هآرتس : بنيامين نتنياهو ليس تشرتشل، بل هو العكس بالضبط

هآرتس – ميراف ارلوزوروف- 11/2/2025
هذه ليست معضلة تشرتشلية، هذه وحشية تتمثل في التخلي عن المواطنين وتركهم يموتون تحت التعذيب، وغباء مواصلة الحرب الى الأبد بدون فائدة عسكرية. لو كان تشرتشل على قيد الحياة لما كان ليتردد للحظة، وكان قراره سيكون مخالف لقرار نتنياهو .
بنيامين نتنياهو يعتقد، ويقوم باقناع نفسه ومحيطه، أنه زعيم تاريخي بمستوى ونستون تشرتشل. هكذا جاء طموحه لتشكيل “شرق اوسط جديد”، وهكذا ايضا المبرر للتخلي عن المخطوفين كما فعل تشرتشل عندما قصف مدينة كوفنتري. تشرتشل عرف عن نية النازيين قصف المدينة بسبب حل شيفرة الرسائل الالمانية بواسطة آلة حل الشيفرات “انغيما” – البريطانيون نجحوا في حل شيفرة الالمان، الامر الذي منح الحلفاء افضلية استراتيجية اغلى من الذهب – لكنه فضل عدم تحذير سكان المدينة كي لا يشك الالمان بأنه تم حل الشيفرة خاصتهم. هكذا، اختار تشرتشل بشكل متعمد التخلي عن مواطنيه ليموتوا في القصف من اجل ضمان النصر المطلق في الحرب العالمية الثانية. هذه معضلة اخلاقية فقط الزعماء الكبار مثل تشرتشل ونتنياهو يمكنهم تجاوزها.
لكن هذا الاقناع الذاتي المشوب بجنون العظمة لا يصيب قلب الحقيقة. اولا، حادثة تشرتشل وكوفنتري لم تحدث. ابحاث تاريخية كشفت أن البريطانيين عرفوا أنه يتوقع أن يكون هناك قصف كثيف، لكنهم لم يعرفوا لأي مدينة سيوجه. لذلك، تشرتشل لم يواجه في أي يوم هذه المعضلة الاخلاقية. ثانيا، حل الشيفرة بواسطة آلة “انغيما” كان حدث استراتيجي، ساهم في حسم الحرب وانقاذ حياة عشرات ملايين الاشخاص. ادارة المخاطر عندما يتعلق الامر بالحفاظ على سر يمكن أن ينقذ كل العالم بثمن التضحية ببضعة آلاف الاشخاص، لا تشبه ادارة المخاطر الموجودة امام نتنياهو الآن.
خلافا لذلك فان نتنياهو يفحص الآن التضحية بحياة المخطوفين، ويبدو ايضا التضحية ببضع عشرات أو مئات الجنود في حرب جديدة في غزة، باسم “النصر المطلق”، من اجل منع عودة حماس للسيطرة في غزة. ولكن لا توجد أي امكانية عسكرية حقيقية لتدمير سلطة حماس (باستثناء الاحتلال المتواصل لغزة، وعندها ايضا حماس لن يتم اجتثاثها، مثلما هي ناشطة وقائمة في الضفة الغربية). وخطر الانسحاب من غزة هو خطر اقل قيمة. فحماس لا تعتبر تهديد وجودي لدولة اسرائيل. اسرائيل واجهت اعداء اكثر خطرا منها على حدودها – في حرب الايام الستة، النصر الاكبر لاسرائيل، لم نقم باحتلال القاهرة ولم ندمر نظام ناصر – مع الجيش الاكبر في الشرق الاوسط هي تعرف كيف تواجه قطاع غزة تحت سلطة حماس.
بشكل مناقض لعملية “انغيما” فان مغادرة قطاع غزة تحت حكم حماس ليست حدثا وجوديا، ولا تعرض حياة الملايين للخطر. المعضلة الاخلاقية هنا بسيطة جدا: انهاء الحرب مع حماس بعد هزيمتها بقوة والقضاء على جزء كبير من قدراتها، مثلما فعلنا بالجيش المصري والجيش السوري في حرب الايام الستة (ومرة اخرى في حرب 1973)، أو مواصلة الحرب بلا فائدة مع تضحية بالارواح لا حاجة اليها. الامر لا يتعلق فقط بالتضحية بالأحياء، بل يتعلق بالتضحية بالمخطوفين ليموتوا تحت التعذيب وهم مكبلون في الانفاق ويموتون بسبب الجوع. هذا هو الوحشية بحد ذاتها من ناحية نتنياهو.
التخلي عن المخطوفين ليموتوا تحت التعذيب هو خطر استراتيجي اثقل من ابقاء حماس في السلطة في القطاع: السكان لن يعودوا الى بيوتهم القريبة من الحدود بسبب المعرفة بأنه اذا تم اختطافهم فان دولة اسرائيل تقتلهم بالتعذيب، والجنود لن يذهبوا للمحاربة بسبب الادراك بأن حياتهم مهمة مثل قشرة الثوم، والنسيج الاجتماعي في اسرائيل سيتفكك عندما يتبين أن مصلحة الحكم تسبق مصلحة المواطنين.
هذه ليست معضلة تشرتشلية، هذه وحشية تتمثل في التخلي عن المواطنين وتركهم يموتون تحت التعذيب، وغباء مواصلة الحرب الى الأبد بدون فائدة عسكرية. لو كان تشرتشل على قيد الحياة لما كان ليتردد للحظة، وكان قراره سيكون مخالف لقرار نتنياهو.