هآرتس: توصية ايسمان بعدم التحقيق مع نواب محرضين سنلتقيها في لاهاي
هآرتس 20/8/2024، مردخاي كرمنتسر: توصية ايسمان بعدم التحقيق مع نواب محرضين سنلتقيها في لاهاي
توصية المدعي العام، عميت ايسمان، بعدم التحقيق مع وزراء واعضاء كنيست، الذين دعوا الى المس بالمدنيين في غزة، هي توصية غريبة جدا، سواء من ناحية قيمية أو نفعية. مبررات التوصية، كما نشرت، لا يمكنها الصمود. فالوقت الطويل الذي مضى على قولها، ينبع من قرار النيابة العامة، التي كان يمكنها الأمر بفتح تحقيق في خضم المعارك في بداية الحرب. وحقيقة أنها لم تفعل ذلك في حينه، هي الآن مبرر غريب وغير مقنع لعدم اجراء التحقيق. هنا تتشكل سمة مدمرة لعدم انفاذ القانون، وهذا يكفي كي تكون النيابة العامة متقاعسة في منع انفاذه.
الحديث يدور عن تحقيق من التحقيقات البسيطة جدا، التأكد من نسب الاقوال الى من يقولونها، وفحص التصريحات على خلفية ظروف اصدارها، واخذ الشهادات بعد التحذير من المتحدث. عدم القيام بذلك يثبت الى أي درجة يدور الحديث هنا عن تقاعس كبير.
ايام “فورة الدم” لا تبرر تجنب اجراء التحقيق، على اكثر تقدير هي ظروف مخففة في تحديد العقوبة على عدم فتح تحقيق في الوقت الحقيقي. في القانون الجنائي من يكون في حالة عاصفة احاسيس قد قتل شخص قام بالمس به، فانه يمكن في ظروف معينة عدم ادانته بالقتل المتعمد، لكنه ما زالت تنتظره عشرين سنة سجن. هل ظروف “فورة الدم” ستمنع ايضا التحقيق مع الجنود الذين قتلوا مدنيين. يتوقع من القيادة أن تتمكن من كبح جماح الاحاسيس، والعمل بتروي حتى في وقت عاصفة الاحاسيس. عندما يطلب رؤساء الدولة المس بالمدنيين فانه من الواضح أن هذا الامر يؤثر فورا على الجنود في الميدان الذين يوجدون في حالة عاصفة احاسيس دائمة ومفهومة. القيادة بحاجة الى غريزة الانتقام، لكن يجب عليها أن لا تشجعها. يجب عليها التأكيد على التمييز بين المخربين والمدنيين، ومنع المس بالمدنيين. حقيقة أنه تم فعل العكس تماما، تحول التحريض الى أمر خطير بشكل خاص، بسبب قوة التأثير، سواء من ناحية الجهة المحرضة أو من ناحية الظروف الزمنية والخلفية. الحديث هنا يدور عن حالات خطيرة بشكل خاص من التحريض على القتل، وربما ايضا على الابادة الجماعية، التي تعتبر جريمة بشكل خاص، والتي حسب القانون في اسرائيل حكمها هو الموت.
الافتراض بأن الجنود ينفذون فقط الاوامر المباشرة والصريحة، ولذلك فان اقوال السياسيين ليس لها تأثير، هو افتراض غير صحيح. الجندي هو مثل أي انسان، يتأثر بالمناخ المحيط به. تأثير الرسائل التي يحصل عليها يمكن أن يجعله يتجاوز الاوامر التي حصل عليها. تراكم اقوال السياسيين الى جانب تصريحات مشابهة تم اسماعها بوتيرة عالية في وسائل الاعلام، خلقت الاجواء لهدر دماء الغزيين المدنيين. يجب عدم اعفاء السياسيين الذين تحدثوا بهذا الشكل من المسؤولية. فهم شجرة الأرز واقوالهم هي اللهيب والجنود هم الطحالب التي توجد على الجدار. يبدو أن الامور انقلبت عندنا. فكلما صعدنا على سلم الاهمية فان المسؤولية المطلوبة تنخفض. كيف يمكن تبرير توصية المدعي العام في هذا التوقيت، حيث التحقيقات في القتل غير المبرر للمدنيين لم يتم استنفادها؟، لا سيما أنه لم يتم أبدا فحص تأثير الاقوال على الافعال.
في لائحة الادعاء التي قدمتها جنوب افريقيا ضد اسرائيل لمحكمة العدل الدولية، فان التحريض على الابادة الجماعية يمكن أن يحتل مكان حاسم. توصية المدعي العام تعزز بدرجة معينة هذا الجزء في الدعوى لأنها تدل على أنه في اسرائيل يوجد مشرعين يدعون الى قتل المدنيين. هنا لا تستطيع اسرائيل أن تستند الى مبدأ “الحوكمة”، لأنها تعلن على رؤوس الاشهاد بأنها لا تنوي التحقيق في هذا الامر على الاطلاق. وحتى لو قررت المستشارة القانونية للحكومة عدم قبول توصية المدعي العام في الدولة فان منظومة انفاذ القانون لدينا ستبقى ملوثة بمجرد عرض هذه التوصية. ايضا من يريدون مصلحتنا سيسألون أنفسهم الآن: هل يمكن الاعتماد على منظومة انفاذ للقانون التي هكذا يعمل فيها رقم 2 من حيث الاهمية فيها.
بشكل خاص يصعب تجاهل الفجوة بين هذه التوصية وبين طريقة التعامل مع الفلسطينيين المشبوهين بالتحريض على الارهاب بعد 7 تشرين الاول. منذ الكارثة بدأت النيابة العامة في حملة متشددة وغير متسامحة لانفاذ القانون ضد اشخاص قاموا بنشر في الشبكات الاجتماعية تصريحات متطرفة، التي في معظمها، وربما جميعها، تبين أن من نشروها مجهولين مع مشاهدة محدودة وتأثير قليل. في حالات كثيرة لم يتم العثور على أي صلة حقيقية بين مضمون الاقوال وتعريف التحريض كمخالفة بحسب القانون. هل غاب عن النيابة العامة التمييز الحاسم بين الاسماك الصغيرة واسماك القرش؟ أو أن المدعي العام ينسب نفسه لمدرسة بن غفير، الذي بالنسبة له لا يوجد ولا يمكن أن يوجد ارهاب يهودي (لكن لا توجد حدود لما يعتبر تحريض على الارهاب عندما يكون المشتبه فيه فلسطيني). الحديث يدور عن انفاذ قانون انتقائي بالمعنى الاسوأ لهذا المفهوم.
لا يمكن تجنب الشعور بأن توصية المدعي العام لم تكن لتأت لو أنه وجد لدى الاسرائيليين نوع من الاتفاق على أن جميع السكان في غزة هم مخربون. هذا انتصار مخيف لليمين المتطرف المسيحاني على اسرائيل التي تريد الحفاظ على الصورة الانسانية، حتى امام العدو المتوحش.
وجود هذه المسلمة ساهمت فيه فظائع اعمال المخربين والجمهور الذي جاء من غزة في اعقابهم في 7 تشرين الاول. الحديث يدور عن عملية أطول بكثير ولدت مع الاحتلال وتم تعزيزها بسياسة تخليده مع الانكار المطلق لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتحويل حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الى مشاع، مع اعطاء الصلاحيات والسلطة لمن يفعل ذلك. في واقع الاحتلال الذي لا توجد له نهاية يتم تطبيع مكانة الواقع تحت الاحتلال، كشخص دون وليست له حقوق ويمكن التأثير على مصيره، نهاية التطبيع تصادر ايضا قدسية حياة من اعتبر شخص دون. يجب الأمل بأن المستشارة القانونية للحكومة سترفض توصية المدعي العام وتتبنى مقاربة معاكسة، كما ظهر في الاقوال التي ارسلت باسمها في حينه لمحكمة العدل الدولية.