هآرتس: بوليصة التامين من الهجمات العسكرية واسقاط النظام هي السير نحو النووي

هآرتس 2/7/2025، يشاي هلفر: بوليصة التامين من الهجمات العسكرية واسقاط النظام هي السير نحو النووي
صوت كوريا الشمالية لم يسمع اثناء الحرب التي اندلعت في الشهر الماضي بين اسرائيل وايران، لكن ربما في الغرف المغلقة في بيونغ يانغ تنفسوا الصعداء بسبب التجربة النووية الاولى التي قامت بها كوريا، ليس في الفترة الاخيرة، بل في العام 2006.
في الـ 12 للحرب شاهد العالم بأن دولة تطمح أو تهدد بالاندفاع نحو السلاح النووي غير محصنة من هجمات على منشآتها النووية أو اغتيال قادتها، وبالفعل ايران اثبتت ان استراتيجية الدفاع هذه هي استراتيجية فاشلة.
الرسالة للايرانيين هي: اركضوا نحو السلاح النووي من اجل ان تتمكنوا من الردع”، قال للصحيفة الدكتور الون ليفكوفيتش، الخبير في شؤون آسيا وكوريا في جامعة بار ايلان، والذي اطلق على البرنامج النووي الكوري “برنامج تأمين متطور هكذا اذا كانت الحرب اظهرت الحاجة الى ترتيب والرقابة على الميزان النووي العالمي فانه لم تسمع اصوات، على الاقل في السنوات الاخيرة، تدل على هجوم قريب على المنشآت النووية لكوريا الشمالية.
ما هو الامر الذي يمنع في الواقع هجوم عسكري على البرنامج النووي لكوريا الشمالية؟ الجواب الفوري والقصير حسب مايكل مادن، وهو من مركز ابحاث ستايمسون في واشنطن، هو “انفجار نووي ضخم”. حسب تقديرات استخبارية فان كوريا الشمالية تملك ليس اقل من 50 رأس نووي متفجر، وأي مس بها سيؤدي الى كارثة انسانية وبيئية، منذ لحظة الانفجار وحتى التداعيات النووية في كل المنطقة. هجوم من الجو ايضا يمكن ان يضر بالخطأ باراضي الصين أو روسيا، وهما الدولتان النوويتان اللتان لهما حدود مع كوريا الشمالية، الامر الذي سيؤدي الى اندلاع حرب اوسع.
لكن هناك مخاطرة لا تقل عن ذلك وهي رد كوريا الشمالية على مثل هذا الهجوم. “كوريا الشمالية اوضحت بان أي هجوم مباشر بشكل يشبه العملية الامريكية ضد المنشآت النووية الايرانية سيتم الرد عليه بهجوم نووي ضد كوريا الجنوبية وربما اليابان”، قال مادن.
هذا التهديد اصبح عابر للقارات في 2022 عندما نفذت كوريا الشمالية تجربة لصاروخ بالستي عابر للقارات (آي.سي.بي.ام) من نوع جديد، صحيح ان الصاروخ في الحقيقة سقط في البحر، لكنه كما يبدو له مدى بعيد كاف ليشمل اراضي الولايات المتحدة في بنك الاهداف لكوريا الشمالية. “الهدف كان الاظهار للامريكيين – الآن نحن يمكننا تهديد ليس فقط الحلفاء والقوات في المنطقة، بل ايضا بلادكم”، قال ليفكوفيتش.
ايضا بدون سلاح نووي فان منظومة المدافع والصواريخ لكوريا الشمالية تشكل تهديد مباشر للمنطقة، لا سيما كوريا الجنوبية. لكن حسب اقوال ليفكوفيتش فان التقديرات التي اجريت في السابق بشأن المس بمنظومة السلاح التقليدية هذه اوضحت بان هذا الهجوم سيكون معقد وسيحتاج الى موارد ضخمة”.
ثلاثة لقاءات مع كيم
حسب “نيويورك تايمز” فان المشروع النووي لكوريا الشمالية موزع على 28 موقع على الاقل، الاكبر من بينها والاكثر نشاطا هو موقع بيونغ بيون الذي يتم فيه انتاج البلوتونيوم المطلوب للسلاح النووي. والرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون فحص امكانية مهاجمته في 1994؛ موقع تخصيب اليورانيوم في كينغسون قرب بيونغ يانغ، الذي تم كشفه للعالم عندما نشر رئيس كوريا كيم جونغ أون صور له وهو يتجول في الموقع بين اجهزة الطرد المركزي؛ موقع التجارب النووية بونغي – ري الموجود في شمال شرق كوريا، حيث هناك نفذت التجربة النووية الاولى في 2006؛ مصنع الصواريخ في في هامهونغ، المدينة الثانية من حيث حجمها في كوريا الشمالية. عدد من هذه المواقع توقف، وتم تقليص العاملين فيها، أو أنه تم اغلاقها في اطار محادثات دبلوماسية. ولكن الخبراء يقولون بأنه تم اعادة بناءها.
رغم التجربة النووية الاولى لكوريا الشمالية في 2006 (بعد ذلك جاءت خمس تجارب اخرى، آخرها في 2017)، فانه فقط بعد بضع سنوات، في 2022، سنت الدولة قانون ينص على أنها دولة لديها سلاح نووي، الامر الذي يثبت حقها في تنفيذ هجمات وقائية للدفاع عن نفسها. الولايات المتحدة لا تعترف رسميا بالقدرة النووية لكوريا الشمالية، رغم أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب ذكر ذلك عدة مرات، والجيش الامريكي يرى ذلك حقيقة منتهية في رؤيته الاستراتيجية.
ترامب الذي التقى مع كيم ثلاث مرات في 2018 و2019 في اطار المحادثات التي يتم تذكرها بشكل خاص من “رسائل الغرام” بين الرئيسين، لم ينجح في التقدم في قضية نزع السلاح النووي رغم مقاربته الدبلوماسية الاستثنائية – في اللقاء الاخير بين الرئيسين تجاوز الرئيس الامريكي حتى خط الحدود ودخل رسميا الى حدود كوريا الشمالية.
بعد مغادرة ترامب للبيت الابيض في 2021 فان كرة كوريا الشمالية انتقلت الى يد وريثه جو بايدن. الرئيس الديمقراطي الذي تبنى مقاربة حذرة اكثر تجاه بيونغ يانغ في موازاة تعزيز العلاقات مع كوريا الجنوبية، لم يتوصل الى انعطافة رغم أنه لم يستبعد الالتقاء مع كيم اذا “اظهر الجدية” بخصوص تفكيك البرنامج النووي في بلاده. في فترة ولاية بايدن حطمت كوريا رقم قياسي جديد في تجربة الصواريخ. الآن بعد نصف سنة على ولاية ترامب الثانية، يبدو أن قضية كوريا الشمالية لا توجد على رأس سلم اولويات الادارة الامريكية.
مهندسو مسيرات ذهبوا الى روسيا
حتى لو كانت عيون العالم تشخص الان نحو ايران، إلا ان الموجات الارتدادية لم تقفز عن كوريا الشمالية. على المدى الفوري يوجد لضعف النظام في طهران والمحور الذي تترأسه، تداعيات على التعاون الامني بين الدول. حسب مادن فان كوريا الشمالية قامت خلال السنين بارسال الى الجمهورية الاسلامية مستشارين من صناعاتها الامنية (على الاقل أحد متعهدي السلاح لكوريا الشمالية كان له مكتب في طهران”، قال مادن. “والى جانب التجارة المدنية مثل النسيج الخام، فان كوريا الشمالية ايضا يبدو أنها تساعد ايران في مشاريع البناء وعمليات النقل”.
في موازاة ذلك ضعف محور ايران يمكن ان يدفع اكثر كوريا الشمالية الى حضن روسيا. في السنوات الاخيرة، قال مادن، كوريا الشمالية ارسلت الى روسيا 11 ألف جندي من وحدات المشاة والوحدات الخاصة من اجل مساعدتها في حربها في اوكرانيا. هذه المساعدة تمت المصادقة عليها بشكل علني، سواء من قبل روسيا أو كوريا الشمالية. وحسب قوله فانه في الشهر القادم يتوقع ان ترسل كوريا الشمالية حوالي 6 آلاف مهندس الى الجبهة الداخلية الروسية. في المقابل، كوريا الشمالية ستحصل على السلاح والنفط ومنظومات دفاعية.
حسب اقوال ليفكوفيتش فان التفوق الجوي لاسرائيل الذي حققته في سماء ايران “اثبت لايران وروسيا ايضا الاشكالية في منظومات سلاحهم، الامر الذي سيلزم جميع الاطراف بـ “اعادة النظر” في احتمالية اشتعال عسكري وحول منظومات الدفاع – ايضا في سياق تهديد الصين بغزو تايوان. واضاف بانه يقدر الآن بأنه في ايران تتم اعادة هندسة مسيرات اسرائيلية سقطت في اراضيها. وذكر بأنه “نحن نرى منظومات دفاع ومسيرات لكوريا الشمالية، التي تحتوي على عناصر اسرائيلية”.
استضافة تجربة نووية
على المدى الابعد التحديات التي يكتنفها هجوم عسكري على المشروع النووي لكوريا الشمالية، تظهر الحاجة الى حل دبلوماسي. ولكن هل نفس سلة العصا والجزرة التي تمت تجربتها لسنوات ستقنع كيم بالتنازل عن الترسانة النووية، التي هي بوليصة تأمين النظام في بيونغ يانغ وعائلته؟. كما قلنا الدرس من ايران هو التمسك بالقدرة النووية. بشكل عام الدكتور ليفكوفيتش يذكر بأن كويا الشمالية سبق لها وخدعت المراقبين الدوليين في السابق.
كوريا الشمالية تقدمت بشكل كبير في انتاج وتطوير السلاح النووي بحيث ان احتمالية تنازلها عنه هي معدومة”، قال مادن. “مع ذلك هي بالتاكيد منفتحة على تقديم معلومات معينة عن مشروعها، وربما السماح للمراقبين الدوليين بالقاء نظرة على مواقع معينة بشكل محدود”. واضاف بأنه ربما يمكن اقناع بيونغ يانغ بتجميد أي تطوير جديد للمشروع مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.
هناك احتمالية مقلقة اكثر يطرحها ليفكوفيتش وهي استضافة تجربة ايرانية نووية في كوريا الشمالية. الزعيم الايراني يقول: “نحن لا نطمح الى السلاح النووي، ولكنهم في كوريا الشمالية سيكونون مسرورين مقابل مبلغ معين لاجراء التجربة لصالحهم. هكذا أنت تخلق وضع الذي بشكل رسمي لا تعلن فيه بانك دولة نووية، لكن الجميع يعرفون أنك دولة نووية ولا يمكنهم فرض عقوبات عليك، لأنك لست انت الذي اجريت التجربة”.
المشروع النووي لكوريا الشمالية لن يختفي. هناك خبراء يطالبون بالتسليم بالقدرة النووية لبيونغ يانغ في أي اتفاق مستقبلي، آخرون يطالبون باقامة آلية دولية جديدة لتسوية وضع السلاح النووي في العالم، تأخذ في الحسبان ايضا دول نووية غير رسمية، مثل، حسب منشورات اجنبية، اسرائيل. الدكتور ليفكوفيتش اشار ايضا الى رئيس كوريا الجنوبية الجديد لي جيا ميونغ، الذي تسلم منصبه في بداية شهر حزيران ووعد باستئناف الحوار مع الجارة الشمالية.
ربما بالذات ترامب مع اسلوبه المنفعي وحبه للقمم الشخصية مع الزعماء، سينجح في احداث التغيير مع ذلك اذا قرر تكريس جهوده لذلك. مادن قال بان اللقاء الاخير بين الرئيس الامريكي وكيم مثل تفاعلا شخصيا أكثر من قمة دبلوماسية.
قيادة كوريا الشمالية تعطي اهمية كبيرة للعلاقات الشخصية والاتصالات الشخصية”، قال مادن. “اللقاءات الثلاثة بالتاكيد منحت كوريا أهمية معينة. فهم دائما يصدرون منشورات، في حالة بيونغ يانغ دعاية، من هذه التفاعلات”. وحسب قوله اذا ازداد التوتر السياسي والعسكري في شبه الجزيرة الكورية فانه “توجد لترامب قناة ممتازة في كوريا الشمالية، الامر الذي يمكنه من أن يكون عامل في صنع السلام”.