هآرتس: ترامب يغير الشرق الأوسط ونتنياهو في دور المشاهد

هآرتس 18/4/2025، تسفي برئيل: ترامب يغير الشرق الأوسط ونتنياهو في دور المشاهد
في الغد عندما ستلتقي البعثات الامريكية والإيرانية في روما للدفع قدما باتفاق نووي “جديد”، في القدس سيقضمون اظافرهم بعصبية. هل المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف سيضع امام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي طلب بحسبه “أي اتفاق نهائي يجب أن يرسخ اطار للسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، الامر الذي يعني وقف وانهاء برنامج تخصيب اليورانيوم وتسلح ايران” مثلما اعلن في يوم الثلاثاء؟ أو أنه سيكرر الصيغة التي قالها في يوم الاثنين في مقابلة مع “فوكس نيوز”، التي بحسبها “ايران ليست بحاجة الى تخصيب اليورانيوم بمستوى اعلى من 3.67 في المئة”، وهي الاقوال التي تحدد بأن ايران يمكنها الاستمرار في مشروعها النووي، لكن فقط في اطار قيود الاتفاق الأصلي.
الفجوة بين الصيغتين توجد لها أهمية كبيرة، لأن الصيغة الأولى تتحدث عن الغاء وتحييد كل المشروع النووي، في حين أن الصيغة الثانية تبقيه على قيد الحياة، وفقط تطلب جهاز رقابة ناجع. عمليا، لا يوجد فرق كبير بين هذه الصيغة والاطار الذي تحدد في الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 الذي انسحب منه الرئيس ترامب في أيار 2018. طلب الوقف المطلق لتخصيب اليورانيوم ترفضه ايران بشكل مطلق. واذا تم طرحه كانذار نهائي فهي ستنسحب من المفاوضات.
لكن حتى قبل رؤية ماذا وكيف سيطرح في المحادثات القريبة القادمة فان هناك أمر واحد لا يوجد حوله أي خلاف. فمجرد وجود حوار بين ايران والولايات المتحدة كان خلافا لموقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وقد تفاجأ مثل كل العالم من اعلان ترامب قبل أسبوعين عن البدء في اجراء المحادثات في سلطنة عمان. نتنياهو، الذي قبل عقد تقريبا نجح في تجنيد كل العالم ضد ايران، يجد نفسه فجأة في مكانة تشبه مكانة الدول الأوروبية التي وقعت على الاتفاق النووي، التي يبدو أنه لم تتم حتلنتها وربما اشراكها في كل العملية.
الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، سئل عن ابعاد أوروبا بالفعل عن المحادثات حول قضية المشروع النووي الإيراني في مقابلة مع صحيفة “لوموند” عشية وصوله الى ايران في هذا الأسبوع. غروسي أجاب بصراحة بأنه “يجب علينا أن نأخذ ما يمكن الحصول عليه”، قال وأضاف. “الاحداث الدولية غيرت دور عدد من الدول وقدرتها على التأثير في عملية النووي الإيراني”.
صحيح أن إسرائيل لم تنجح في التأثير على الاتفاق النووي الأصلي، ورغم معارضة نتنياهو الشديدة إلا أن الرئيس براك أوباما قرر التوقيع عليه، لكن بعد ذلك كان لنتنياهو موقف آخر، عندما تم استدعاءه الى الكونغرس لالقاء خطابه التوبيخي والمهدد. الآن هو لا يستطيع أن يتجرأ على اتخاذ خطوة مشابهة. بعد ثلاث سنوات سجل لنفسه “انجاز” كبير عندما اقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وهي الخطوة التي دفعت ايران قدما الى مكانة دولة حافة نووية. الآن ترامب هو الذي يدفع المفاوضات ويطمح الى نجاحها. يمكن التقدير بأنه يسمع تحفظات نتنياهو، لكن هناك شك اذا كان وزنها يشبه وزن التحفظات التي كانت في 2018.
ايران ربما هي المشهد الأبرز والاهم الذي يشير الى الانخفاض الواضح في مكانة نتنياهو في نسيج القوى الدولية المؤثرة على ترامب. ولكن هذا بصراحة ليس المشهد الوحيد. هذا الأسبوع نشر أن الإدارة الامريكية تنوي تقليص حجم القوات الامريكية العاملة في سوريا لتصل الى 1000 جندي بدلا من 2000. ليس فقط الاكراد والسوريين والدول الأوروبية أصيبوا بالصدمة من نية أمريكا. إسرائيل عملت في الأسابيع الأخيرة على اقناع الإدارة الامريكية بعدم اتخاذ هذا القرار، ليس لأنه يعرض للخطر الاكراد.
الانسحاب الأمريكي من سوريا كان طلب ثابت لتركيا، التي اعتبرت الدعم الأمريكي للاكراد الكابح امام نشاطاتها ضد الذين تعتبرهم تنظيم إرهابي يهدد أمنها القومي. الاتفاق الذي وقع عليه الاكراد في سوريا مع الرئيس السوري احمد الشرع، بتشجيع من تركيا والولايات المتحدة، يمكن أن يوفر لتركيا “التفويض” الأمريكي الذي طمحت اليه من اجل إدارة وتنسيق الحرب ضد داعش، عمليا، أن تصبح “الذراع العسكري” للولايات المتحدة في سوريا. الى جانب تأثير ذلك على حرية عمل إسرائيل في المجال الجوي لسوريا فان هذا التقاء مصالح استراتيجي، الذي وجد الآن بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبين ترامب، الذي فيه إسرائيل تعتبر عامل مزعج.
المعركة على قمة الجبل، التي تديرها إسرائيل في سوريا، لا تنتهي بذلك. الشرع، بمساعدة اردوغان ودعم دول عربية كبيرة مثل السعودية، قطر واتحاد الامارات، تترسخ مكانته أكثر فاكثر كزعيم عربي شرعي. لقد سبق وتمت دعوته للمشاركة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العراق في شهر أيار الماضي. وفي نفس الوقت هو يجري بشكل مباشر وبواسطة تركيا ودول عربية حوار مكثف مع الإدارة الامريكية على رفع العقوبات التي فرضت على سوريا في فترة حكم بشار الأسد. الشرع سبق وحقق موافقة مبدئية أمريكية لرفع العقوبات، وفقا لستة شروط عليه الوفاء بها.
في شهر أيار أيضا يتوقع أن يزور الرئيس ترامب السعودية. حتى الآن غير معروف اذا كان سيلتقي مع اردوغان في تركيا قبل هبوطه في الرياض، أو سيقوم بزيارة دول عربية أخرى، أو أنه سيستدعي زعماءها للقاء قمة في السعودية. ولكن ترامب سمع من السعوديين والقطريين والأتراك في السابق عن ضرورة ليس فقط الاعتراف بالشرع، بل أيضا عن تحرير سوريا في اسرع وقت من العقوبات من اجل تمكينها من البدء في ضخ الاموال المطلوبة لها لاعادة الاعمار، ورؤية في النظام الجديد في سوريا عامل حيوي لوقف نفوذ ايران في المنطقة. من غير المستبعد، بالمناسبة، أنه في احد هذه اللقاءات ستتم دعوة الشرع أيضا لمصافحة ترامب. القدس حتى الآن تتعامل بتشكك مبرر مع الشرع كارهابي إسلامي متطرف، وتهدد بالمس به اذا سمح لجهات معادية بالعمل من أراضي سوريا ضد إسرائيل. عندها يمكن أن تجد نفسها في وضع محرج اذا حصل هذا “الإرهابي الإسلامي” على مصافحة يد الرئيس الأمريكي.
في هذا الأسبوع تبين أنه في شبكة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية فان أداة التأثير الإسرائيلية لم تعد كما كانت في ولاية الرئيس جو بايدن. وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت اعلن في يوم الاحد اثناء زيارته في الرياض بأن الولايات المتحدة والمملكة “في مسار” قبيل التوقيع على اتفاق سيلبي طموحات السعودية في إقامة صناعة نووية.
اتفاق نووي كهذا الى جانب حلف دفاع امريكي – سعودي كانا الاغراء الذي عرضه بايدن من اجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. إسرائيل طرحت في السابق تحفظات ثقيلة الوزن ضد تطوير برنامج نووي سعودي حتى لو كان لاهداف سلمية. أيضا السعودية نفسها حذرت من أنه اذا اصبح لإيران سلاح نووي فانها هي أيضا ستحصل على هذا السلاح.
الطريق الى اتفاق نووي مع السعودية في الحقيقة طويلة، والرياض حتى الآن غير مستعدة لتبني الشروط المقيدة التي تنطوي على التوقيع عليه – لكن، كما قال رايت فانه “توجد طرق كثيرة لبناء صفقة تلبي طموحات السعودية والمصالح الامريكية”. فقط هناك امر واحد “نسي” أن يذكره وهو التطبيع مع إسرائيل كشرط للاتفاق النووي. يبدو أنه مثل الحوار بين الولايات المتحدة وايران، هكذا أيضا في قضية النووي السعودي، إسرائيل ستأخذ مكان محترم كمراقبة على المدرجات، لكن اللعبة سيديرها ترامب.
ترامب ما زال يسمح لإسرائيل بالسيطرة على مناطق في سوريا، وحتى توسيع السيطرة عليها، مثلما لا يقف ضد سيطرتها على خمس مناطق في لبنان. ولكن في نفس الوقت هو يدفعها الى بلورة تفاهمات مع تركيا حول آلية “منع مواجهات” وتقليل الاحتكاك في سوريا. هو أيضا يتطلع الى الدفع قدما بالتطبيق الكامل لاتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان، الذي سيشمل نزع سلاح حزب الله وعملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
هذه الخطوات ستقتضي تدخل وموافقة سوريا، على الأقل في كل ما يتعلق بقضية مكانة مزارع شبعا. هذه المزارع معروفة كمنطقة تحت سيادة سوريا، خلافا لادعاء لبنان بأنها تعود لها. طالما أن سوريا تدعي امتلاكها فانه تصعب رؤية كيف يمكن استكمال ترسيم الحدود، وبالتالي، جعل إسرائيل تنسحب منها. الحل، كما يبدو، سيكون مرهون بالطريقة التي سيتصرف بها ترامب مع الشرع، وما هو المقابل الذي سيعرضه عليه. ولكن هنا أيضا قدرة إسرائيل على التأثير على العملية ستكون محدودة.
في لبنان، بالمناسبة، يظهر خط فاصل آخر واضح بين نتنياهو وترامب، يتعلق بدور قطر. الرئيس اللبناني جوزيف عون زار في هذا الأسبوع الدوحة من اجل الحصول على مساعدات مالية لترميم لبنان وتمويل الجيش اللبناني. قطر، التي في السابق أرسلت للجيش اللبناني 60 مليون دولار للاحتياجات الجارية، تعهدت بمواصلة التبرع بسخاء لترميم اقتصاد الدولة وتعزيز جيشها. هذه بشرى هامة للرئيس اللبناني الذي يتطلع الى تجنيد 6 آلاف جندي آخر للجيش كي يستكمل انتشاره على طول الحدود مع إسرائيل وعلى الحدود الشرقية مع سوريا. ترامب لا يعنيه كثيرا من أين ستأتي الأموال للبنان، شريطة أن لا تأتي من ايران. حقيقة أن قطر تعتبر في إسرائيل مؤيدة للارهاب، لا تؤثر عليه بالفعل.
الامر المقلق هو أنه امام الحركات المشكالية لترامب في شبكة العلاقات الإقليمية فان إسرائيل ما زالت عالقة في الرؤية القديمة التي تتضمن الاعتقاد بأن نتنياهو يمسك بدفة حاملة الطائرات الامريكية، وأن اهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة راسخة.