هآرتس: بينما تستعد ايران للمعركة، تقاتل على مستقبل حزب الله

هآرتس 6/10/2024، تسفي برئيل: بينما تستعد ايران للمعركة، تقاتل على مستقبل حزب الله
وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، زار بيروت في يوم الجمعة ودمشق في يوم السبت. على لسانه كانت بشرى قاسية لمواطني لبنان: “نحن سنقف الى جانب لبنان”. اقواله اثارت ردود فعل حادة في الشبكات الاجتماعية: “ايران تنام بهدوء ولبنان يدفع الثمن”، كتب متصفح على شبكة “اكس”. “أنتم سلبتم الدولة والآن تأتون لتقفوا الى جانبنا؟”، غضب معقب آخر واضاف: “خراب لبنان بذنبكم”. في مواقع الاخبار وفي المقابلات مع الخبراء في التلفزيون اللبناني وفي الدول العربية، السؤال المركزي في نهاية الاسبوع لم يكن اذا كانت اسرائيل ستهاجم لبنان، بل متى. الاجماع العام في اسرائيل وفي دول المنطقة هو أن الرد الاسرائيلي هو قدر أو قوة طبيعية لا يمكن وقفها. لكن في الوقت الذي تتوتر فيه الاعصاب، فان القيادة اللبنانية بالذات وعلى رأسها نجيب ميقاتي، نبيه بري وخصوم حزب الله، يحاولون منذ الآن ترسيم اليوم التالي. فهم يتطلعون الى تحقيق ما لم ينجحوا في تحقيقه في السنوات الثلاثة الاخيرة: تعيين رئيس يشكل حكومة ذات صلاحيات تقود لبنان الى حل سياسي وتوقف تخريب الدولة.
يشارك في هذه المبادرة زعماء دول الخليج وعلى رأسهم ولي العهد ابن سلمان الى جانب زعماء اتحاد الامارات، قطر، مصر، الولايات المتحدة وفرنسا، كلها باستثناء الامارات تحاول منذ سنتين احداث هذه المعجزة السياسية في لبنان. أما الآن فهي تشخص فرصة جديدة بعد تصفية القيادة العليا لحزب الله، سحق قوة القيادة المدنية في المنظمة والكارثة الانسانية الناشئة جراء الهجمات الاسرائيلية. فرضية العمل هي أن القيادة السياسية في لبنان ستنجح في التغلب على الخلافات السياسية التقليدية التي دهورت الدولة الى الازمة الاقتصادية والسياسية الاصعب منذ نهاية الحرب الاهلية. وذلك لأن اكثر من مليون وربع نسمة نزحوا من بيوتهم وعشرات آلاف آخرون بقوا بلا مأوى على الاطلاق؛ اكثر من 200 ألف شخص، معظمهم لاجئون سوريون، لكن ربعهم مواطنون لبنانيون، فروا الى سوريا، الدولة التي تمزقها حرب ولا تعتبر آمنة للاجئين. والمستشفيات لا تؤدي مهامها ولبنان يحتاج الى مساعدة انسانية تشير الى اقترابه من الوضع في غزة.
في هذه المجموعة تتخذ السعودية خطا متصلبا يطالب باقامة حكومة تكنوقراط، وهو تعبير معروف من الساحة الفلسطينية في المداولات على نفوذ حماس ومعناه ابعاد حزب الله عن كل تدخل سياسي. السعودية معنية بأن تنزع من الحركة معاقلها المدنية وامكانية تحولها الى قوة نظامية. لكن لبنان ليس غزة: المبنى الطائفي الديني فيه يضمن ليس فقط تعاون الشيعة الذين هم الاغلبية في الدولة، بل ايضا دور حزب الله الذي يمثلهم، وهذا يجعل من الصعب جدا تحييد المنظمة عن الساحة السياسية. قطر ومصر تعترفان بهذه الصعوبة وتقترحان فهما اكثر واقعية، يتمثل بمطالبة المنظمة بتنازلات سياسية جوهرية في مسألة تعيين رئيس الدولة، واساسا الموافقة على تطبيق قرار 1701.
لكن في هامش هذه المداولات حين اجتمع وزراء خارجية دول الخليج في الدوحة والتقى بعضهم بالرئيس الايراني، عرضت طهران موقفا متشددا ضد هذا المنحى. فهي تخشى أن يكون من شأنه ايضا أن يبعدها عن الساحة السياسية المحلية وليس حزب الله فقط. بعد يومين كرر عراقجي الصيغة التي وضعها حزب الله وتقول “وقف نار في غزة ولبنان يكون بالتوازي”، أي أن ايران لم تتنازل بعد عن الربط بين الساحات، وهكذا اوضحت لقوات حزب الله بأن عليها أن تواصل المواجهة مع اسرائيل طالما لا يوجد وقف نار في غزة.
ومع ذلك، من شأن ايران أن تجد نفسها امام جبهة لبنانية داخلية مختلفة عن تلك التي في بداية الحرب. السؤال الذي سيكون الآن موضع اختبار هو هل القوى السياسية في لبنان المعارضة لحزب الله سترغب وتستطيع خلق منتج سياسي جديد. منتج يمكنه على الاقل أن يفرض ارادته على حزب الله وعلى ايران، حتى لو لم ينجح في ابعاد المنظمة تماما عن التدخل السياسي. من المتوقع لايران أن تكافح بكل قوتها ضد هذه النتيجة التي من شأن معناها أن يكون فقدان المعقل الاستراتيجي الاهم لها في الشرق الاوسط.
وهذا لأن حكومة لبنانية بدون حزب الله أو مع حزب الله ضعيف معناها ليس فقط فرض انسحاب قواته من جنوب لبنان الى ما وراء الليطاني، بل ايضا جهد لنزع سلاح المنظمة حسب قرار 1701. يمكن لايران ايضا ان تفترض بأن لاحقا ستنزع الحكومة الشرعية عن فكرة المقاومة التي منحت حزب الله مكانة الجسم اللبناني العسكري الوحيد الذي يمكنه أن يتصدى للتهديد الاسرائيلي. حكومة كهذه، تقصقص الاجنحة السياسية لحزب الله، سبق أن كانت للبنان في 2006، برئاسة فؤاد السنيورة.
هذا ليس التخوف الوحيد الذي يوجه ايران: فأمام ناظريها يوجد ايضا تعيين رئيس لا يعتبر مؤيدا لحزب الله واقامة حكومة يكون التمثيل الشيعي المسيطر فيها لحركة أمل. هذه الخطوات ستفتح على مصراعيها استعداد السعودية لأن تصبح مرة اخرى رب البيت في لبنان مثلما كانت في عهد رفيق الحريري وابنه سعد. المعنى هو أن السعودية كفيلة بأن تتصدر اعمار لبنان وتقوض الاساس الاقتصادي الذي منح لحزب الله وبشكل غير مباشر لايران، التأييد المدني. العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران، وان كانت استؤنفت في آذار 2023، إلا أن الدولتين لا تزالان تلعبان لعبة مبلغها الصفر، وليس لايران أي نية للتنازل عن لبنان.
لكن مثلما درج نصر الله على القول فان “التطورات في الميدان هي التي ستملي السياسة”. الانسجام السياسي بين خصوم حزب الله لم يصل بعد الى النضج، والمقت السائد بينهم ينافس ما يشعرون به تجاه المنظمة. لا يقين في أن ينجحوا في توحيد الصفوف حتى في ضوء خراب لبنان. لا يزال حزب الله يبدي قدرة قتالية رغم فقدان قادته الكبار، وخريطة الطريق السياسية التي تبدو اليوم مثالية من شأنها أن تتبخر اذا بدأت مواجهة اقليمية في اعقاب الهجوم الاسرائيلي المرتقب ضد ايران.