بشكل عام، الان ايضا يصعب تقدير ميزان القوة بين خليل الحية، المسؤول عن غزة باعتباره حل مكان السنوار، وعز الدين الحداد قائد الذراع العسكري لكتائب عز الدين القسام في غزة. وزير الدفاع اسرائيل كاتس اطلق في الاسبوع الماضي تهديد بحسبه هما اللذان سيأتي عليهم الدور في التصفية. وسيكون من المهم رؤية من ستختار اسرائيل لاجراء المفاوضات معه حول المخطوفين بعد تصفيتهما. ربما هذا التهديد يشير الى انها قامت بسحب يدها من احتمالية تحريرهم.
في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل مطالبة دول الوساطة باستخدام الضغط على حماس، فان من عرفوا حدودهما هما ستيف ويتكوف وترامب. قرار الرئيس المصادقة على اجراء مفاوضات مباشرة مع حماس هو تحطيم لطابو كان يشكل حجر الاساس في السياسة الامريكية. هذا انجاز سياسي هام لحماس، لكنه بحد ذاته لا يعتبر هدف. فمن جهة حماس، دور الولايات المتحدة هو توفير الضمانات المطلوبة لضمان وقف اطلاق النار وبعد ذلك انهاء الحرب في اطار الاتفاق.
هذا الانجاز الاستراتيجي سيضمن ليس فقط بقاء حماس، بل ايضا مكانتها بصفتها الجهة التي تؤثر على حل “قضية غزة”. حماس تامل أن الضغط السياسي الامريكي سيؤدي الى تقييد الضغط العسكري الاسرائيلي. وربما بالذات هنا تكمن احتمالية تنفيذ خطة ويتكوف، تحقيق تحرير المخطوفين، حيث ان حماس بمساعدة التصرف المشوش لاسرائيل، نجحت في بناء معادلة تقول بان تحرير المخطوفين يرتبط بـ “تحرير” غزة من اسرائيل. هذه، كما يظهر حسب خطة ويتكوف، صيغة تميل الولايات المتحدة للتعايش معها بسلام، بالاساس ازاء الابعاد الكارثية للازمة الانسانية.
في هذا يكمن تناقض اخر صارخ في سياسة الحكومة. ففي بداية الحرب كان هناك من قدروا ان الضغط الانساني الشديد سيجعل السكان يتصادمون مع حماس ويطالبون بابتعادها عن الحكم. ولكن هذا لم يحدث. في الواقع كانت هناك عدة مظاهرات محلية احتجاجية، لكنها لم تتطور الى عصيان مدني شامل ضد حماس. رغم ذلك نفس هذا الادعاء يستمر في تغذية مبرر الضغط الانساني، حتى عندما في نفس الوقت تقول الحكومة بان حماس فقدت سيطرتها في القطاع. واذا لم يكن هذا كاف فان اسرائيل تقول بأن حماس لا تتاثر على الاطلاق من حجم الدمار ومن عدد القتلى الذي سيصل الى 60 ألف شخص تقريبا، من بينهم نساء واطفال وشيوخ. اذا كان الامر هكذا فمن الذي يستهدفه الضغط الانساني للتاثير عليه.
مقابل هذا التناقض فان اسرائيل تقوم بطرح حجة اخرى، تقول بان توزيع المساعدات الانسانية بواسطة صندوق المساعدات الامريكي، يحرم حماس من مصدر دخل هام، وربما رئيسي. ولكن في نفس الوقت هذا المسار بالذات يعفي حماس من الحاجة الى الاهتمام بالسكان. وتفعيل هذا المسار ينقل المسؤولية عن علاج الازمة الانسانية الى اسرائيل والولايات المتحدة.
مهم التأكيد على ان المساعدات الانسانية لا تصل حتى الان الى معظم السكان، ولا حتى الى نصفهم. وحسب بيانات منظمات الاغاثة في غزة فانه امس تم توزيع 18.720 وجبة غذاء، كل وجبة تكفي خمسة اشخاص ونصف بالمتوسط لثلاثة ايام ونصف. من هنا نستنتج أن حوالي 103 آلاف شخص حصلوا على وجبة طعام لثلاثة ايام قادمة.
اضافة الى ذلك لا يوجد أي يقين في ان هؤلاء السكان لن يحصلوا ايضا في الغد على الوجبات، في حين ان السكان الذين لا يمكنهم الوصول الى مراكز توزيع الطعام سيبقون جائعين. ايضا لا توجد أي طريقة لمعرفة ما اذا كانت بعض الرزم تصل الى حماس في طريقها من مراكز التوزيع الى الخيام السكنية، أو ان رجال حماس انفسهم لا يحصلون على الرزم من منظمات الاغاثة، لأنه حسب شهادات بعض السكان في غزة لم يتم القيام باي تسجيل ولم يتم التاكد من هوية من يحصلون على الرزم.
النتيجة هي ان اسرائيل، التي في البداية عارضت بشدة اشراك منظمات المساعدة الدولية، خاصة منظمات الامم المتحدة، في توزيع المساعدات، اضطرت بواسطة منظمة مساعدة تعمل برعايتها، الى استدعاء “الآن” نفس المنظمات التي ترفض التعاون معها. في هذه الاثناء يجب عليها الموافقة على امكانية أن حماس تستفيد ايضا من القناة الانسانية الجديدة.
لكن حتى لو افترضنا ان الامر يتعلق بـ “مناطق استيعاب” لبرنامج ممتاز، كما يصور ذلك المتحدثون باسم المنظمة الانسانية الامريكية، فانه حسب الخطة الاصلية يتوقع ان يستفيد منها 1.25 مليون شخص فقط. في حين أن حوالي مليون شخص سيبقون بدون أي رد. هذه النتيجة ستضمن استمرار تعرض اسرائيل للضغط الدولي، بسبب الازمة الانسانية، كاداة ضغط لتغيير طبيعة وحجم نشاطاتها العسكرية في قطاع غزة.
مهم التذكير بان اسرائيل وافقت على خطة ويتكوف التي تشمل ليس فقط وقف اطلاق النار لستين يوم، بل ايضا ادخال غير محدود تقريبا للمساعدات الانسانية وتوزيعها من قبل منظمات الامم المتحدة. معنى هذا الامر هو ان حماس ستعود للسيطرة على توزيع المساعدات من اجل توفير احتياجاتها، على الاقل في فترة وقف اطلاق النار، مدته بالمناسبة يمكن تمديدها اذا قرر ترامب فرض اجراء المفاوضات على اسرائيل لانهاء الحرب في اطار الضمانات التي سيعطيها لحماس.
حتى لو تمت صياغة ذلك بشكل غامص أو كاعلان رئاسي، إلا انه سيجبر اسرائيل على اجراء المفاوضات مع حماس.