هآرتس: تصميم الرقابة على نسب ما ينشر عن مفاعل ديمونة لـ “منشورات اجنبية”، وصل الى النهاية
هآرتس 4/12/2024، يوسي ميلمان: تصميم الرقابة على نسب ما ينشر عن مفاعل ديمونة لـ “منشورات اجنبية”، وصل الى النهاية
الكذبة البيضاء لجهاز الامن في اسرائيل، التي استمرت لفترة طويلة وهي من اختراع الرقابة العسكرية، كما تظهر في وسائل الاعلام، هي جملة “حسب منشورات اجنبية”. بشكل خاص هذا التعبير رافقته منشورات تتناول ما يدعيه كل العالم منذ خمسة عقود ونصف وهو “يوجد لدى إسرائيل سلاح نووي”. في هذا الأسبوع يبدو أن هذه الخدعة، “المنشورات الأجنبية”، تبخرت.
في أخبار “كان” تم بث الجزء الأول من السلسلة الوثائقية الجديدة “الذرة وأنا”، التي تكشف للمرة الأولى القصة التي توجد خلف مشروع إسرائيل النووي. الجزء الأول يتناول قصة ولادة المشروع النووي: كيف اشترت إسرائيل من فرنسا المفاعل النووي الذي تم بناءه في ديمونة، والذي تقوم بتشغيله منذ 1960. في هذه المرة لم ترفق بهذه الاقوال عبارة “حسب منشورات اجنبية”، لأنه في السلسلة يتحدث عدد من الذين أجريت معهم المقابلات مثل عاموس عيران، الذي كان مدير عام مكتب رئيس الحكومة، عن “السلاح النووي” في سياقات مختلفة، وضمن ذلك في سياق تجنيد الأموال للمشروع النووي الإسرائيلي.
في مركز الفصل تم بث مقابلة مع بنيامين بلومبرغ، المتوفى، الذي تم اعتباره الرجل الرئيسي في “المشروع السري جدا لدولة إسرائيل لثلاثة عقود تقريبا”. هذا مبالغ فيه. أنا عرفت بلومبرغ قبل 25 سنة. في حينه التقيت معه في شقته في تل ابيب. واستنادا لمحادثتي معه نشرت في 2004 مقالين مطولين في “هآرتس” بعنوان “سري”. للأسف هو طلب عدم اقتباس أقواله أو نسبها اليه. لذلك، المقالين لم يتم نشرهما كمقابلة، ولكني وصفت فيهما بالتفصيل سيرة حياته – بدءا بنشاطه في الهاغاناة وحتى اصبح في 1949 ضابط الامن الرئيسي في وزارة الدفاع. وبحكم هذا المنصب وبسبب الصراعات الشخصية مع رئيس الموساد ايسر هرئيل، فقد كلفه شمعون بيرس، الذي كان المدير العام في وزارة الدفاع، بتشكيل وحدة تحافظ على سرية إقامة المفاعل النووي في ديمونة، من اجل إخفاء من يقف خلفه في العالم، خاصة الولايات المتحدة. المشروع النووي تم اعتباره مخصص للأغراض السلمية، رغم أنه منذ اقامته فان الولايات المتحدة، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي سابقا وبعض الدول العربية، قدرت بأن الهدف منه هو انتاج السلاح النووي.
بعد تغيير اسمها عدة مرات، وحدة بلومبرغ حصلت على اسم مستعار وبريء ومضلل هو “مكتب العلاقات العلمية”. في بداية طريقه كان له ثلاثة أدوار: الاهتمام بالحماية المادية لمنشأة المفاعل في ديمونة، منع تسريب المعلومات عن وجود الـ 100 شخص مهني فرنسي، الذين شاركوا في بنائه، وبعد ذلك منع كشف نوايا إسرائيل الحقيقية. بعد ذلك القى هذا المكتب على نفسه مهمات خاصة مثل شراء المعدات والتكنولوجيا والمواد اللازمة للمفاعل ولصناعات امنية أخرى. بكلمات أخرى، هذا المكتب اصبح وحدة استخبارات علمية – تكنولوجية، وبلغة اكثر وضوحا، مقاول سرقات.
بهذه الطريقة حصلت إسرائيل على اليورانيوم الطبيعي المطلوب لتشغيل المفاعل، بعد أن أوقفت فرنسا في 1961 دعمها للمشروع، وجنوب افريقيا أوقفت بيع اليورانيوم لإسرائيل. البطل الحقيقي لحملات الشراء كان الياهو سخروف، المقدم ورجل الصناعة، الذي اجرى علاقات مع رجال اعمال المان، من بينهم طيار في سلاح الجو في المانيا النازية. في كتاب لي كتبت أن سخروف ابلغ بلومبرغ عن المجموعة الألمانية، التي بواسطتها تم شراء 200 طن يورانيوم طبيعي، بالخداع، والذي تم استخراجه في إقليم كتانغا في الكونغو، وبقي موضوع كحجارة لا يمكن نقلها، في شركة تعدين في بلجيكا كانت تبحث عن مشتريه له. بفضل سخروف هذا اليورانيوم وصل في 1968 الى ميناء اسدود، ومن هناك نقل الى ديمونة.
في 1974، في فترة ولاية اسحق رابين، قرر وزير الدفاع شمعون بيرس ومدير عام مكتبه اسحق عيروني، نقل منصب المسؤول عن الامن في وزارة الدفاع من بلومبرغ الى حاييم كرمون. بلومبرغ استمر في عمله كرئيس مكتب العلاقات العلمية، لكن في حكومة الليكود ازداد الضغط لاستبداله، رغم معارضة رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن. في العام 1981 استسلم بيغن لطلب وزير الدفاع في حينه اريئيل شارون، وبلومبرغ قدم استقالته وذهب للتقاعد. بدلا منه تم تعيين رافي ايتان كرئيس للمكتب.
لا شك أن بلومبرغ جدير بالاحترام على دوره في مشروع ديمونة، لكنه لم يكن من مشكليه. الحقوق وكل الثناء من حق رئيس الحكومة دافيد بن غوريون ومن خلفه، ليفي اشكول، و”شباب بن غوريون” مثل موشيه ديان وشمعون بيرس، وعلماء الذرة، البروفيسور ارنست دافيد برغمان والبروفيسور يسرائيل دوستروفسكي وغيرهم من نفس جيلهم ومواصلي دربهم.
في بداية الستينيات، بسبب الضغوط الدولية، لا سيما من إدارة جون كنيدي ولندن جونسون، قام قادة إسرائيل ببلورة السياسة التي تحظى منذ ذلك الحين بلقب “الضبابية النووية”. إسرائيل لا تؤكد ولا تنفي أنها تمتلك السلاح النووي. هذا احد القرارات الاستراتيجية الأكثر أهمية خلال سنوات وجودنا، ويجب على إسرائيل الرسمية التمسك به. بالتأكيد، طالما أن ايران لم تصنع بعد السلاح النووي.
مع ذلك، تصميم الرقابة العسكرية على اجبار المراسلين على إضافة عبارة “حسب منشورات اجنبية” لكل نبأ في هذا الشأن، هو مضحك وقديم. وسلسلة “الذرة وأنا” يجب أن تكون المسمار لأخير في هذا التابوت العفن.