هآرتس: حركة الاستيطان الجديدة: ارض اسرائيل بدون عرب من النهر الى البحر
هآرتس 4/11/2024، روبيك روزنطال: حركة الاستيطان الجديدة: ارض اسرائيل بدون عرب من النهر الى البحر
مرحلة تلو اخرى يتم تطبيع فكرة الاستيطان في قطاع غزة. في القناة 13 اعلنت موريا اسرف بأن هذه “فكرة مشروعة”، ليمور لفنات لم تصب بالصدمة من الفكرة بل من توقيعها، وذلك في برنامج “منطقة اختيار”، وهو البرنامج الرئيسي للجمهور الليبرالي. نتنياهو اوضح فقط بأنه “في هذه الاثناء هذا الامر غير واقعي”. احداث الاعداد للاستيطان يتم توثيقها في التلفزيون كاحداث مفرحة.
هذه قصة اسرائيلية معروفة: ما كان بالامس “خيالي” وينطوي على كوارث ويعارض المصالح الوطنية، هو الآن “مشروع” وفي الغد “واقعي”. هذا يحدث ايضا لافكار اعادة الحكم العسكري في غزة واعادة احتلال منطقة أمنية في لبنان.
زعماء الاستيطان يختفون وراء المبررات الامنية، مثلما قال وزير المالية سموتريتش. “أينما توجد مستوطنات سيكون جنود، ولذلك سيكون أمن”. هذا بحد ذاته حلم مدهش سيحتاج الى كتائب جنود من اجل ايجاد حلقات دفاع حول المستوطنات المحاصرة والمكشوفة لمليوني انسان في قطاع غزة. ولكن المبرر الامني هو آلية تطبيع اخرى.
ايتمار بن غفير اوضح بأن الاستيطان مقرون بالترحيل، أو ما يسمى باللغة المغسولة “التشجيع على الهجرة”، الذي هو حسب تعريف عمانويل كانت من كريات اربع “الحل الاخلاقي جدا”. ماي غولان تبين أنها مفكرة صهيونية، واوضحت بأن “من حاول الحاق الكارثة بنا يجب أن يتلقى نكبة”، أي ليس “ترانسفير اخلاقي” بل طرد الملايين.
حركة الاستيطان الجديدة ليست على صيغة “دونم آخر ومنطقة عسكرية مغلقة اخرى”. حركة الاستيطان هذه هي حركة “ارض اسرائيل بدون عرب من النهر وحتى البحر”. صورة مرآة لحلم حماس الذي اصاب اتباع اغبياء في ارجاء العالم.
يجب القول بنزاهة، كما يقول الشعار، بأن حلم ارض اسرائيل بدون عرب يرافق الحركة الصهيونية منذ الولادة. هذا بدأ بشعار بريء، “شعب بلا أرض يعود الى ارض بلا شعب”. ارض فارغة تنتظر الطلائعيين من اجل استيطانها واحتلال كل الاراضي القفر وتجفيف المستنقعات. قرى ومدن صغيرة عربية كانت تنتشر في حينه في ارجاء البلاد، لكنها لم تشوش حلم الارض الفارغة. ايضا خطة التقسيم وتقسيم البلاد بعد الحرب في 1948 لم تقتل هذا الحلم. في حرب الايام الستة هرب الكثير من اللاجئين الى الاردن، ووجدوا هناك مخيمات جديدة للاجئين. ثلاث قرى في سهل ايالون تم اخلاءها وتدميرها في الليلة الاولى للحرب. الحلم لم يمت. حزب شرعي في الكنيست طالب بـ “الترانسفير الطوعي”، برئاسة جنرال احتياط، الذي ارثه يمول بالملايين من حكومات مختلفة حتى الآن.
كلما ظهر أن هذا الحلم اقل واقعية يزداد التوق اليه. مرة تلو الاخرى ظهرت فكرة عرض الاموال بسخاء على الفلسطينيين، وهم سيغادرون البلاد بجموعهم. يوسي بيلين قال ذات مرة بأنه من اجل اعلان مغري للهجرة تم تسجيل بضع عشرات. الفلسطينيون يلتصقون بالارض، ما يسمى الصمود، كقيمة اساسية وخيار وحيد. الخيار الوحيد الواقعي لتطبيق حركة “من النهر وحتى البحر” اليهودية هو حلم ماي غولان: نكبة اخرى.
حلم الارض الفارغة خفت كما يبدو كلما مرت السنين وازداد عدد الفلسطينيين. القرى اصبحت مدن وتقريبا مقابل كل يهودي من البحر وحتى النهر يوجد فلسطيني من البحر وحتى النهر. الملايين مقابل الملايين. بالذات في 7 تشرين الاول، الذي فيه كان يجب علينا فهم خطأ الغطرسة وقيود القوة والحماسة التي تشتعل في الطرف الثاني، الحلم يرتفع ويحتل المزيد من الجمهور، واصبح لا يخجل ولا يغلف نفسه بكلمات مغسولة.
من بين الانقاض يندفع الحلم برقصات صاخبة، وينتشر بعيدا اكثر من أتباع عنصرية كهانا. في هذيان الاستيطان في قطاع غزة يوجد شرط ضروري الذي اخرجته الكاهنة من الكوابيس، دانييلا فايس: غزة نقية من العرب. “لو أنه اصبح في غزة 200 ألف فلسطيني بدلا من المليونين، لكان كل شيء بسيط أكثر”، قال سموتريتش، ونحن نستمع ونجري المقابلات ونتناقش بلغة خفيفة ونطبع.
مهمات كثيرة وضعتها لنفسه الحركة الصهيونية طوال الـ 140 سنة من عمرها. الكثير منها تم تحقيقه وحتى بطريقة مؤثرة. مهمة واحدة فشلت وتم ابعادها عن الطاولة، وعندما طرحت نزلت على الفور، وهي مهمة العثور على طريقة للعيش مع الشعب الذي فرض علينا أن نكون شركاء له في نفس قطعة الارض. هم لن يذهبوا الى أي مكان. ونحن لن نذهب الى أي مكان. كثيرون منهم شركاء في صورة المرآة لنفس الحلم: فلسطين من البحر حتى النهر خالية من اليهود.
اذا لم نعرف كيفية التخلص من اصحاب هذه الاحلام الكاذبة، والفهم بأن انهاء النزاع، الآن أكثر من أي وقت مضى، هو المفتاح لمصير دولة اسرائيل والمشروع الصهيوني، فانه لن تقوم لنا قائمة. ليس كشعار كاذب للناسخ الوطني، بل كامكانية وحيدة لاستمرار وجود دولة اسرائيل.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook