ترجمات عبرية

هآرتس: تصفـيـة حكــم حمــاس لــن تـقـوّض محــور إيــران الإقـلـيـمي

هآرتس 2023-11-16، بقلم: تسفي برئيل: تصفـيـة حكــم حمــاس لــن تـقـوّض محــور إيــران الإقـلـيـمي

«هذه ليست حربا بين غزة وإسرائيل، هذه حرب بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر»، قال الزعيم الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في بداية الشهر الحالي. تقريبا بنفس الكلمات وصف بنيامين نتنياهو المعركة في المقابلة مع «فوكس نيوز». «يجب علينا التأكد من أن قوى الخير، قوى السلام، هي التي ستنتصر». للوهلة الأولى، يظهر أن هذه حرب بين محور الشر والعالم الحر، الليبرالي الغربي، وبين «الذين يريدون أعادتنا إلى الأيام الظلامية في العصور الوسطى، هذا ما يريدونه» – كلمات تردد أقوال الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، الذي اعتبر ايران والعراق (تحت حكم صدام حسين) وكوريا الشمالية هي محور الشر الذي «يطمح للمس بالسلام العالمي».

من هنا فإن الانتصار على «حماس» هو حيوي، ليس فقط لضمان سلامة وأمن مستوطنات الغلاف أو جميع البلدات في إسرائيل، بل هو مهمة عالمية فيها «علينا نقل رسالة لمحور الإرهاب بأننا لا ننوي السماح له بفعل ذلك. هذه معركة بين حضارتنا وبين البربرية»، حسب قول نتنياهو. هذه هي نفس الرسالة التي عرضتها الولايات المتحدة على العالم في 2001 عندما قامت بشن الحرب على أفغانستان، وبعد سنتين على العراق. ربما أن تكون هذه ادعاءات للتجند والإقناع، تستند إلى قواعد معروفة ومتفق عليها، اعتبرت ايران في السابق كدولة شريرة واذرعها كتنظيمات إرهابية. ولكننا نذهب بعيدا إذا قلنا إن تصفية سيطرة «حماس» في القطاع ستقوض وجود هذا المحور الذي عملت ايران خلال عشرات السنين على رعايته وتطويره.

الدول والمنظمات المحسوبة على دائرة نفوذ ورعاية ايران غير مصنوعة من الجلد نفسه. فهي ليست «الجمهوريات الشعبية» في الاتحاد السوفييتي سابقا التي كانت تؤمن بنفس الأيديولوجيا وهي ملزمة بالخضوع الكامل للكرملين. العلاقة بين «حماس» وإيران ولدت تقريبا بالصدفة، بعد أن قررت إسرائيل في 1992 طرد اكثر من 400 ناشط وزعيم من «حماس» إلى لبنان. الرعاية التي أعطتها ايران و»حزب الله» لمن تم إبعادهم والتدريبات العسكرية التي اجتازوها في لبنان والتمويل، 50 مليون دولار في السنة والتي استمر تقديمها بسخاء حتى بعد عودتهم إلى المناطق، أوجدت الاعتماد الاقتصادي والعسكري على ايران و»حزب الله». ولكن ذلك لم يخلق الإيمان الأيديولوجي، وبالتأكيد لم يخلق التضامن الديني. الشيخ يوسف القرضاوي، الذي اعتبر الزعيم الروحي للإخوان المسلمين ومصدر الإلهام الديني لـ»حماس»، هاجم بشكل غير مسبوق «حزب الله» وإيران بسبب قتل مئات آلاف المدنيين على يد نظام الأسد. «زعيم حزب الشيطان (حزب الله) جاء لمحاربة السنة… نحن نعرف الآن ما الذي تريده ايران. هم يريدون عمليات قتل متواصلة لقتل السنة».

العداء التاريخي بين السنة والشيعة، وعلى الصعيد الديني، يوجد له دور مهم في تحديد العدو مقابل الصديق. ولكن سياسة الواقع أهم بكثير من هذا التمييز، وهي التي توجه الخطوات السياسية والعسكرية الإيرانية. ايران لا توجد لها أي صعوبة في إقامة شبكة علاقات وثيقة مع دول سنية مثل تركيا ودولة الإمارات، ومؤخرا السعودية. وهي لا تدير ظهرها للتنظيمات السنية مثل طالبان والجهاد الإسلامي أو «حماس»، وهي أيضا لا تنبش في الطهارة الشيعية للحوثيين في اليمن الذين يؤمنون بالزيدية، أو العلويين في سورية الذين يعتبرون مجموعات منحرفة في الإسلام الشيعي.

بسهولة كبيرة، تم في الغرب وفي إسرائيل تبني مصطلح «الهلال الشيعي» كمثال على تهديد ايران، التي تريد خلق محور نفوذ وسيطرة إقليمية يبدأ في طهران ويمر في بغداد ويصل إلى دمشق ومن هناك إلى بيروت. ولكن في كل محطة من هذه المحطات توجد قوى محلية تعارض إقامة مثل هذا المحور. الزعيم الشيعي الانفصالي مقتدى الصدر حارب لسنوات ضد نفوذ ايران في بلاده – بدرجة لا تقل عن محاربته ضد الوجود والنفوذ الأميركي في العراق. الزعيم الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، هو معارض قوي لنهج النظام في ايران، وتخضع لأوامره ميليشيات شيعية التي بين حين وآخر تتصادم بشكل عنيف مع الميليشيات المؤيدة لإيران. هذا في الأساس هو صراع سياسي وليس دينيا، حيث إن خامنئي والسيستاني محسوبان على التيار الشيعي نفسه.

لبنان الذي معظم سكانه من الشيعة هو بؤرة أخرى مطلوب فيها من ايران إدارة معركة سياسية معقدة وحذرة. «حزب الله»، الذي تم تأسيسه على يد ايران، يمتلك في الحقيقة القوة العسكرية الأقوى في لبنان، وهو يخدم ايران ليس فقط في لبنان، بل أيضا في سورية والعراق واليمن، لكنه سياسيا يجب عليه شق طريقه بين القوى السنية والمسيحية والدرزية حتى يحصل على الشرعية من الجمهور ويستمر في امتلاك سلاحه. ادعاءات «حزب الله»، التي تقول إنه يحارب معركة لبنان عندما يقوم بمواجهة إسرائيل، تحطمت إلى شظايا في حرب لبنان الثانية. فالحزب طلب منه مرة تلو أخرى بأن يظهر، بدون نجاح، أنه حركة وطنية لبنانية وليس كوكيل لإيران أو منظمة تسعى إلى تحويل لبنان إلى دولة شريعة شيعية حسب النموذج الإيراني.

أيضا الآن «حزب الله» يطرح معادلة الردع أمام إسرائيل، بالأساس لحماية مواطني لبنان. بخصوص الفلسطينيين هم سيضطرون إلى الاكتفاء في هذه الأثناء بـ»عرض تضامني». هذه المعادلة ستواصل الوجود أيضا حتى لو كفت «حماس» عن الوجود لأن سلاح «حزب الله» ضروري من اجل الحفاظ على مكانة التنظيم داخل لبنان، وشرعية السلاح تستند إلى النضال ضد إسرائيل لأنه بالنسبة للتنظيم فإن إسرائيل ما زالت تسيطر على أراض لبنانية.

التقدير الذي بدأ يترسخ في أوساط الباحثين والمحللين في الغرب هو أن هزيمة «حماس» في غزة ستلزم ايران بإعادة فحص استراتيجية نفوذها في المنطقة بواسطة وكلاء من اجل تعزيز صورتها كدولة عظمى إقليمية، ومن اجل الحفاظ على التهديد ضد أعدائها، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن سيكون من الخطأ اعتبار «حماس» حزام الأمان الإقليمي لإيران. ايران قامت ببناء قوتها في الواقع بواسطة تنظيمات انفصالية محلية واستغلت نزاعات سياسية (الصورة الأبرز هي حرب الخليج الثانية) من اجل بناء مكانتها كدولة عظمى مهددة، لكن في السنوات الأخيرة بدأت في تطوير استراتيجية بديلة في أساسها إقامة علاقات مع دول المنطقة. هي لا تتنازل عن خدمات الميليشيات أو التنظيمات الإرهابية، لكنها بدأت في استخدامها كرافعة للدفع قدما بمصالح سياسية.

على سبيل المثال، ايران قامت باستئناف علاقاتها مع دولة الإمارات بعد انسحاب الأخيرة من التحالف ضد اليمن برئاسة السعودية. عند استئناف العلاقات توقفت أيضا هجمات الحوثيين على أبو ظبي. الميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران في العراق هي «أداة عمل» سياسية ناجعة في يد ايران، لكن في الوقت نفسه هي ليست حيوية من اجل تعزيز نفوذ ايران في بغداد. التبعية الاقتصادية للعراق الذي يشتري من ايران الكهرباء والمياه والغاز، والأحزاب السياسية الشيعية المؤيدة لإيران، ستقوم بالعمل حتى لو تم في الغد حل الميليشيات.

استئناف العلاقات مع السعودية يعتبر إنجازا سياسيا مهما، وربما سيضاف إليه استئناف العلاقات مع مصر الذي تتم مناقشته بين الدولتين في الأشهر الأخيرة. ايران التي تمت دعوتها إلى مؤتمر القمة العربية والإسلامية الذي عقد في الرياض، اضطرت إلى ابتلاع الضفدع عندما رسخ المؤتمر مكانة «م.ت.ف» على أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، و»حماس» أو «الجهاد الإسلامي» لم يتم ذكرهما في القرار. ايران أعلنت في الواقع بأنها ستستأنف على ذلك، لكن من المشكوك فيه أن تتغير الصيغة التي عملت عليها السعودية ومصر معا. يبدو أن العضوية في النادي العربي هي اكثر أهمية بقليل بالنسبة لطهران من صيغة قرار احتمالية تنفيذه ضئيلة أصلا. السؤال الذي سيكون على الأجندة ليس هل هزيمة «حماس» ستقوض نفوذ ايران في المنطقة، بل هل دول المنطقة ستنجح في تقييد ايران إليها من اجل تحييد قوة ونفوذ وكلائها.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى