ترجمات عبرية

هآرتس: حكم عسكري لن يحرر المخطوفين وسيجعل الجيش هدفا في متناول اليد للارهاب

هآرتس – تسفي برئيل – 10/8/2025 حكم عسكري لن يحرر المخطوفين وسيجعل الجيش الإسرائيلي هدفا في متناول اليد للارهاب

قرار الكابنت السياسي – الامني أول أمس، المصادقة على احتلال مدينة غزة، وبعد ذلك كل القطاع، يحول تحرير المخطوفين الى هدف هامشي في افضل الحالات، ويؤدي الى الغائه المطلق له في اسوأ الحالات. حتى لو تجاهلنا الطموحات المسيحانية لوزراء اليمين المتطرف، الذين يعملون على “اصلاح خطأ الانفصال” واعادة بناء المستوطنات، فان الافتراض الذي يرتكز اليه خيار الاحتلال هو أن الحكم العسكري سيحل مكان حكم حماس، وهكذا سيحقق الهدف الرئيسي للحرب.

بدلا من ذلك، اذا لم يخرج الاحتلال الى حيز التنفيذ، فان التهديد به يستهدف تشكيل “سلاح يوم القيامة”، الذي سيوضح لحماس بانها يمكن ان تفقد ذخرها الاساسي، السيطرة الجغرافية، ومصادر تمويلها ومكانتها كجسم وحيد يمكنه لي ذراع اسرائيل، وضمان استمرار حكمها وحتى جعل العالم يعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

لكن في هذا التهديد يكمن الغاء فرضية اسرائيلية سابقة تقول بان المخطوفين هم “الذخر الاستراتيجي” لحماس. من هنا، حسب خيار الاحتلال، لم تعد أي حاجة اليهم، ليس بالنسبة لحماس، اذ ان الرهائن لم يعودوا يضمنون بقاءها، وليس بالنسبة لاسرائيل التي تفضل انهيار حماس على اطلاق سراحهم. لذلك، لن تكون حاجة الى التفاوض حول اطلاق سراحهم، الامر الذي سيترتب عليه ثمن سياسي لا تستطيع الحكومة تحمله. 

اذا كان الهدف الوحيد الذي سيبقى في هذه الحرب من الآن فصاعدا هو تدمير سلطة حماس، فان المعنى هو انه لا تكفي “السيطرة على الارض” و”نقل” السكان. قرار الكابنت يوضح انه ستكون حاجة الى احتلال مباشر وكامل، مع كل التداعيات القانونية، الدولية، الاقتصادية والاجتماعية. اسرائيل تملصت حتى الان من المسؤولية القانونية عن ادارة حياة 2 مليون غزي حسب القانون الدولي. وهكذا هي امتنعت عن تعريف (تواجدها) في غزة كاحتلال، ووافقت على توسيع بشكل كبير حجم المساعدات الانسانية، مع استعراض كبير للعجز في ادارة عملية انسانية بشكل معقول بحيث تضمن الحد الادنى من الطعام للسكان وتمنع ظاهرة الجوع الجماعي.

لكن مفهوم “تدمير حماس” لم يحصل حتى الآن على ترجمة عملياتية ووصف مفصل يعرض النتائج المطلوبة منه. متفق عليه ان قيادة حماس الداخل والخارج وكل المنظمة تعرضت لضربة مدمرة، القدرة على السيطرة والقيادة لحماس تضررت بشكل اساسي، المؤسسات المدنية التي كانت تحت ادارتها دمرت بشكل شبه كامل، مصادر تمويلها خفت بشكل كبير، وسرقة المساعدات الانسانية لا يمكن أن تحل مكان شرايين التمويل التي ضخت، برعاية وتشجيع اسرائيل، اموال طائلة خلال سنوات، وحماس استخدمتها للتسلح والتزود وبناء الانفاق وتعزيز صفوفها وصيانة الخدمات المدنية.

الضرائب والرسوم التي قامت حماس بجبايتها من سكان القطاع، التي شكلت الشريحة الاساسية لمداخيلها، تقريبا غير موجودة. ببساطة، لا يوجد للسكان أي مداخيل لدفع الضرائب منها، هم ايضا ليسوا بحاجة التى تصاريح خروج الى مصر أو الضفة الغربية، التي دفعوا مقابلها لحماس رسوم عالية. اذا ايضا لا يوجد تصدير او استيراد، تسيطر عليه حماس. حماس شغلت بشكل مباشر 40 – 50 ألف شخص في الاجهزة العسكرية والمدنية، وعشرات الالاف في الدائرة الثانية والثالثة من المشغلين الذين كسبوا من مشاريع السلطة بصورة غير مباشرة. كثيرون منهم قتلوا أو اصيبوا، والباقون فقدوا في معظمهم مصدر الدخل منذ بداية الحرب. فقد تحولوا من طبقة متوسطة الى جائعين يخاطرون بحياتهم، بل ويقتلون بالمئات وهم يحاولون الحصول على رزم الغذاء.

من غير الواضح ما الذي يجب أن ينهار ويدمر لحماس أو في غزة كي تستطيع اسرائيل وضع اشارة “في” على هذا الهدف. على هذه الخلفية سيكون من الصحيح تعريف “تدمير حماس” كهدف مستقبلي – أي منعها من اعادة بناء قوتها العسكرية وتجديد قواتها وسلطاتها المدنية. 

اسرائيل، التي ترفض السماح للسلطة الفلسطينية باستبدال حماس، وهكذا خلق بديل للحكم في غزة، تنوي تحمل هذه المهمة بواسطة الاحتلال المباشر وأن تكون هي بديل الحكم. يبدو ان هذا يمكن ان يكون عملية ادارية غير معقدة. كل ما تحتاجه هو ان تسحب “ملف احتلال” غزة قبل الانفصال وتزيل عنه الغبار وتطبقه من جديد. ضباط كبار سيتم تعيين كحكام مناطق، وموظفون عامون ستتم “اعارتهم” للحكم العسكري الذي سينشأ، وسيعملون كضباط اركان في المكاتب المدنية، وخزينة الدولة ستمول التشغيل الجاري في القطاع.

لكن هناك فرق كبير بين نظرية الاحتلال في الضفة ونظرية الاحتلالفي القطاع وبين الواقع الذي ينتظر الحكم العسكري الذي سيقام في غزة. في الضفة وفي القطاع كانت توجد بنى تحتية ادارية واقتصادية ناشطة قبل دخول اسرائيل الى المناطق. بلديات، ورؤساء بلديات، ادارت شؤون السكان، مناطق صناعية وزراعية رسخت البنى التحتية الاقتصادية ووفرت اماكن العمل، وعمال من الضفة ومن قطاع غزة عملوا في اسرائيل.

خلال فترة قصيرة تطور التصدير من الضفة ومن غزة الى اسرائيل، الاردن ودول عربية اخرى. المدارس، العيادات، المحاكم، الشرطة وخدمات الرفاه كانت موجودة، ومثلها ايضا منظومات الحكم المحلي في القرى الصغيرة وفي المدن. بعد ذلك استبدلت السلطة الفلسطينية معظم الاجهزة الاسرائيلية في الضفة الغربية، في حين ان حماس منذ 2007 قامت ببناء البنية التحتية لها في قطاع غزة.

الآن ليس فقط “البنية التحتية العسكرية لحماس” مدمرة، تقريبا لم يبق أي شيء من اجهزة الحكم المدني ومؤسساته. حكم عسكري اسرائيلي سيحتاج الى بناء كل شيء من جديد اذا كان ينوي امساك الحبل من الطرفين وتاسيس حكم بديل لحماس بدون السلطة الفلسطينية. لان تعيين الحكام العسكريين ووضع الحواجز وتعيين الزعران ورؤساء العصابات كرجال حراسة لمرافقة قوافل المساعدات وضمان توزيعها على السكان، كل ذلك لن يكون كاف كي تستطيع اسرائيل الوفاء بشروط الحد الادنى من قوانين الاحتلال، بالاحرى، تاسيس بنى تحتية مدنية بديلة. 

في الجيش الاسرائيلي وفي الشباك يجب عليهم تصنيف وتعيين آلاف المعلمين والمعلمات في رياض الاطفال، المهندسين، الاطباء، الممرضين، التقنيين، السائقين وكل المهنيين، من اجل تحريك من جديد البنى التحتية المدنية. هؤلاء لا ينشئونهم من العدم. وكثيرون منهم عملوا في اجهزة حماس. هناك في الحقيقة طبقة من بضعة آلاف الموظفين المسجلين في سجلات القوة البشرية للسلطة الفلسطينية، وحتى انهم حصلوا منها على رواتبهم، لكن كثيرين منهم نسوا منذ فترة طويلة المهارة المهنية. بشكل عام، مجرد اعادة تشغيلهم سيفسر كدخول للسلطة الفلسطينية من البوابة الامامية.

ليس من نافل القول التذكير بان تجربة الاحتلال الامريكي في العراق الفاشلة، الذي فور دخوله الى العراق أمر بتطهير الاجهزة العسكرية والمدنية من رجال حزب البعث، بسرعة اضطر الى التراجع عندما ادرك أن آلاف العاملين، الذين الكثير منهم كانوا مسجلين كاعضاء في حزب البعث لان هذا كان شرط تشغيلهم، لم يكن أي بديل لهم.

الى جانب القضية المعقدة التي تتمثل باقامة حكم عسكري في غزة وتشغيل آلاف جنود الاحتياط في مهمات لوجستية وفي نشاطات الامن الجاري وقوات الشرطة، فان الجيش الاسرائيلي سيضطر الى مواجهة ليس فقط الاحتياجات المدنية لمليوني مواطن تقريبا. امامه سيقف سكان تعرضوا للكارثة الاكثر قسوة في تاريخهم، والمسؤولية عنها تلقى في معظمها على اسرائيل وليس على حماس. هذه هي الارض الخصبة التي ينبت الان عليها الجيل القادم لحركات المقاومة المسلحة والمنظمات الارهابية الفلسطينية. بدون حل سياسي ربما هذا الجيل سيواصل كونه سجين في داخل “المحيط” الذي ستحيط به اسرائيل القطاع، لكنه لن يحتاج بعد الان الى حماس ولن يضطر الى البحث عن اهداف لنفسه وراء الجدار. سيكون الجيش الاسرائيلي والحكم العسكري وكل المتعاونين معهم، قريبون ومتاحون.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى