هآرتس: بين “النصر المطلق” والحرب الخالدة
هآرتس 1/10/2024، عاموس هرئيل: بين “النصر المطلق” والحرب الخالدة
اسرائيل دخلت الى مرحلة جديدة في الحرب، قبل اسبوع من انقضاء سنة على اندلاع الحرب. أمس بدأ الجيش الاسرائيلي في ما وصف بـ “عملية برية مركزة” في جنوب لبنان. العملية العسكرية ستتركز على الاقل في المرحلة الاولى على البنى التحتية العسكرية التي اقامها حزب الله قرب الجدار، استعدادا للهجوم ضد مستوطنات ومواقع على الحدود الشمالية. بعد سلسلة الضربات التي تلقاها حزب الله في الاسابيع الاخيرة فانه من المرجح الافتراض أن حجم النيران التي بامكانه اطلاقها على اسرائيل تقلص بدرجة واضحة. مع ذلك فان بداية المرحلة البرية سيرافقها احتكاك عن قرب مع رجال حزب الله الذين بقوا في جنوب لبنان، وهي من شأنها أن تؤدي الى خسائر.
هجوم اسرائيل على حزب الله الذي ذروته كانت اغتيال رئيس الحزب، حسن نصر الله، سيكون بلا شك حدث تأسيسي في الشرق الاوسط. اسرائيل اضرت بشكل كبير بالقوة العسكرية لحزب الله واضعفت مكانته الاقليمية ووضعت علامة استفهام كبيرة ايضا على استراتيجية اسياده في ايران وعلى قدرتها الفعلية على تحقيق اهدافها الطموحة. بعد هجوم حماس في 7 تشرين الاول اعتقد رؤساء المحور الراديكالي الاقليمي بأن ضعف اسرائيل يسمح بتسريع “خطة التدمير” التي بدأت ايران في نسجها، ولكن الظروف الآن تتغير بسرعة. الآن طهران وتوابعها هم الموجودون في موقع الدفاع.
الزعيم الايراني الاعلى، علي خامنئي، يبدو أنه لم يقدر بأنه في جيل الـ 85 سيضطر الى أن يكون قائد في فترة الحرب. هو لا يقلق فقط من وضع رعاياه في ارجاء المنطقة، بل هو يقلق ايضا على مصير المشروع النووي الايراني، وربما حتى على استقرار حكمه. بعد سنة مترددة في الجبهة الشمالية اخذت اسرائيل زمام المبادرة في المواجهة وعرضت قدرة تكنولوجية وعملياتية تثير الانطباع. ربما أن الامر المقلق اكثر من ناحية ايران يتعلق بالاختراق الامني الذي انكشف في صفوف حزب الله. حسب تقارير اخرى (من بينها التقرير حول اغتيال اسماعيل هنية في طهران)، فان هذا الاختراق انزلق ايضا الى صفوفهم. بأثر رجعي يتبين أن رئيس حماس، يحيى السنوار، كان على حق عندما قرر عدم اشراك ايران وحزب الله في الهجوم في 7 تشرين الاول. ربما أن نقل السر الى الساحة الشمالية سيوقظ الاستخبارات الاسرائيلية من سباتها العميق في الجنوب.
في غزة، رغم النجاح العسكري الواضح امام حماس، إلا أن اسرائيل لم تتمكن من ترجمة هذه الانجازات الى تغير استراتيجي بعيد المدى. منذ فترة طويلة توصي المنظومة الامنية بالقيام بترتيبات جديدة في القطاع، بالاندماج مع تدخل دولي، واوصت بتحديد سلطة فلسطينية بديلة تشمل تمثيل للسلطة الفلسطينية. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عارض ذلك بشدة. عدد من اعتباراته كانت كما يبدو ايديولوجية، لكنه تأثر ايضا من معارضة شركائه في الائتلاف من اليمين المتطرف، الذين هم ايضا اهتموا بافشال أي تقدم نحو صفقة تبادل اخرى. في غزة، بصورة آخذة بالوضوح، نتنياهو لا يسعى الى النصر المطلق كما تبجح، بل هو يريد أن تكون الحرب خالدة.
إن خلق وضع جديد في لبنان مرهون بقوة انجازات اسرائيل العسكرية، اضافة الى الخطوات السياسية البديلة التي يجب البدء بها. هنا توجد صعوبة امام الادارة الامريكية التي في الحقيقة بررت معظم هجمات اسرائيل وسارعت الى تقديم المساعدة الدفاعية، لكنها غاضبة من خطوات نتنياهو. الامريكيون يغضبون من نتنياهو بسبب الاحباط المتعمد لجهود التوصل الى وقف لاطلاق النار، ولأن اسرائيل اهتمت بابلاغهم بشكل متأخر عن هجماتها. الآن هم يحذرون رئيس الحكومة من العملية البرية ويخشون من أنها ستؤدي الى تورط طويل في جنوب لبنان، وحتى حرب اقليمية. نتنياهو، كما تعود تقريبا منذ بداية الحرب بصعوبة يحسب حسابهم. والسؤال هو متى سيقوم بشد الحبل اكثر.
العملية البرية في لبنان تنطوي ايضا على خطر وقوع اصابات وتورط غير متوقع في السيطرة على الارض والتدهور الى عملية اوسع لحماية القوات التي ستدخل وتواجه المقاومة. وتدمير منشآت حزب الله في قرى جنوب لبنان يمكن أن يكون حبة مهدئة لسكان الشمال المخلين في اسرائيل، الذين سيترددون في العودة الى بيوتهم حتى بعد عمليات القصف في بيروت وفي البقاع. بالنسبة لهم الخطر الذي يجب علاجه يوجد وراء الجدار.
حنين غدار، الخبيرة اللبنانية في شؤون حزب الله في معهد واشنطن لابحاث الشرق الاوسط، كتبت في هذا الاسبوع بأن ايران ستحتاج الى سنوات من اجل اعادة بناء قدرة حزب الله العسكرية. وذكرت بأن حسن نصر الله كان رجل الاتصال الرئيسي للحزب مع ايران، وبالنسبة للكثير من الشيعة في لبنان كان شخصية رئيسية تقوم بالحماية والاعالة. ومن سيستبدلع سيضطر الى مواجهة فترة بائسة في الحزب. حزب الله عمل على تقديم الدعم العسكري واللوجستي للمليشيات المؤيدة لايران في ارجاء الشرق الاوسط. الآن ستفعل ذلك “قوة القدس” في حرس الثورة، التي سيحاول قادتها ايضا المساعدة في اعادة ترميم قدرات حزب الله في لبنان.
غدار تتوقع أن تجد ايران صعوبة في قيادة عملية هجومية حقيقية من لبنان ضد اسرائيل، ازاء ما حدث. وهي تعتقد أن الوضع الذي نشأ سيمكن المجتمع الدولي من المساعدة في ابراز قيادة بديلة للشيعة في لبنان وللدولة نفسها. العالم، حسب قولها، ستسنح له فرصة للاستثمار في مستقبل لبنان بعد وقف اطلاق النار. الولايات المتحدة يمكنها التأثير على التطورات بواسطة برنامج مساعداتها للجيش اللبناني، ودعم تشكيل حكومة تمثيلية حقيقية، غير مرهونة في يد حزب الله.
الادارة الامريكية في الحقيقة تنشغل في الاعداد للانتخابات الرئاسية، لكن خطورة الوضع في الشرق الاوسط يجب أن يحثها على اتخاذ خط ناجع اكثر واظهار مقاربة متشددة اكثر تجاه ايران وحزب الله. امير تيفون نشر في “هآرتس” بأن الولايات المتحدة حذرت ايران من أنه اذا حاولت مهاجمة اسرائيل، السيناريو المعقول ازاء الضربة التي تلقاها محور ايران، فان رد اسرائيل سيكون اكثر شدة من الرد في منتصف نيسان.
اسرائيل والولايات المتحدة يجب عليهما الاخذ في الحسبان ايضا ردود لايران من نوع آخر مثل تجاوز خط تخصيب اليورانيوم الى مستوى 90 في المئة، وهي خطوة كبيرة وعلنية الى الامام في اطار المشروع النووي الذي ترددت طهران في اتخاذها حتى الآن. مع ذلك، ايران تشعر الآن بأنها محمية بشكل اقل من مهاجمة المنشآت النووية. تهديد حزب الله، على شكل امكانية توجيه ضربة اخرى اذا تمت مهاجمة ايران، ضعف بشكل كبير. ايضا منظومات الدفاع الجوية الايرانية قابلة للاختراق بشكل كبير.
نقاط ضعف ايران واضحة جدا، الامر الذي يمكن أن يشجع تصريحات وتقديرات في صالح مهاجمة اسرائيل للمنشآت النووية، التي سمعت في السابق في الاستوديوهات، وربما تنزلق ايضا الى محيط نتنياهو. من سيدفع بهذا الاتجاه، بدون خطوات ايرانية واضحة للدفع قدما بانتاج القنبلة، يخاطر بازمة مباشرة مع الادارة الامريكية وبحرب اقليمية.
الامر المقلق جدا في الاسبوع الاخير هو حالة النشوة التي سيطرت على محللين وجنرالات في الاحتياط. يمكن تفهم الحاجة الى الاحتفال بالانجازات بعد 7 تشرين الاول، لكن من الجدير عدم الخطأ في التفكير بامبراطورية اسرائيلية عظيمة القدرات التي ستملي طلباتها على كل الشرق الاوسط. من الافضل التركيز على تحسين الواقع في جنوب لبنان بصورة تمكن من عودة سكان المنطقة الشمالية الى بيوتهم، وفي نفس الوقت عدم نسيان المخطوفين في غزة الذين تم ابعادهم عن أي حوار جماهيري.
فشل اخلاقي
في موضوع غزة يظهر مرة اخرى خطاب متزايد حول ما يسمى “خطة الجنرالات”، وهي الفكرة التي طرحها الجنرال احتياط غيورا آيلاند، والتي اساسها دفع مئات آلاف الفلسطينيين الذين بقوا في شمال القطاع نحو الجنوب، الى ما وراء ممر نيتساريم، ووقف ادخال الغذاء والمياه لمن يصممون على البقاء هناك. آيلاند يعتقد أنه بذلك يمكن زيادة الضغط على قيادة حماس في جنوب القطاع، وفي نفس الوقت العمل بشكل ناجع اكثر ضد مسلحي حماس الذين يعملون في شمال القطاع. وقد اوصى ايضا الجيش بالسيطرة على توزيع المساعدات الانسانية واخذها من يد المنظمات الدولية.
يوجد لهذه الخطة دعم متزايد، وحتى متحمس، في المستوى السياسي وقيادة المنطقة الجنوبية. من بين المؤيدين لتنفيذها مستوطنون ايضا الذين يعتبرون ذلك مدخل لاعادة اقامة المستوطنات في شمال القطاع، خلافا لتصريحات نتنياهو السابقة. ايضا في الجيش يمكن ايجاد ضباط لهم اجندة ايديولوجية وعلاقات سياسية متشعبة يعملون على تنفيذها. صوت رئيس الاركان هرتسي هليفي لم يسمع بعد حول ذلك. رغم أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي الى تعقيد دولي وتعريض حياة المخطوفين للخطر.
إن الدفع قدما بهذه الافكار من وراء الكواليس يندمج بشكل جيد مع تعزز نفوذ الضباط المسيحانيين في مناصب رفيعة في الفرق التي تعمل في القطاع. في حواسيب احدى الفرق تظهر نافذة مخصصة لنقل المساعدات الانسانية للسكان وبجانبها عنوان “نقل المؤن للعدو”. عندما تكون هذه هي الروح السائدة فلا غرابة أن قادة في الميدان لا يسارعون الى السماح بنقل المساعدات كما هو مطلوب. أو أن قادة كبار من بينهم يفسرون أنه لا يوجد أي معنى لأوامر فتح النار، لأن أي فلسطيني يدخل الى منطقة تحظر الحركة فيها يعتبر مخرب بالتأكيد ويستحق الموت. هيئة الاركان فشلت بشكل منهجي في فرض سلوك قيمي والمطالبة بالانضباط العملياتي للقوات في القطاع. الآن عندما انتقل كل التركيز الى الشمال فان الوضع يزداد خطورة.
في هذه الاثناء حصلت فرقة احتياط على بلاغ بحسبه سيتم تمديد خدمتها لبضعة اسابيع، حتى شهر تشرين الثاني. ايضا في اوساط الجنود في الجيش النظامي، الذي بعض وحداته تقاتل في القتال منذ اليوم الاول للحرب، يمكن تشخيص علامات استفهام. البعض منهم تذكروا برنامج “ارض رائعة” عن النصر المطلق، الذي تم بثه في شهر شباط: نتنياهو يلتقي مع جنود في القطاع ويشرح لهم بأنه في نهاية “العمل الممتاز” الذي قاموا به في جنوب القطاع، يجب عليهم العودة مرة اخرى الى الشمال لأنه لم يكلف نفسه عناء اقامة هناك سلطة بديلة لحماس. وبعد ذلك سيعودون مرة اخرى الى الجنوب وهكذا دواليك.
في الشمال وفي الجنوب الجيش الاسرائيلي يضرب بقوة حزب الله وحماس، ولكن عندما تسنح فرصة استراتيجية للتغيير فان اسرائيل تتجاهلها أو تختار حلول مشكوك فيها. خطوات نتنياهو محسوبة اكثر على الصعيد السياسي: ضم جدعون ساعر للحكومة مع الذيل بين الارجل يعزز الائتلاف ويصعب القدرة على الابتزاز من قبل ايتمار بن غفير. يوجد لنتنياهو، بشكل حتى قبل بضعة اشهر ظهر أنه غير معقول، جميع النوايا للبقاء في الحكم لسنتين قادمتين، حتى موعد الانتخابات المخطط لها في الاصل. في الطريق الى هناك يمكن أن يتمسك نتنياهو بخطة الحرب الخالدة، حتى لو كانت الانجازات الاخيرة ستتآكل، والاقتصاد سيستمر في التحطم والمخطوفين سيبقون في غزة ليموتوا في الانفاق.