هآرتس: ثمن باهظ للخطوة البرية وأوراق نتنياهو التي التهمتها الحرب

هآرتس ١٧-١٢-٢٠٢٣، عاموس هرئيل: ثمن باهظ للخطوة البرية وأوراق نتنياهو التي التهمتها الحرب
الحرب هذا الأسبوع في قطاع غزة جرت في ظل حادثة صعبة – الكمين الذي قتل فيه 9 ضباط وجنود من لواء غولاني ووحدة الإنقاذ 669 في الشجاعية في يوم الثلاثاء الماضي. قبل نهاية الأسبوع العاشر على القتال، يتضح بالتدريج أيضا ثمن العملية البرية. “حماس” لا تنجح في وقف تقدم القوات في شمال القطاع، لكن في الأماكن التي تعمل فيها بشكل منظم وتستطيع القيام بمبادرات هجومية معينة فإنه ما زال يمكنها إلحاق الإصابات.
سيطرة عملية للجيش الإسرائيلي على مناطق لا تعني تطهيرها من المقاومة. أيضا في شمال القطاع حيث هناك يجري قتال منذ نهاية تشرين الأول، لم يتم استكمال السيطرة، وبالتأكيد لا يوجد تطهير كامل.
في شمال القطاع وفي العملية المركزة في خان يونس على مستوى الفرقة، استمرت الجهود لتمشيط الأحياء بحثا عن المزيد من فتحات الأنفاق، والسلاح ومنصات الإطلاق. لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي حتى الآن أي اختراع كي يدمر كل شبكة الأنفاق على رؤوس المخربين الذين يختبئون فيها أو أن يستسلموا بسرعة بما في ذلك كبار قادة “حماس”. في الشجاعية وفي جباليا، بؤرتا المقاومة لـ”حماس” في الشمال، الجيش يأمل تعزيز سيطرته هناك في الأيام القريبة القادمة، حتى بعد ذلك ستبقى تشكل خطرا.
مثلما في السابق، النجاح العملياتي لـ”حماس” في الشجاعية سيؤدي إلى تصميم إسرائيل على هزيمة كتيبة “حماس” هناك. النتيجة المرافقة ستكون تدميرا كبيرا للبيوت بعد أن تسبب احد المباني الذي لم يتم تفجيره قبل التمشيط إلى سقوط قوة فرعية في غولاني في كمين. على الأغلب الجيش الإسرائيلي يقوم بعملية قصف من الجو وبالمدفعية بشكل خاص لكل هدف جديد للعملية البرية، تسمى معامل الانكسار. هذا يحتاج إلى غلاف قوي من سلاح الجو الذي يرافق القوات عن قرب ويقوم بقصف أي خطر محتمل حولها.
الحرب الحالية تجبي من “غولاني” بشكل خاص ثمنا باهظا، حتى، أمس، تم إحصاء 83 قتيلا من اللواء، 70 منهم في الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول، الذي فيه تمت مفاجأة قوات كتيبتين من “غولاني” على خط المواجهة. هذا العدد من الجنود يساوي فصيلا كاملا. ومن اجل المقارنة فإن هذا ثلثا خسائر “غولاني” في حرب يوم الغفران، التي فيها حارب اللواء في جبل الشيخ وفي هضبة الجولان. خسائر الجيش الإسرائيلي في القطاع، بالطبع، أقل بكثير نسبيا من خسائره في يوم الغفران.
“غولاني” تكبد قتلى بشكل غير متناسب لأن الكتائب كانت في فرقة غزة عندما بدأ الهجوم. وحتى الآن لا يوجد للقدامى في “غولاني” أي شك بأن اللواء سيستمر في القتال في غزة بحزم، وأن الدافعية للوصول إلى صفوفه في أوساط الجنود ستستمر في الارتفاع فقط على خلفية الحرب والخسائر.
من بين قتلى الحادثة في الشجاعية العقيد اسحق بن بيشد، وهو من مركز قيادة قائد اللواء، والمقدم تومر غرينبرغ، قائد الكتيبة 13. أمس، أصيب إصابة طفيفة قائد الكتيبة 12 في اللواء في حادثة أخرى. هذه ليست المرة الأولى في القتال في الشجاعية التي يصاب فيها ضباط كبار من “غولاني”. في عملية “الجرف الصامد” أصيب إصابة بالغة في المعارك ثلاثة من قادة الكتائب في اللواء، قائد كتيبة الدورية روعي ليفي وقائد اغوز يونتان روم وقائد كتيبة 12 شاي سيمان طوف، الذي بقي على كرسي متحرك حتى الآن. بن بيشد تم استدعاؤه في حينه لاستبدال ليفي المصاب كقائد للكتيبة. في الحرب الحالية، الاثنان سقطا. العقيد ليفي، قائد الوحدة متعددة الأبعاد، قتل في اليوم الأول من القتال في المعركة في كيبوتس “ريعيم”.
المنطقة المأهولة تتسبب بثلاثة أمور ثابتة للقوات المهاجمة. أي عملية برية في منطقة مكتظة تحتاج إلى قوة بشرية اكثر مما يتم الاعتقاد في البداية والى فترة أطول وتستهلك سلاحا اكثر. حتى بعد احتلال المنطقة يبقى هناك خطر المهاجمة من الخلف من قبل قوات العصابات التي تكون مختبئة أثناء الهجوم. هذا ينطبق بشكل خاص على القطاع حيث “حماس” تحتفظ بسيطرة نسبية في المدينة تحت الأرض، في الوقت الذي تعمل فيه قوات الجيش الإسرائيلي فوق الأرض.
من يتحدث بمفاهيم التطهير الشامل لمنطقة فإنه ببساطة يضلل الجمهور، ومثله أيضا بعض المحللين في الاستوديوهات الذين يعلنون من أسبوع عن انهيار مؤكد لـ”حماس”. بشكل عام، من الأفضل أن يعرضوا في وسائل الإعلام على الجمهور تحليلات متزنة عما يحدث، بدلا من العمل كضباط من اجل رفع معنويات الشعب والجنود. حتى الآن لا يمكن استبعاد السيناريو الذي سيستمر فيه الجيش الإسرائيلي في ضرب “حماس”، في الوقت الذي تركز فيه “حماس” على بقائها – وتحقق ذلك. “حماس” تعول على سحب إسرائيل لقواتها بشكل وشيك بناء على ضغط من أميركا، الذي بعده ستحاول “حماس” عرض صورة انتصار رغم الدمار الكبير في القطاع وقتل آلاف من رجالها.
المعركة الرئيسة القادمة للحرب ستتركز على خان يونس حيث هناك تعمل الفرقة 98 منذ أسبوع. في الجيش الإسرائيلي يفترضون أنه يتركز هناك إلى جانب الكتائب الخمسة لـ”حماس” بعض كبار قادة “حماس” وعدد من المخطوفين. الفرقة عملت بسرعة نسبية وسيطرت على شمال المدينة ومحيطها، معظم رجال “حماس” انسحبوا مع السكان إلى جنوب المدينة، وبعضهم هربوا نحو الجنوب، إلى منطقة رفح. يوجد لـ”حماس” أماكن تقل بالتدريج من اجل الانسحاب إليها، لذلك يتوقع أن يكون هناك قتال اكثر شدة مع استغلال شبكة متشعبة وعميقة للأنفاق.
في نفس الوقت، يزداد الخوف على حياة المخطوفين. فـ”حماس” تقوم باحتجاز 135 مدنيا وجنديا، والجيش الإسرائيلي اعلن في السابق عن موت 20 منهم، استنادا إلى معلومات استخبارية واحيانا إلى دلائل للطب الشرعي. يمكن الافتراض، بحزن، أن المزيد من المخطوفين لم يعودوا أحياء أو يمكن أن يموتوا في الأسر قريبا.
لقد تولد الانطباع بأن القيادة في إسرائيل تأخذ الزمن الذي ليس لها فيما يتعلق بالدفع قدما بصفقة أخرى لتبادل المخطوفين. في الأيام الأخيرة جاء أن “الكابنيت” لم يصادق على سفر رئيس “الموساد”، دادي برنياع، إلى قطر من اجل استئناف المحادثات، وفي الوقت نفسه ظهرت مبادرة وساطة جديدة من قبل مصر. يبدو أن رئيس الحكومة نتنياهو يخشى من الدفع قدما بعملية، التي في نهايتها ستوضع على الطاولة احتمالية لإطلاق سراح الجميع مقابل الجميع، أي إطلاق سراح حوالى 6 آلاف سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية. أيضا الجيش يخشى من أن يقوموا بوقفه مرة أخرى في منتصف العملية البرية.
التركيز على خان يونس يطرح مرة أخرى تقديرات حول مصير رئيس “حماس” يحيى السنوار الذي ولد في مخيم اللاجئين في هذه المدينة. إسرائيل لا تخفي أن جزءا من أهداف العملية هو العثور على السنوار وقادة كبار آخرين وقتلهم. في مقال مطول نشر هذا الأسبوع في “وول ستريت جورنال” عن شخصية، تم وصف السنوار الذي تحرر من السجن الإسرائيلي في صفقة شاليت في 2011 بأنه شخص يستحوذ عليه بشكل مرضي أمران. الأول، اكتشاف وقتل المشبوهين بالتعاون مع إسرائيل. الثاني، إطلاق سراح أصدقائه من السجن. وقد استمر في العمل عليهما بشكل حثيث في السنوات التي أعقبت إطلاق سراحه.
إضافة إلى انشغال إسرائيل بالخطوات العملياتية، من احتلال الشجاعية وحتى تصفية الحساب مع السنوار، يستمر الرفض الجارف لنتنياهو لمناقشة سيناريو النهاية السياسية المرغوبة في القطاع، ناهيك عن إشراك السلطة الفلسطينية في الحل، كما تطلب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. طاقم “اليوم التالي” الذي قام بتعيينه نتنياهو لا يستهدف تقديم الحلول، بل كسب الوقت. عمليا، حتى لو نجحت العملية العسكرية فإن سلوك نتنياهو السياسي يمكن أن يفشل استخدام إنجازاته لخلق واقع استراتيجي افضل.
في المكان الذي لا يوجد فيه سياسيون، يبدو أن رئيس الأركان هرتسي هليفي يتعين عليه أن يكون سياسيا. الآن، لا يوجد لديه الكثير مما يخسره. الفشل العسكري سجل على اسمه في 7 تشرين الأول. منذ ذلك الحين، قاد الجيش بصورة مثيرة للانطباع إلى الاستيقاظ والهجوم، لكن يجب ألا تكون لديه أوهام حول مستقبله. وبخصوص نية نتنياهو إلقاء كل المسؤولية عن الكارثة على الجيش و”الشاباك” بعد انتهاء هذه المرحلة من الحرب.
يخلع هرتسي هليفي بالتدريج القفازات. فقد نشر في السابق بأنه قام بانتقاد الوزيرة ميري ريغيف: “أنا اعرف أنك أنهيت التحقيقات التي لم نبدأ نحن بها بعد”، قال لها بعد أن حاولت مهاجمته في إحدى الجلسات. لكن يبدو أنه قد حان الوقت لأن يطلب رئيس الأركان، بشكل علني، بلورة استراتيجية للقطاع والتوضيح للجمهور بأن المستوى السياسي هو الذي يعيق أي نقاش حول هذا الشأن. وبذلك هو يصعب على تحقيق أهداف الحرب. في إسرائيل، مصدر رفيع في جهاز الأمن قال للصحيفة: “في إسرائيل يريدون قول لا لأي طلب خارجي ويعتقدون أن كل العالم يعمل لدينا ويؤمنون بأنه يمكننا الحفاظ بشكل معين على الشرعية الدولية لاستمرار القتال في غزة. هذه الأمور لا تعمل معا”.
نظريا، من المفاجأة الفظيعة في بداية الحرب يمكن أن تتطور في نهايتها (شريطة أن ينجح الجيش الإسرائيلي في العمليات على الأرض) فرصة سياسية نادرة. ربما يكون لدينا هنا وضع جديد يتم فيه تحقيق التزام إقليمي جديد واكبر لمعالجة مشكلة غزة والتعامل مع النزاع مع الفلسطينيين وربط ذلك بالتطبيع مع السعودية وتحسين العلاقات مع دول عربية معتدلة أخرى التي تخاف من ايران ومن الإخوان المسلمين، ومعنية بتقوية التحالف مع الولايات المتحدة. أيضا في هذا الشأن نتنياهو يريد التسهيلات (السلام السعودي) دون دفع الثمن (التقدم نحو الدولة الفلسطينية). ولكن ربما أن المذبحة في 7 تشرين الأول التهمت الأوراق السياسية من ناحيته.