هآرتس: ترامب ونتنياهو يتطلعان الى تطبيع له شارة ثمن سياسية وهو سيتقرر في السعودية

هآرتس – تسفي برئيل – 4/2/2025 ترامب ونتنياهو يتطلعان الى تطبيع له شارة ثمن سياسية وهو سيتقرر في السعودية
حتى 7 اكتوبر كان التطبيع بين اسرائيل والسعودية يعتبر شرط ضروري لتشكيل تحالف اقليمي، وتاسيس حلف دفاع بين امريكا والسعودية، وتوفير تكنولوجيا نووية امريكية للرياض. ولكن خلال الحرب اصبح التطبيع اداة ضغط سياسية، التي يمكن ليس فقط أن تحدد مصير وقف اطلاق النار وصفقة المخطوفين واستئناف الحرب، بل ايضا املاء على اسرائيل سياسة جديدة فيما يتعلق بالنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
في العام 2002 وضعت السعودية على طاولة النقاشات الاقليمية والدولية رؤية سياسية واستراتيجية اصيلة وجريئة، على شاكلة “المبادرة العربية”. هذه المبادرة تضمنت اعترافا عربيا باسرائيل و”حزام دفاع” مقابل الانسحاب من كل الاراضي واقامة الدولة الفلسطينية. بعد ذلك تقلصت الطلبات.
اعلانيا، السعودية ما زالت تتمسك بالمبادرة العربية كاساس لحل النزاع. ولكن كما اوضح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبل الحرب كانت مستعدة للاكتفاء بخطة “تجعل ظروف حياة الفلسطينيين افضل”، بدون تفسير هذه الشروط، وبدون ذكر مفهوم “الدولة الفلسطينية”. منذ ذلك الحين، على خلفية عدد القتلى الكبير والتدمير في غزة، عادت السعودية لوضع اقامة الدولة الفلسطينية كشرط على موافقتها على التطبيع. ربما أن السعودية ستوافق على “الموافقة على دفعات”، موافقة ستلزم اسرائيل بالاعتراف المبدئي بحق الفلسطينيين بالدولة، في حين على الشروط لتجسيدها سيتم اجراء مفاوضات منفصلة. ايضا هذا التصريح الضبابي يمكن أن يكلف الائتلاف في اسرائيل حياته. عرض دونالد ترامب، الذي لم يولد في فراغ، اخلاء القطاع من سكانه ونقلهم الى مصر والاردن، يدفع السعودية الى الزاوية. الآن يجب عليها الدفاع ليس فقط عن مستقبل الفلسطينيين السياسي، بل ايضا عن مصر والاردن ازاء ما يعتبر بالنسبة لها تهديد امني وحتى وجودي.
ترامب على قناعة بأن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر والاردن ستجبرهما على الموافقة على طلبه. ولكن ازاء الدعم الكبير لمعارضتهما، الذي حصلت عليه من السعودية وقطر والامارات، فان مسار الترانسفير سيتبين أنه طريق مسدود. اقتراح ترامب يضع بن سلمان في معضلة، ونتيجته يمكن أن تكون تقويض المكانة الاقليمية للسعودية.
بناء هذه المكانة احتاج الى أن يدفع محمد بن سلمان رسوم تعليم مرتفعة بشكل خاص. فقط قبل ست سنوات كان هو الشخص الاكثر كرها في العالم. قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، الذي حسب المخابرات الامريكية تم بتعليمات من ابن سلمان، جعله شخص غير مرغوب فيه في معظم دول العالم، لا سيما في الادارة الامريكية والكونغرس. الحرب الفاشلة في اليمن التي بادر اليها بمباركة امريكية أدت الى تجميد صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والسعودية. وابن سلمان الذي هاجم الحوثيون دولته اضطر في نهاية المطاف، بضغط من امريكا، الى اجراء المفاوضات مع الحوثيين والتوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار.
في العام 2017 حاول ابن سلمان املاء السياسة الداخلية في لبنان واخراج حزب الله من الحكومة. بعملية فظة ومتغطرسة ادخل في حينه رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاقامة الجبرية في فندق في الرياض وأمره بتقديم استقالته. حتى هذه المناورة انتهت بفشل ذريع صارخ.
هذا الفشل يضاف الى الحصار الذي فرضته السعودية على قطر في نفس السنة، هي ودولة الامارات ومصر والبحرين. هذا الحصار انتهى بعد اربع سنوات بدون النجاح في تحقيق اهدافه. وبدلا من فصل الدوحة عن طهران ووقف تدخلها في السياسة الاقليمية، فان علاقاتها مع ايران وتركيا توطدت وقطر اصبحت دولة رئيسية في ادارة النزاعات، بدءا بليبيا ومرورا بسوريا وانتهاء بغزة. خلافا للدوحة فان السعودية تقوقعت على نفسها. وفقط في 2022، بعد اندلاع الحرب في اوكرانيا التي أدت الى ازمة في الطاقة، تم تصدع الشرخ الاول في العلاقة بين ابن سلمان والادارة الامريكية. هكذا كان الامر عندما ذهب الرئيس جو بايدن لطلب العفو من السعودية، وصافح ابن سلمان وطلب منه التكرم بزيادة انتاج النفط كي ينخفض سعره في السوق العالمية. بايدن تم الرد عليه بصفعة صارخة. ولكن العلاقات بين الادارة الامريكية والمملكة تم استئنافها وتوطدت وحولت ابن سلمان الى حليف حيوي في خطة تشكيل تحالف اقليمي، الذي يمكن أن يشكل الدرع الواقي امام ايران.
ملخص الفصول السابقة للعلاقة بين جو بايدن وترامب وابن سلمان هو ضروري لفحص وزن واستعداد السعودية للمساعدة في حل النزاعات الاقليمية والمشاركة في “الدرع الواقي” ضد ايران، التطبيع مع اسرائيل وصب اساسات حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. يجب تسجيل في صالح ابن سلمان منحنى تعلمه السياسي الذي يمكن أن يملي استمرار خطواته، سواء في الساحة الفلسطينية – الاسرائيلية أو في الساحة الايرانية. بشكل عام ولي عهد السعودية اصبح زعيم اكثر حذرا بكثير، الذي يصنف ويصفي بحرص الساحات التي يختار دخولها، ويبدو أنه يفضل مسار الدبلوماسية على مسار القتال.
استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر في 2021 ورفع المقاطعة عنها، بعد ذلك بسنة مع تركيا وبعد سنة اخرى مع ايران، يميز الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، التي محركها الرئيسي هو “صفر مشكلات مع الجيران”، واعادة بناء توازن النفوذ السياسي في المنطقة. مثلا، السعودية هي التي قادت العملية التي اعادت بشار الاسد الى الحضن العربي، بعد شهرين على استئناف العلاقات بين السعودية وايران. ولكن على الفور بعد سقوط النظام في سوريا على يد هيئة تحرير الشام في كانون الاول، سارعت السعودية الى الاتصال مع الرئيس الجديد احمد الشرع والاعتراف بحكمه والوعد بتقديم مساعدات اقتصادية له. أول أمس كان الشرع الضيف لدى ابن سلمان، في الزيارة الاولى له خارج سوريا.
السعودية ايضا كانت متورطة في عملية انتخاب الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، الذي اعلن بعد انتخابه بأن السعودية ستكون الدولة الاولى التي سيقوم بزيارتها. على اعتبار أنها الدولة التي ستساعد لبنان على اعادة الاعمار من دمار الحرب، الرياض ايضا دفعت بتعيين رئيس الحكومة في لبنان نواف سلام، وهي “تتابع عن كثب” تشكيل الحكومة في لبنان. ولكن يجب الانتباه بأنه طالما أن ايران كانت اللاعب الاول في لبنان وفي سوريا فان السعودية فضلت المراقبة من بعيد. ايضا عندما قررت شق الطريق أمام عودة الاسد الى الجامعة العربية فقد تم عرض هذه العملية وكأنها تتساوق مع المصالح الايرانية.
على خلفية ذلك يجب فحص ايضا التطلع الى رؤية في السعودية حجر الزاوية في تحالف عسكري اقليمي ضد ايران. ليس فقط أن السعودية ليست عضوة في التحالف العسكري الذي شكلته امريكا ضد الحوثيين في البحر الاحمر، بل هي ايضا اوضحت لواشنطن بأنها لن تسمح بالهجوم على ايران من اراضيها. يمكن التقدير بأنه حتى لو تحقق حلم التطبيع بين اسرائيل والسعودية، فان الاخيرة ستواصل الحفاظ على الوضع السياسي السليم الراهن لها أمام ايران.
التطبيع بين اسرائيل والسعودية لا يعني لعبة مجموعها صفر امام ايران، السعودية، ومن المهم توضيح ذلك، معنية بحلف دفاع مع الولايات المتحدة، وليس تحالف هجومي ضد ايران. غير المعروف حتى الآن ايضا هو ما هو توجه ترامب بالنسبة للقضية الايرانية. هل سيستأنف سياسة استخدام اكبر قدر من الضغط أم سيحاول عرض على ايران صفقة مفيدة تدفعها الى التوقيع على اتفاق نووي محسن. السعودية اتخذت قرار استراتيجي لتطبيق التطبيع مع اسرائيل، لكن بشروطها وبالوقت الذي تحدده، طالما أن الثمن السياسي مناسب.