هآرتس: توجد علاقة بين الشعور بالسيطرة والموقف السياسي، تفسير محتمل للاحتجاج في الجامعات

هآرتس 11/6/2024، ايتسيك الفاسي: توجد علاقة بين الشعور بالسيطرة والموقف السياسي، تفسير محتمل للاحتجاج في الجامعات
في هذه الايام صدرت باللغة العبرية نسخة جديدة من الكتاب الكلاسيكي للمحلل النفسي اليهودي – الالماني اريك بروم، “الهرب من الحرية”. في الكتاب الذي نشر للمرة الاولى في 1941 حلل بروم الدافع النفسي لصعود الانظمة الفاشية في اوروبا في النصف الاول للقرن العشرين. ادعاءه الرئيسي هو أن سبب صعود الفاشية في تلك الفترة يكمن فيما يسمى “ازمة الحرية في العصر الحديث”. فروم شرح بأن الانسان نجح في تحقيق شيء حارب من اجله خلال سنوات، التحرر من قيود الديكتاتوريات الممأسسة، على رأسها الدين والسلطة الملكية. ولكن،كما يحدث في مرات كثيرة ايضا على المستوى الشخصي، بالتحديد عندما يحقق الانسان ما يتوق اليه دائما يكتشف أن مشاكله فقط بدأت. سبب ذلك، حسب بروم، هو أن التحرر من قيود الديكتاتوريات التقليدية جلب معه في الواقع الحرية، وايضا درجة كبيرة من الاغتراب والعزلة.
صحيح أن السلطات الممأسسة التقليدية قيدت الحرية الشخصية والقدرة على التعبير عن الامكانيات الكامنة وعن التفرد، لكن في المقابل هي ارضت احتياجات نفسية حيوية مثل الشعور بالانتماء والهوية والمعنى. بعد تفكك هذه الاطر بقي الانسان معزول ومشوش امام واقع الحياة الذي هو في اساسه مليء بعدم المصالحة والعشوائية والصدفية. لذلك فانه بحث كي يعيد هدية الحرية التي اعطيت له بآلام كبيرة من قبل الاجيال التي سبقته.
الانظمة الفاشية، والزعماء الديكتاتوريون على رأسها، عرضت على مواطنيها آلية للهرب من الحرية، كما حدد ذلك بروم. الايديولوجيا وطريقة النظام الفاشي عرفت لهم العالم بمفاهيم بسيطة، الخير والشر، الاسود والابيض، المخلصين والخونة، وساعدتهم في العثور مرة اخرى على المنطق والتصالح في واقع الحياة الفوضوي.
بعد مرور 83 سنة على نشر هذا الكتاب للمرة الاولى فان المشكلة التي اشار اليها بروم في كتابه “الهرب من الحرية”، لا تزال مهمة أكثر من أي وقت مضى. في البحث الذي اجريته مؤخرا في اوساط الطلاب في الولايات المتحدة قمت بفحص العلاقة بين الرؤية التقدمية والموقف من النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين وهجوم 7 تشرين الاول والدور الذي تلعبه المتغيرات النفسية في هذا السياق. وقد شارك في هذا البحث 1038 طالب، الذين يعتبرون انفسهم كأصحاب مواقف سياسية ليبرالية، ويتعلمون في مؤسسات اكاديمية مختلفة في الولايات المتحدة.
أحد المتغيرات التي قمت بفحصها في البحث هو “سيلف ماستري”، الذي يتناول الدرجة التي يعتبر فيها الناس احداث حياتهم باعتبارها خاضعة لسيطرتهم (ولا يشعرون بالعجز أو الخضوع لرحمة قوى خارجية). هذه الصفة النفسية تعتبر عامل مهم في مواجهة ناجعة مع تحديات الحياة. الاشخاص الذين لديهم شعور بالسيطرة المتدنية على الاغلب ينظرون الى حياتهم وكأنه تم التحكم بها من القدر أو من ظروف خارجية، الامر الذي يمكن أن يؤدي الى الشعور بالعجز، الذي يزيد التعرض للضغط ويقلل نجاعة استراتيجية المواجهة النفسية.
متغير الشعور بالسيطرة على الحياة قمت بقياسه بواسطة استبيان تم تطويره من قبل علماء النفس ليونارد بيرلن وكارمي شومر من المعهد الوطني للصحة النفسية في الولايات المتحدة. المستطلعون طلب منهم تصنيف درجة موافقتهم على عبارات مثل “لا توجد لدي أي سيطرة على ما يحدث معي”، “لا يمكنني فعل الكثير من اجل تغيير اشياء كثيرة تهمني في الحياة”.
البحث وجد أن الطلاب الذين يشعرون بمستوى منخفض من السيطرة على حياتهم يميلون اكثر الى رؤى تقدمية، ورؤية هجوم حماس في 7 اكتوبر كعمل مشروع للمقاومة.
عندما يتعلم الشباب في الولايات المتحدة منذ سن صغيرة بأن الثقافة والقيم التي تربوا عليها هي قمعية وضارة وتتسبب بالضعف، وأن الآباء والاجداد هم كولونياليون وسارقون للاراضي، وأنهم هم انفسهم “بيض لديهم امتيازات”، الذين يجب عليهم الاعتذار عن مجرد وجودهم، فان الطريق ممهدة الى أزمة هوية خطيرة. وكما يحدث في سن البلوغ فان الشباب في ازمة هوية هم الذين يسهل جدا تجنيدهم لتأييد افكار وحركات متطرفة، لأن الامور التي يحتاجونها بشكل كبير هي نوع من الافكار البسيطة التي ترتب وتنظم لهم الواقع الداخلي المشوش الذي يعيشون فيه، وتجعلهم يشعرون بأنهم جزء من شيء. هذا عرفت حركة “ووك” كيفية توفيره لهم بشكل ممتاز، وهذا هو سر قوتها.