هآرتس: تفكيك وحدة الساحات لا يضمن تسوية في غزة حيث العبء الأيديولوجي ثقيل
هآرتس 29/11/2024، تسفي برئيل: تفكيك وحدة الساحات لا يضمن تسوية في غزة حيث العبء الأيديولوجي ثقيل
قدوم بعثة مصرية الى إسرائيل من اجل الدفع قدما بصفقة التبادل، يعتبر في إسرائيل فرصة جديدة جاءت في اعقاب وقف اطلاق النار في لبنان، وكأن الحرب مع حزب الله هي التي منعت عقد الصفقة. هذا يمكن أن يتبين أنه خطأ بصري. فوقف اطلاق النار مع لبنان كان يمكن التوصل اليه طوال فترة الحرب، وفي نفس الوقت أيضا الدفع قدما بصفقة مع حماس، لو أن الحكومة كانت تريد ذلك. لقد كان هذا هو جوهر الصلة التي خلقتها حماس وحزب الله (وفروع ايران الأخرى)، والتي كانت إسرائيل تطمح الى تفكيكها. وقف الحرب في غزة كان الشرط لوقف الحرب في لبنان وليس العكس.
ها هو الآن، عندما تم فصل الساحات، فانه لا يوجد لإسرائيل حتى الآن أي حل لقضية المخطوفين. إضافة الى ذلك حماس ليست هي التي أملت على حزب الله كيفية التصرف. المنظمة اللبنانية هي التي حددت لنفسها طبيعة عملها، وهي التي خلقت “معادلة الردود” وحجمها حسب حجم الضربات الإسرائيلية في لبنان، بدون صلة بتطورات الحرب في غزة.
في خطاباته وفي تصريحاته اقام حسن نصر الله ذريعة المشاركة في الحرب على اساسين – الدفاع عن لبنان، أي منع إسرائيل من غزوه وأن تفعل فيه ما تفعله في غزة، ودعم الحرب التي تشنها حماس ضد إسرائيل. حسن نصر الله أوضح أن اشغال وازعاج الجيش الإسرائيلي في الشمال أدى الى أن عدد اقل من جنود الجيش الإسرائيلي يمكنهم المشاركة في الحرب في غزة. وبالتالي، هذا خدم حماس. ولكنه أوضح بأن حزب الله لا يريد المحاربة بدلا من حماس. حتى أن حسن نصر الله تعهد بأنه في اللحظة التي تتوقف فيها الحرب في غزة فان حزب الله سيتبنى أيضا وقف اطلاق النار ويقوم بوقف اطلاق نيرانه. هذا رغم أنه لم يحصل من إسرائيل على أي تعهد علني بأنها ستوقف الحرب مع لبنان اذا أوقف حزب الله الحرب بشكل احادي الجانب.
من ناحية حزب الله فان حماس هي التي احتفظت بـ “التفويض” لتحديد متى ستوقف النار، حتى لو لم تحدد أي موعد لانضمام جميع الجبهات أو طبيعة مشاركتها. حماس شنت الحرب في 7 أكتوبر، وحزب الله انضم اليها في 8 أكتوبر، والحوثيون في 19 أكتوبر، وفي 2 تشرين الثاني انضمت المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، التي هاجمت من العراق. حزب الله نسق في الواقع نشاطات الوكلاء في العراق وفي اليمن، لكن كان لهؤلاء الوكلاء أيضا اعتبارات داخلية ومحلية هي التي أملت طبيعة النشاطات وحجمها. المليشيات في العراق طلب منها مثلا أن لا تهاجم الأهداف الامريكية خشية رد كثيف ضدها وضد ايران. الحوثيون قاموا بشل حركة الملاحة في البحر الأحمر، لكنهم امتنعوا عن مهاجمة أهداف في دولة الامارات والسعودية، رغم أنها حليفة لإسرائيل والولايات المتحدة. ايران مقابل فروعها امتنعت كليا عن التدخل العسكري المباشر حتى تصفية رضا زاهدي، قائد قوة القدس في لبنان وسوريا على يد إسرائيل.
حسب تقارير “رويترز” فان طهران رفضت في تشرين الثاني طلب إسماعيل هنية التدخل عسكريا. وحسب التقرير فان علي خامنئي أوضح لهنية بأن ايران “لم تشارك ولن تشارك في الحرب لأن حماس لم تتشاور معها”. بعد ذلك في حماس عبروا عن خيبة امل كبيرة، ليس فقط من امتناع ايران، بل أيضا من حجم مشاركة حزب الله المحدودة في الحرب، حسب رأيهم. على هذه الخلفية يصعب الاستنتاج هل “وحدة الساحات” والتدخل الناجع لجميع امتدادات ايران في الحرب كانت شرط ضروري بالنسبة ليحيى السنوار من اجل شن الحرب في 7 أكتوبر. من هنا فانه لا يوجد أيضا أي سبيل للقول بأن انفصال جبهة واحدة، جبهة حزب الله، يمكنه بحد ذاته أن يحدث الآن انعطافة في موقف حماس فيما يتعلق بصفقة تبادل المخطوفين.
أيضا بالنسبة للتهديد الإقليمي والدولي فان ساحة لبنان مختلفة عن الساحة الفلسطينية. الحرب في غزة في جميع المراحل لم تستدع الخوف من حرب إقليمية شاملة، تصبح فيها ايران طرف فعال. ولكن عندما قامت إسرائيل بتغيير التوجه ووسعت جبهة العمل في أراضي لبنان بصورة هددت بتدمير نفوذ ايران في لبنان، تطور لبنان ليصبح ساحة دولية، غيرت أيضا طبيعة تدخل الولايات المتحدة في المنطقة. غزة شغلت العالم بسبب الدمار والمس الإنساني الفظيع الذي نتج عنه تنديدات وحركات احتجاج جماهيرية في الغرب، التي نجحت ضمن أمور أخرى، في تقييد كمية ونوع السلاح التي تحصل عليها إسرائيل من أمريكا، وحولت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالنت الى مجرمين اخترقا القانون الدولي. ولكن في لبنان كان يكمن التهديد الملموس باشتعال حرب إقليمية.
هذه موجودة في خارطة ارض إسرائيل الكاملة، أما تلك فلا
اكثر من أي شيء، الفرق بين لبنان وغزة، بين حزب الله وحماس، فان وقف اطلاق النار في لبنان لا يحل قضية غزة، لا سيما بسبب الاختلاف في الرؤية الأيديولوجية والسياسية والاستراتيجية التي تبنتها إسرائيل تجاه هاتين الساحتين. لبنان غير مشمول (حتى الآن) في خارطة ارض إسرائيل الكاملة. قبل ظهورها في لجنة السلام التي انهت الحرب العالمية الأولى، طرحت الحركة الصهيونية على وزارة الخارجية البريطانية موقف طموح طلبت فيه الاعتراف بحدود الدولة المستقبلية التي ستشمل “في الشمال الضفة الشمالية والجنوبية لنهر الليطاني… من هناك نحو جنوب شرق حتى النقطة الموجودة جنوب منطقة دمشق”. ولكن هذا الحلم بقي على حاله.
مقابل لبنان، حول غزة تجري مفاوضات تاريخية وايديولوجية كبيرة، يجب عليها أن تشطب من صفحات تاريخ إسرائيل كارثتين، الانفصال و7 أكتوبر. هكذا، غزة هي هدف للاستيطان، وجزء حيوي لاستكمال ارض الميعاد. في هذا يكمن أيضا الفرق في التهديد السياسي الذي تفرضه كل ساحة. وقف اطلاق النار في لبنان وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من هناك، لا يهدد باسقاط حكومة إسرائيل. الموافقة على طلبات حماس، وقف الحرب في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من هناك، تعني تحطم الحكومة. بالنسبة للحكومة، لا سيما رئيس الحكومة، هذا تهديد استراتيجي يجب عدم التراجع امامه، حتى لو كان االمقابل هو تحرير المخطوفين. هذه الرؤية تملي أيضا تحديد العدو. إسرائيل يمكنها العيش “بسلام” مع حقيقة مواصلة حزب الله التواجد كمنظمة وحركة، وحتى امتلاكه ترسانة سلاح ثقيل، صواريخ ومسيرات. هي توافق على الاعتماد على ضمانات دولية واذن ضبابي للعمل ضد كل خرق يتم تنفيذه، من داخل أراضي إسرائيل.
الافتراض الذي وضع الأساس لوقف اطلاق النار يقول بأن الضربات الشديدة التي اوقعتها إسرائيل بحزب الله وقيادته حيدت، على الأقل على المدى القريب، قدراته ودافعيته على مواصلة القتال. وهناك افتراض رئيسي لا يقل عن ذلك يقول بأنه يوجد لحزب الله مصلحة أيديولوجية واستراتيجية في الحفاظ على لبنان ومنع تدميره في حرب مع إسرائيل. حيث أنه بدون الدولة، مهما كانت فاسدة ومتعفنة، فانه لا يوجد أي معنى لوجوده كتنظيم “وطني”، ولرسالته كذراع لإيران. في هذا يكمن الفرق بين منظمات أقل من دولة مثل حزب الله وحماس، أو المليشيات الشيعية، التي تحتاج الى اطار “دولة” من اجل وجودها وبين منظمات إرهابية انفصالية مثل الجهاد الإسلامي والقاعدة، أو منظمات سلفية جهادية هدفها تدمير الدول القومية، التي تقسم حسب رأيها الوحدة العربية والإسلامية وتعيق تحقيق حلم العالم الإسلامي الموحد.
من هنا تأتي أهمية تاطير اتفاق وقف اطلاق النار مع حكومة لبنان، وليس مع حزب الله، رغم أنه بدون موافقته (بمصادقة ايران) على فصل ساحة لبنان عن غزة، فانه لم يكن بالإمكان التوقيع على أي اتفاق. إضافة الى ذلك قوة حكومة لبنان والجيش اللبناني على تنفيذ بنود الاتفاق مرهونة باستعداد حزب الله لاعطاء رعايته للاتفاق، حيث ما زال يوجد لديه ما يكفي من السلاح والذخيرة للحفاظ على “معادلة الردع” – ربما ليس امام إسرائيل، بل بالتأكيد من اجل تحقيق لنفسه مكاسب سياسية في داخل لبنان امام أي حكومة.
لكن ما إسرائيل مستعدة للتعايش معه في لبنان، هي لا يمكنها أن تسمح لنفسها فيه في غزة. لأنه من اجل تحقيق حلمها الأيديولوجي في القطاع هناك حاجة الى الحفاظ والاحتفاظ بـ “عدو ثابت”، محاربته تحتاج الى تواجد عسكري دائم في ساحة القتال. هذه الرؤية تستبعد إقامة كيان دولة فلسطينية، أو نقل الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، بحيث تكون المسؤولة ليس فقط عن احباط نشاطات حماس العسكرية، حتى لو كان إدارة البنى التحتية المدنية في القطاع، لأنه سيكون في ذلك اعتراف بـ “مسؤولية” السلطة عن غزة ووحدة فلسطين. من هنا فان أي ضمانة دولية تعطي إسرائيل تفويض كامل للعمل ضد حماس في حالة خرق الاتفاق مثل الذي اعطي لها في لبنان، لن تساعد لأنها لا تلبي الضرورة الأيديولوجية لمواصلة تواجد الجيش الإسرائيلي في القطاع.
لكن تحقيق الطموحات الأيديولوجية مهدد بنقاط ضعف، الـ 101 مخطوف وأبناء عائلاتهم الذين ينتظرون اطلاق سراحهم، ومليون وربع مليون فلسطيني يحتاجون الى المساعدات الإنسانية الفورية. أي حل لهذه القضايا المرتبطة ببعضها، حتى لو بشكل جزئي، يقتضي وقف اطلاق النار في غزة، والتنازل بشأن إدارة المساعدات الإنسانية. حول ذلك ستحاول البعثة المصرية طرح حلول. اقترح عدم حبس الانفاس بانتظارها. لن يكون لوقف اطلاق النار في لبنان كما يبدو امتداد في غزة.