هآرتس: حصة سموتريتش في تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة
هآرتس 2-3-2024، بقلم: ميراف ارلوزوروف: حصة سموتريتش في تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة
هناك إنجاز واحد، الذي لم يكن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش كما يبدو يريد التفاخر به، وهو أن يكون مؤسس الدولة الفلسطينية المستقلة. فقط هذا ما يبدو أنه سيحدث في اعقاب القرار غير الحكيم لسموتريتش وهو وقف تعويض بنك العمال وبنك ديسكونت بسبب علاقتهما مع النظام المصرفي الفلسطيني. الوزير سموتريتش اعلن مؤخراً بأنه لن يستأنف الحماية التي تعطيها الدولة لهذين البنكين بسبب علاقتهما مع البنوك الفلسطينية، في حين أن هذين البنكين يأخذان المخاطرة الكبيرة في اتهامهما بارتكاب مخالفات في مجال تمويل الارهاب.
الحماية الأولى هي قانونية، الدولة ستدافع عن البنكين أمام الدعاوى ضدهما. الحماية الثانية هي مالية، الدولة ستقوم بتعويضهما اذا خسرا في الدعاوى ضدهما.
يمكن منذ الآن توقع ماذا سيحدث. وزارة المالية ليست هي التي تتعامل بالدفاع القانوني عن البنوك، بل وزارة العدل، هكذا فان تهديد سموتريتش فارغ.
في المقابل، الحماية المالية، التعويض الذي يعطيه المحاسب العام في وزارة المالية للبنكين في حالة دعاوى محتملة ضدهما، بالتأكيد سموتريتش يمكنه وقفه. وزير المالية يمكنه أن يأمر المحاسب العام، الخاضع له، بوقف تعويض البنكين. هل هذا حقا ما سيحدث؟ هذا قصة اخرى. بنك العمال وبنك ديسكونت يتصرفان كبنكين وسيطين أو مراسلين للبنوك الفلسطينية امام المنظومة البنكية في اسرائيل. البنك المراسل هو البنك الذي يربط بين بنوك في الخارج تتعامل بالعملة الاجنبية وبين المنظومة البنكية المحلية. هكذا اذا تسلم السيد ليفي في اسدود شيك من العمة باتي في كليفلاند في الولايات المتحدة، وقام بايداع الشيك في حسابه في فرع اسدود فان البنك هناك سيتوجه الى البنك الرابط (الوسيط) في الولايات المتحدة وسيطلب منه أن يحول الى حسابه الاموال من الحساب البنكي للعمة باتي في كليفلاند. من اجل ذلك يوجد للبنك الإسرائيلي حساب في البنك الوسيط في الولايات المتحدة، الذي يمثل زبونه (البنك الاسرائيلي) أمام جميع البنوك الأميركية، ويضمن بأنه بنك آمن وموثوق. ايضا هو يضمن أن البنك الاسرائيلي يقوم بالفحص والتأكد من أن زبائنه (السيد ليفي) لا يعملون في تبييض الاموال وتمويل الارهاب.
مصلحة استراتيجية عليا لاسرائيل
منظومة المراسلة تقوم على الثقة بين البنوك وعلى خضوع للقواعد الدولية. وهي ايضا تفرض اخطارا كثيرة على البنوك المراسلة. فهي ضامنة لبنوك في دول اجنبية، واحيانا بنوكا في دول مشكوك فيها. منذ أن دخل نظام تبييض الاموال العالمي الذي يفرض على البنوك مسؤولية كبيرة للتأكد من أن الاموال التي تمر فيها ليست اموال ارهاب أو تبييض اموال، فان البنك الذي يخطئ يقوم بدفع غرامات ضخمة والمدراء فيه يكونوا معرضين للتقديم لمحاكمة جنائية. عدد البنوك التي تعمل في هذا المجال في العالم انخفض 25 في المئة.
في إسرائيل ايضا هذا كان يمكن أن يحدث. بنك العمال وبنك ديسكونت هما البنكان الوسيطان للبنوك الفلسطينية في معاملاتها بالشيكل. ولأن الشيكل هو العملة الرسمية في الضفة الغربية فان هذا يعني أن جزءا كبيرا من الاقتصاد الفلسطيني وأي علاقة له مع البنوك في العالم يتم عبر هذين البنكين الاسرائيليين. فقط عندما رفض الفلسطينيون كما هو متوقع رفع قواعد منع تبييض الاموال وتمويل الارهاب عن انفسهم، وضع الأمر بنك العمال وبنك ديسكونت على خط النار في مواجهة دعاوى مالية وجنائية من قبل كل متضرر من الارهاب الفلسطيني في العالم.
منذ العام 2009 بنك العمال وبنك ديسكونت يحاولان وقف نشاطات المراسلة لهما امام البنوك الفلسطينية، في حين أن الدولة تتوسل لهما كي لا يوقفان ذلك. اسرائيل يجب عليها الحفاظ على العلاقة المصرفية امام السلطة الفلسطينية لاسباب حاسمة.
السبب الاول هو العلاقات الخارجية لاسرائيل: الموافقة على علاقة مع المنظومة المصرفية هي جزء من اتفاق اوسلو (اتفاق باريس)، الذي أي خرق له من قبل اسرائيل سيجر عقوبات دولية. اسرائيل ايضا تدرك بأن هذا الخرق من قبلها سيستدعي مطالبة شرعية للفلسطينيين للاعلان عن عملة وطنية خاصة بهم، وهو الطلب الذي يشكل خطوة اولى قبل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة.
السبب الثاني والحاسم هو الأمن: بدون صلة بالمنظومة البنكية في إسرائيل – في الوقت الذي فيه الاقتصاد الفلسطيني يعمل بالشيكل وجزء كبير من المداخيل ينبع من الاتجار مع اسرائيل أو العمل في اسرائيل – الاقتصاد الفلسطيني سينهار.
عمليا، هذا سيحول الضفة الغربية الى غزة بكبسة زر. هذه الخطوة ستدمر الاقتصاد والسلطة الفلسطينية، الامر الذي يخشى جهاز الامن منه. اضافة الى ذلك بدون بنوك فان الاقتصاد الفلسطيني سيعود الى التعامل بالنقد، الذي هو كما هو معروف الوسيلة الاكثر سهولة لتمويل الارهاب. باختصار، هذه مصلحة استراتيجية عليا لاسرائيل، مواصلة المنظومة المصرفية الفلسطينية عملها، لذلك نحن نحتاج الى ربط تراسلي بالمنظومة المالية الاسرائيلية.
تهديد البنكين الاسرائيليين بوقف العمل في هذا المجال فعل فعله. ورد الدولة على ذلك كان مزدوجا. اولا، تقرر تشكيل شركة حكومية، شركة خدمات المراسلة، ستستبدل البنكين. ثانيا، الى حين بدء الشركة الحكومية بالعمل فقد وعدت الدولة البنكين بتعويض مزدوج، قانوني ومالي.
اعلن سموتريتش مؤخرا عن وقف هذا التعويض. جاء هذا الاعلان كرد على تقييد تمويل الارهاب الذي فرضته البنوك الاميركية، في قرار الادارة الاميركية على عدد من المستوطنين المتطرفين، الذي في اعقابه اضطرت البنوك الاسرائيلية، التي تخضع للنظام الدولي الخاص بحظر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الى إغلاق حسابات هؤلاء المستوطنين أيضا في إسرائيل.
الوزير سموتريتش قرر بأن الأمر يتعلق بظلم فظيع، رغم أنه تضرر منه فقط عدد محدود من الاسرائيليين، مقابل آلاف الفلسطينيين الذين يفرض الاميركيون عليهم قيود وفقا للقانون نفسه، وقرر في أنه سيري للأميركيين من أين تتبول الدجاجة.
وزير المالية قرر الإضرار بالبنوك الإسرائيلية ومن خلالها بالبنوك الفلسطينية بواسطة وقف التعويض.
البديل الواقعي
معنى قرار سموتريتش يمكن أن يكون واحدا وهو أن يوقف بنك العمال وبنك ديسكونت العمل كبنوك مراسلة لصالح الفلسطينيين. هذا سيكون له اربعة تأثيرات محتملة.
التأثير الاول، البنوك الدولية ستعتبر المنظومة المصرفية في اسرائيل ذراعا يتعاون مع الحكومة في تدمير السلطة الفلسطينية، والمنظومة المصرفية في اسرائيل يمكن أن تجد نفسها معزولة في العالم. اذا حدث ذلك فان الاقتصاد الاسرائيلي سينهار.
التأثير الثاني، السلطة الفلسطينية ستنهار وسيتفشى الجوع في الضفة الغربية. اذا لم يكن الجوع في غزة كافيا فانه سيضاف اليه الآن الجوع في المناطق.
التأثير الثالث، السلطة الفلسطينية ستعلن بأن اسرائيل قد خرقت اتفاق اوسلو وستطلب من العالم أن يسمح لها باصدار عملة خاصة بها. العالم بالطبع سيؤيد ذلك. أي خيار آخر سيكون بعد أن تفصل اسرائيل الفلسطينيين عن عالم الأموال. هذا سيكون الخطوة الأولى قبل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة. من الآن فصاعدا سيكون سموتريتش هو مؤسس الدولة الفلسطينية.
التأثير الرابع، أي تأثير من التأثيرات الثلاثة لن يحدث لأن الأميركيين سيذهبون الى رئيس سموتريتش، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وسيوضحون له بأن ذلك لن يحدث. نتنياهو سيستمتع برؤية الاميركيين وهم يتوسلون له لمساعدتهم، وبالطبع هو سيتحرك في اللحظة الاخيرة وسيقرر أن التعويضات من الدولة للبنكين الاسرائيليين ستستمر كالعادة. هذا هو البديل الاكثر واقعية.
فقط توجد مشكلة صغيرة وهي أنه من البداية البنكين ينويان وقف نشاطات المراسلة، وهما فقط ينتظران تشغيل الشركة الحكومية التي ستحل مكانهما.
هل يمكن أن يحدث أنه في أعقاب التدخل الأميركي ستبدأ الشركة الحكومية أخيراً في العمل؟ اذا حدث ذلك فان هذا ايضا سيكون إنجازاً لسموتريتش. فبفضله علاقة المراسلة مع البنوك الفلسطينية ستترسخ أخيراً.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook