هآرتس: حرب لا ترتبط بالنووي
هآرتس 2022-05-25 – بقلم: عاموس هرئيل
بعد الاغتيال في طهران، جاءت التهديدات كما هي العادة. هدد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والمتحدثون بلسان الحرس الثوري، أول من أمس، بالثأر لموت قائد رفيع في الحرس الثوري أطلقت عليه النار في الشارع على يد راكبَي دراجة نارية في العاصمة. بصورة مثيرة للاهتمام، فإنه في تصريحات إيران لم يتم تحميل المسؤولية المباشرة عن الاغتيال لإسرائيل، رغم أن الفرح الكبير الذي استقبلت به الأنباء الواردة من طهران من قبل قنوات التلفزيون في البلاد لا تترك أي مجال كبير للشك.
القتيل الإيراني كان شخصية رفيعة في “قوة القدس” التابعة للحرس الثوري واغتياله يذكر بعمليات سابقة نسبت لإسرائيل، منها اغتيال رئيس البرنامج النووي محسن فخري زادة في 2020 وعلماء كبار آخرين للبرنامج قبل أكثر من عقد. في كانون الثاني 2020 اغتال الأميركيون قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني عند قدومه إلى العراق (في عدد من المنشورات في وسائل الإعلام ادعي لاحقاً أن إسرائيل ساعدت في المعلومات الاستخبارية قبل تنفيذ العملية)، في الخلفية من الجدير التذكير أنه يوجد تصميم من قبل إدارة بايدن، تحت جهود إقناع كبيرة من إسرائيل، للإبقاء على الحرس الثوري في قائمة العقوبات الأميركية. تعتبر الخلافات مع إيران حول هذا الأمر من العقبات الرئيسة أمام التوقيع على الاتفاق النووي الجديد.
لكن ما حدث في طهران، أول من أمس، مرتبط بدرجة أقل بالنووي ومرتبط أكثر، كما يبدو، بالحرب السرية بين إيران وإسرائيل. منذ أكثر من عقد وعلى خلفية الحرب الأهلية في سورية وأحداث الربيع العربي، يتم بذل جهود إيرانية واسعة لتسليح “حزب الله” في لبنان ومليشيات شيعية أخرى في إرجاء الشرق الأوسط. في 2017 غيرت أسلوب عملها وبدأت بإنشاء قواعد خاصة بها في سورية، التي وضعت فيها السلاح ورجال مليشيات ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني.
خربت إسرائيل هذه الخطوات بشكل دائم، بالأساس بوساطة مئات الهجمات الجوية في سورية وفي أماكن أخرى، لكن أيضاً بهذه الطريقة طالت قائمة الحساب المفتوح لإيران التي رد عليها سليماني ورجاله بمحاولات المسّ بأهداف يهودية وإسرائيلية في إرجاء العالم. هذه الخطوات استمرت حتى بعد قيام الأميركيين بإبعاد الجنرال عن الطريق. وخلافاً للعمليات كثيرة القتلى في الأرجنتين في التسعينيات، والعملية ضد إسرائيليين في بلغاريا في 2012، التي نسبت لـ”حزب الله” وإيران، فإن هذه الجهود تحظى هذه المرة حتى الآن بنجاح أقل. جزء منها يبدو مثل عمليات غير ناضجة.
اللكمات المتبادلة ما زالت قائمة، تقريباً دون أي علاقة بوضع المفاوضات حول النووي. وإلى جانب محاولات إيرانية تنفيذ عمليات في الخارج فقد نشر أيضاً عن طائرات هجومية مسيّرة تم إطلاقها نحو إسرائيل من العراق. يبدو أنه لا يوجد هنا أي تغيير في السياسة، بل ربما أكثر تسريع لها من الطرفين. ولا يجب الخلط بين القدرة على تشغيل مغتالين على دراجة (هنا اعتيد إضافة “مثلما في أفلام جيمس بوند”)، وبين الموضوع الثاني المحبب أكثر على وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو خطة مهاجمة المنشآت النووية في إيران. هذه الخطط، كما نشر، تم إخراجها من الأدراج عند أداء حكومة بينيت للقسم، والمطلعون على بواطن الأمور قالوا: إنه تبين أنه تجمع حولها غبار كثير، ربما مع خيوط العنكبوت في الزوايا.
حول شهر الحرب الذي يقوم الجيش الإسرائيلي الآن بالتدرب عليه، تم النشر عن مناورة واسعة لسلاح الجو التي ستحاكي هجوماً جوياً كبيراً في إيران. حول هذا الأمر من الجدير العودة والتذكير بأنه أولاً، أيدي إسرائيل مكبلة فعلياً لأنه في هذه الأثناء ولا أي حكومة في إسرائيل، وحتى حكومة بينيت وحكومة سلفه نتنياهو، مستعدة للمخاطرة في خصومة جوهرية مع الإدارة الأميركية. ثانياً، القدرة على مهاجمة المنشآت النووية تقريباً غير ذات صلة الآن. مشكوك فيه إذا كانت حقيقية في بداية العقد السابق عندما ناقشها بنيامين نتنياهو بشكل متحمس، وهي أيضاً ليست جزءاً من النقاش الآن، بعد سنوات من الإهمال المتعمد. ما ينشغل به الجيش الآن هو استكمال فجوات عملياتية بخصوص الهجوم، وهذه عملية يمكن أن تستغرق سنوات كثيرة.
أعصاب ضعيفة
في غضون ذلك، في المناطق، يمكن أن يكون الخفوت المعين الذي يتم الشعور به في محاولات تنفيذ عمليات في الأسابيع الأخيرة مرتبطاً بهبوط التوتر في الحرم، والخلافات الجديدة حول الحرم يمكن أن تشعل مجدداً النار. في يوم الأحد القادم، يوم القدس، يتم التخطيط لمسيرة أعلام للصهيونية الدينية، التي سيمر المشاركون فيها (بصورة مصادق عليها) عبر الحي الإسلامي. والآن تثور عاصفة حول قرار محكمة الصلح في القدس عدم اعتبار قراءة “اسمع يا إسرائيل” من قبل اليهود في الحرم كمخالفة جنائية، يعتبرها المسلمون خرقاً للوضع الراهن.
تعتبر هذه القرارات بالنسبة للفلسطينيين كدليل على وجود مؤامرة إسرائيلية كبيرة هدفها سيطرة اليهود على الحرم وإبعاد المسلمين عن هذه المنشأة. منذ بداية موجة الإرهاب الحالية في منتصف آذار الماضي، شكلت المواجهات في الحرم الوقود الذي زاد اشتعال النار في القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر. عند انتهاء شهر رمضان كان هناك أمل معين لتهدئة النفوس بسبب تقليص عدد المصلين الذين جاؤوا إلى الحرم. ولكن الأعصاب في القدس ضعيفة جداً، حيث يكفي قرار حكم قضائي من هيئة قضائية متدنية كي يشعل مجدداً النفوس. إذا كان لا يزال هناك شك لدى أي شخص فيبدو أن يوم القدس سيكون متوتراً جداً في هذه السنة.
حتى قبل قرار المحكمة، هدد رئيس “حماس”، إسماعيل هنية، بأن إجراء مسيرة الأعلام، “هراءات يهودية تلمودية”، كما وصفها، يمكن أن يكلف تجدد العنف. شخصيات رفيعة في “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة أشارت إلى ردود مشابهة. مع ذلك، هذه التصريحات قيلت قبل فترة طويلة من المسيرة من أجل السماح للوسطاء المصريين بالتدخل لمنع التصعيد في غزة.
في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية قالوا: إن التوتر في المناطق يمكن أن يستمر لأسابيع، إذا لم يكن لأشهر. مع ذلك، تواصل الاستخبارات العسكرية اعتبار تدخل “حماس”- غزة فيما يحدث ضئيلاً. بالنسبة للاستخبارات العسكرية هذه موجة إرهابية جاءت من الأسفل دون سيطرة تنظيمية، وقيادة “حماس” في القطاع تواصل التحفظ على جولة قتال مع إسرائيل في الوقت الحالي. “الشاباك”، من الجدير الإشارة، متشائم أكثر بقليل. فهم في الجهاز قلقون من النشاطات المحمومة لقيادة “حماس” في الخارج لتجنيد وتمويل خلايا إرهابية في الضفة، ويلاحظون في الواقع الحالي إمكانية كامنة لتصعيد أوسع.