هآرتس: حرب غزة: إسرائيل تستخدم الضباب السياسي

هآرتس 2023-10-30، بقلم: عاموس هرئيل: حرب غزة: إسرائيل تستخدم الضباب السياسي
دخلت قوات الجيش الإسرائيلي أراضي القطاع، يوم الجمعة الماضي، تحت ضباب كثيف. اتسعت هذه الظاهرة المناخية استمرارا للسياسات أيضا عندما تبددت الغيوم في صباح اليوم التالي. لا تعطي إسرائيل أي تفاصيل حول حجم القوات البرية التي دخلت إلى قطاع غزة وما هو هدفها. رسميا قيل فقط إنه تم توسيع العملية البرية. رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان أعلنوا بأن الأمر يتعلق بمرحلة جديدة في الحرب، وأنها ستكون طويلة.
دخول القوات إلى شمال القطاع تم استمرارا لعدد من الاقتحامات المحددة والمحدودة جداً في الأيام الأخيرة. فهو يعكس أولاً وقبل كل شيء خيبة أمل إسرائيل من الاتصالات حول صفقة لإطلاق سراح المخطوفين التي تحاول قطر بلورتها. هناك تناقض بين الهدفين العلنيين للحرب – تدمير سلطة “حماس” في قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع المخطوفين الإسرائيليين. منذ اللحظة التي تستخدم فيها إسرائيل قوات برية في القطاع فإن الاحتكاك العسكري في غزة سيزداد. في مثل هذه الظروف إذا لم يتم تحقيق اختراقة سريعة في المفاوضات فسيكون من الأصعب التوصل إلى صفقة. هناك أيضا قلق كبير ومتزايد على حياة المخطوفين، رغم أنه من المرجح أن تكون لدى “حماس” مصلحة كبيرة في الحفاظ عليهم كورقة ضغط لصفقة يمكن أن تسهل عليها في المستقبل.
خلال الأسبوع الماضي، نشرت تقارير متفائلة، استندت بالأساس إلى القطريين، وكأنه يتم طبخ صفقة كبيرة لإطلاق سراح المخطوفين. ولكن يوم الجمعة، تبلور في إسرائيل الإدراك بأنه لا يوجد أي أساس لهذا التفاؤل، وأن “حماس” بالإجمال تلعب على الوقت رغم أن إسرائيل أظهرت الاستعداد لإظهار مرونة كبيرة في هذه الاتصالات.
ظهرت قيادة “حماس” ثملة بالقوة بعد إنجازات الهجوم القاتل والمفاجئ في 7 تشرين الأول، وتولد الانطباع بأنه لا توجد لها أي مصلحة حقيقية في إطلاق سراح المخطوفين مقابل السجناء والتسهيلات الإنسانية في الوقت الحالي. حسب هذه المقاربة فإن “حماس” تحاول فقط تأجيل موعد العملية البرية. من هنا ينبع قرار العمل، الذي هو أيضا يعطي إشارة لـ”حماس” بأن إسرائيل مستعدة لاستخدام حجم متزايد من قواتها في القطاع.
هذا تطور يفطر القلب بالنسبة لعائلات 229 مخطوفا وأصدقائهم. معظم العائلات حتى الآن لم ترفع القفازات، ولا تجري نقاشات علنية مع الحكومة، رغم الانتقاد الشديد للكثير من أبناء عائلاتهم للفشل الذي حدث عند اندلاع الحرب وحول السلوك منذ ذلك الحين.
بعد أن قامت إسرائيل بزيادة القصف أعلن المتحدث بلسان “حماس” في القطاع، الذي يسمي نفسه أبو عبيدة، بأن “حماس” مستعدة للعودة إلى المفاوضات والتوصل إلى صفقة سريعة لإطلاق سراح معظم المخطوفين مقابل آلاف السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هذه أفكار تجري حولها المفاوضات في الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ بداية الحرب. ربما أنه بعد التصلب الذي أظهرته “حماس”، الأسبوع الأخير، فإن استخدام القوة الإسرائيلية سيجبرها على إعادة التفكير، لكن من الأفضل ألا ننجر وراء تنبؤات قاطعة جدا. يظهر هذا مثل المفاوضات المعقدة جدا التي أجرتها إسرائيل في مثل هذه القضية وفي ظل ظروف ضغط صعبة.
في مفترقات الطرق على طول شوارع البلاد، أصبح من الممكن رؤية لافتات كتبت، وتم تعليقها بشكل متسرع، تطالب بالتحرير الفوري للمخطوفين. لم تساهم الشرطة في الهدوء. وقد نشرت، مساء أول من أمس، إعلانا غريبا يقول، إنها لا تنوي السماح بإجراء تظاهرات على خلفية سياسية أثناء الحرب – فقط في صباح اليوم التالي تراجعت عن ذلك. تطرق الإعلان الأصلي إلى حظر إجراء التظاهرات أمام منزل رئيس الحكومة في قيساريا، لكن يبدو أن الأمر يتعلق بعملية أوسع. وليس بالصدفة أن يزداد تشكك الكثيرين من المعارضين للحكومة بأن حالة حرب بدون نهاية ستخدم نتنياهو في صراعه على البقاء.
مساء أول من أمس، التقى نتنياهو للمرة الثانية عائلات بعض المخطوفين في لقاء تم تحديده بشكل مستعجل بعد أن اعلن وزير الدفاع، يوآف غالانت، نيته فعل ذلك بناء على طلب من العائلات. بعد فترة قصيرة سجل تقدم عندما عقد رئيس الحكومة مؤتمرا صحافيا ورد على الأسئلة. أيضا في هذه المرة تملص من الاعتراف بمسؤوليته عن “الفشل الفظيع” حسب تعريفه. وبخصوص جهود إطلاق سراح المخطوفين يمكن القول بحذر، إنه تجري الآن جهود بصورة مهنية جدا، بفضل دمج جميع أذرع الاستخبارات ونقل جزء كبير من الصلاحيات إلى ممثل الجيش الإسرائيلي، الجنرال (احتياط) نيتسان الون. يركز غضب العائلات على غال هيرش، عضو “الليكود” المقرب من نتنياهو، في الحقيقة، لكن إسهامه وأهميته الفعلية للخطوات الحقيقية تظهر الآن محدودة جدا.
عدم التواصل
حسب التقارير الضئيلة من الطرف الفلسطيني فإن قوات الجيش الإسرائيلي تعمل الآن بالأساس على مداخل المناطق الزراعية والحضرية في الطرف الشمالي للقطاع. هذه مناطق غادرها معظم السكان عند بدء الحرب. ويستمر أيضا انتقال مئات آلاف اللاجئين نحو المناطق التي تقع في جنوب وادي غزة، طبقا لإملاءات إسرائيل. دخول القوات البرية رافقته هجمات جوية كثيفة جدا ضد أهداف “حماس”، التي استهدفت المساعدة في الدفاع عن القوات التي تعمل في القطاع.
رافقت ذلك جهود مركزة للمس بقادة “حماس” التنفيذيين. في اليوم السابق، قتل قائد القوة الجوية في “حماس” وقائد القوة البحرية في مدينة غزة وقائد كتيبة. ولكن قيادة “حماس” تقريبا لم يتم المس بها حتى الآن. الضبابية حول ما يحدث في القطاع أصبحت اكثر سمكاً، لأنه حسب أقوال الفلسطينيين قطعت إسرائيل بشكل شبه كامل شبكة الإنترنت والاتصالات بالهواتف المحمولة في القطاع، إلى جانب المس الشديد بتزويد الكهرباء. النتيجة هي فوضى مطلقة من ناحية سكان القطاع، الذين لا تتواصل سلطة “حماس” تقريبا معهم.
مساء أول من أمس، أعلن الملياردير الون ماسك، الذي يمتلك ضمن أمور أخرى شركة أقمار صناعية للاتصالات والستار لينك، بأنه سيفحص ربط منظمات دولية في القطاع مجددا بشبكة الإنترنت، مثلما فعل لصالح أوكرانيا في الحرب مع روسيا. يقوم ماسك منذ سنوات بمغازلة العنصرية واللاسامية. ويتبين أن اللقاء الذي تم بثه في وسائل الإعلام مع الزوجين نتنياهو، الشهر الماضي، لم يترك لديه الانطباع المأمول.
الفوضى وقطع الاتصالات في القطاع ترافقها معاناة إنسانية شديدة، لكنهم في جهاز الأمن في إسرائيل يقولون، إنه لا مناص من ذلك. لأن “حماس” وضعت بشكل متعمد قياداتها وممتلكاتها العسكرية داخل السكان المدنيين. عرض الجيش في نهاية الأسبوع تفاصيل عن الاستخدام العسكري الذي تقوم به “حماس” في الأنفاق والقاعات التي توجد تحت مستشفى الشفاء في غزة، أكبر المستشفيات في القطاع. وما لم يتم ذكره هناك هو أن الملجأ الأصلي للمستشفى تم بناؤه تحت الأرض في السبعينيات على يد الحكم العسكري الإسرائيلي. مستشفى الشفاء ليس الحالة الوحيدة. فهكذا تتصرف “حماس” أيضا مع كل مستشفيات القطاع من خلال استخدام متعمد للمدنيين دروعا بشرية.
في الاتصالات عبر قطر، أكدت “حماس” على طلبها إرسال الوقود إلى القطاع. فهذه حاجة ماسة بالنسبة لها، لأنه بدون الوقود لن يكون بالإمكان ضمان الأضواء والتكييف تحت الأرض لفترة طويلة. مع ذلك أكد رجال استخبارات من الغرب لصحيفة “نيويورك تايمز” ادعاء إسرائيل بأن “حماس” خزنت الكثير من الوقود والمواد الغذائية قبل الحرب. إضافة إلى تصعيد القتال فإن إسرائيل مستعدة للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية مثل الغذاء والأدوية والمياه عن طريق الشاحنات التي ستأتي من مصر إلى جنوب القطاع، بعد فحص أمني من قبل الجيش الإسرائيلي.
من المهم الانتباه أيضا إلى ما يحدث في ساحة أخرى. ففي الضفة الغربية، إلى جانب مواجهات كثيرة بين قوات الأمن الفلسطينيين، يستمر الهيجان المتعمد لمستوطنين متطرفين. فأول من أمس، أطلق مستوطن النار على فلسطيني وقتله أثناء قطف الزيتون في قرية الساوية قرب نابلس. هناك محاولات لسكان البؤر الاستيطانية لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وفرض الرعب في القرى المجاورة. رد السلطات ضعيف جدا، وفي ظل الحرب في غزة فإنه يتم صب الزيت على النار. وليس بالصدفة أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، عاد وحذر في خطاباته من الأخطار التي ينطوي عليها ذلك.
رسالة رادعة
في القسم الصغير من الأنباء الجيدة يمكن التبشير بأن حاملة الطائرات الأميركية الثانية، دويت أيزنهاور، اجتازت، أول من أمس، مضيق جبل طارق نحو الشرق، وستصل إلى شرق البحر المتوسط، اليوم الاثنين. ويبدو أنها ستستمر من هناك نحو الخليج الفارسي. الأميركيون سينشرون بذلك في المنطقة، من اجل استباق أي احتمالية، حاملات طائرات ونحو 200 طائرة قتالية و20 سفينة أخرى ومنظومات دفاع كثيرة ضد الصواريخ والطائرات المسيرة.
الحاجة إلى التواجد الأميركي تم تأكيدها أيضا في نهاية الأسبوع الماضي بعد هجوم ثان على الأقل من قبل الحوثيين في اليمن على منطقة إيلات. في هذه المرة، تفجرت مسيرة فوق مدينة طابا في الطرف المصري وأصيب ستة أشخاص. هاجم الأميركيون، فجر أول من أمس، قاعدة للحرس الثوري الإيراني في شرق سورية ردا على الهجمات التي نفذوها على القواعد الأميركية التي توجد في سورية والعراق.
تقوم الولايات المتحدة بإرسال التحذيرات اليومية لإيران و”حزب الله” والميليشيات الشيعية التي تشغلها طهران، كي لا تتدخل في الحرب بين إسرائيل و”حماس”. مع ذلك، من الواضح أنه كلما اتسعت العملية البرية الإسرائيلية في القطاع فإنه يزداد الضغط على “حزب الله” للقيام بدوره ورفع وتيرة هجماته على الحدود اللبنانية لمساعدة الفلسطينيين. زيادة قوات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع لبنان، إلى جانب الأفعال والتصريحات الأميركية، هي جزء من محاولة ردع “حزب الله” عن الدخول الكامل إلى صورة الحرب.