ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم يوسي ميلمان – ما تقوم إسرائيل بحفره تحت مفاعل ديمونا النووي ؟

هآرتس – يوسي ميلمان – 3/3/2021

بدأت أعمال البناء الإسرائيلية في الموقع النووي في أواخر عام 2018 أو أوائل عام 2019. قد يكون ذلك من أجل دفن النفايات المشعة أو لمجرد محاولة لمكافحة الشيخوخة .

الصورة : مفاعل نووي إسرائيلي في ديمونا قيد الإنشاء ، شوهد من صورة أقمار صناعية بلانيت لابز إنك ، كانون الثاني (يناير) 2020 ، الائتمان  أسوشيتد برس .

بدأت أعمال البناء الإسرائيلية في الموقع النووي في أواخر عام 2018 أو أوائل عام 2019. وقد يكون ذلك من أجل دفن النفايات المُشعَّة، أو مجرد جهد لمكافحة الشيخوخة التي ضربت أوصال المفاعل النووي.

أعمال الحفر التي تجرى أسفل مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي والتي كشفت عنها صور التقطتها الأقمار الصناعية، قد تكون بهدف دفن نفايات نووية، أو عمليات ترميم لمعالجة آثار الشيخوخة التي بَدَت على قَسَمَات المفاعل وإطالة أمد صلاحيته للعمل. ومع ذلك، يرى يوسي ملمان، أن نشر هذه الصور في الوقت الحالي يُسبب حَرَجًا لإسرائيل في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران.

المفاجأة الوحيدة في صور الأقمار الصناعية التي تُظهِر عمليات بناء مكثفة داخل مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي تتمثل في أن هذه الصور لم تُنشَر إلا في هذا التوقيت. وبدأت القصة بصور التُقِطت في أوائل يناير (كانون الثاني) عبر قمر صناعي تجاري صيني،«سوبر فيو-1» (SuperView-1)، والتي شاهدها لاحقًا باحثون مستقلون من جامعة برينستون يُعرفون باسم اللجنة الدولية للمواد الانشطارية (IPFM).

مفاعل ديمونا .. طاحونة شائعات

في الأسبوع الماضي، قدَّمت شركة «بلانيت لابس» (Planet Labs) الأمريكية للأقمار الصناعية صورًا عالية الدقة لأعمال البناء. وكان لهذه الصور تأثير كبير في جميع أنحاء العالم عندما نشرتها وكالة «أسوشييتد برس» يوم الخميس. والجهة التي كُلِّفت بالتقاط هذه الصور هي نفسها الجهة التي طلبت من الشركة الأمريكية تصوير حقل يقع غرب مدينة بيت شيمش، ويظهر على خرائط الطيران المدني بوصفه منطقة مغلقة. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأجنبية، هذا هو المكان الذي توجد فيه قاعدة الجناح 2 الجوية، وهو المكان الذي تُخزَّن فيه صواريخ أريحا أرض-أرض، التي يمكن تسليحها برؤوس حربية نووية.

وهناك عشرات الأقمار الصناعية المَدَنيَّة الإسرائيلية التي تسبح في الفضاء، بما في ذلك الأقمار الصناعية التي صنعتها شركة «إيماج سات» الإسرائيلية. ثم هناك جميع الأقمار الصناعية العسكرية التي تطوف حول الأرض إلى حد كبير من أجل التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية والتنصُّت.

وفي هذا المسعى أيضًا، تتمتع إسرائيل بحضور كبير من خلال أقمارها الصناعية «أفق» التي تعمل منذ أكثر من 30 عامًا. لذلك، من المفترض أن الأقمار الصناعية من كلا النوعين كانت تصور أعمال البناء في ديمونا لبعض الوقت. ولسبب ما، لم تحظَ هذه الصور باهتمام وسائل الإعلام الدولية سوى الآن، مما أدى إلى تسريع طاحونة الشائعات.

وتُظهِر الصور أعمالَ حفرٍ على مساحة ملعبٍ لكرةِ القدم، بعمقِ 20 مترًا، ما يوازي أربعة أو خمسة طوابق تحت الأرض. وفي عام 1986، سرَّب الفني النووي مردخاي فانونو، لصحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، أنه على طول المبنى الرئيس الذي تعلوه قبة فوق قلب المفاعل، وعلى طول مدخنة انبعاثات الغاز، توجد سلسلة من المباني المعروفة باسم معهد ماشون.

وقال إن أحد هذه المباني، وهو المعهد رقم 2، يمتد إلى ستة طوابق تحت الأرض، ويحتوي على قاعات إنتاج للمواد الانشطارية، بما في ذلك وحدات استخراج البلوتونيوم.

وبعد تسريباته لوسائل الإعلام، في 30 سبتمبر (أيلول) 1986، اختُطِف فانونو في روما على يد عملاء الموساد، الذين نقلوه على متن سفينة إلى إسرائيل، حيث حُكِم عليه بالسجن 18 عامًا. ومُنع من مغادرة البلاد منذ إطلاق سراحه عام 2004.

تسرب النفايات النووية

وفي متابعة للموضوعات التي نشرتها وكالة «أسوشييتد برس»، أثيرت فرضية مفادها أن التوسُّع في ديمونا يهدف إلى بناء موقع حديث جديد لمعالجة النفايات المُشعَّة. يقول البروفيسور عوزي إيفن، الخبير في البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي عمل ذات مرة في المفاعل: «إنه افتراض معقول».

ويحتوي المفاعل، المعروف أيضًا باسم «مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية»، بالفعل على مَكَب كبير للنفايات النووية تجرى صيانته وفقًا لأعلى المعايير. وبالإضافة إلى خدمة المفاعل النووي، يُستخدَم المَكَب لتخزِين النفايات المُشِعَّة من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك نفايات (النظائر) من أقسام الطب النووي في المستشفيات.

وعلى مدار سنوات، دُفِنت النفايات المُشِعَّة في براميل معدنية على عمق بعيد تحت الأرض في مركز الأبحاث. وفي تسعينيات القرن الماضي، تصاعدت المخاوف من أن البراميل ستتآكل وتتسرَّب منها النفايات إلى الأرض، وتسبب التلوث. وكان هذا الخوف مدعومًا بالتقارير حول علامات التلوث في «الحفرة الصغيرة» الشهيرة في إسرائيل القريبة من الموقع.

وقد دفع هذا وزير البيئة آنذاك، يوسي ساريد، وعديد من لجان الكنيست إلى الأمر بإجراء تفتيش، لكن النتائج لم تكن واضحة. وعلى أي حال، وَعَد مديرو هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، وما زالوا يقدمون الوعود حتى اليوم، بأن سلامة المفاعل، بما في ذلك منع التسريبات الملوثة، تقف على رأس أولوياتهم. وكما هو الحال مع أي نوع من أنواع إزالة النفايات، تزداد الحاجة إلى إزالة النفايات المُشِعَّة ودفنها، مما يستلزم مساحة أكبر. ويعتقد البروفيسور إيفن أن هذا يفسِّر البناء في المفاعل.

مَنْ الذي بنى مفاعل ديمونا؟

في عام 2005، أخبرني تسفي كامل، أحد مؤسسي مفاعل ديمونا، أنه قبل سنوات استُخدِمت أوعية زجاجية بدلًا من البراميل المعدنية وقلَّل ذلك على نحو كبير من مخاطر التسرب والتلوث. وعلى مدار 16 عامًا، ترأَّس كامل، الذي توفي عام 2010، لجنة السلامة النووية (المكونة من ممثلين من هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية ووزارة البيئة ومسؤولين آخرين).

ويُشرِف كل من الهيئة واللجنة على سلامة الموقع في ديمونا ومركز سوريك للأبحاث النووية الأصغر بكثير، والواقع بالقرب من الساحل جنوب تل أبيب. وعلى الرغم من أن لجنة السلامة قد تأسست على نحو مستقل عن هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، بحيث لا نُسلِّم القط مفتاح الكرار، كما كان الحال، فإن الروابط بين الجهتين واضحة وكان لهيئة الطاقة الذرية دائمًا تأثير أكبر.

وبدأ بناء مفاعل ديمونا عام 1958 وانتهى عام 1963 بموجب قرار سري من جانب الحكومة الفرنسية (وكُشِف عنه منذ ذلك الحين). وقامت الشركات الفرنسية بأعمال البناء، على غرار المفاعلات الأخرى حول العالم.

وعلى الرغم من أن إسرائيل أكدت أن المفاعل كان مخصصًا فقط للأبحاث و«الأغراض المدنية السلمية»، فسرعان ما ذكرت وسائل الإعلام الدولية أن الغرض عسكري– وهو تصنيع أسلحة نووية.

وبحسب عديد من التقارير، كان هذا هو السبب في زيادة إسرائيل لقدرَة المفاعل المعلنة من 24 ميجاواط إلى 50 ميجاواط (وحتى 75 ميجاواط، بحسب بعض التقديرات الأجنبية). وتشير هذه التقارير، إلى جانب المعلومات التي قدمها فانونو، إلى أن إسرائيل استخدمت المفاعل لإنتاج قنابِل بلوتونيوم وقنابِل يعتمد تصنيعها على اليورانيوم المخصب.

صيانة حيوية

وفقًا لتقارير أجنبية، لكي تجعل القنابل أقوى من تلك التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، حصلت إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي على التريتيوم (أحد نظائر الهيدروجين) من جنوب أفريقيا. وكان ذلك في ذروة التعاون العسكري والعلمي والنووي مع نظام الفصل العنصري (حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى إلغاء النظام بين الأعوام 1990- 1993).

ويبلغ عُمْر النصف بالنسبة للتريتيوم 24 عامًا، وبذلك يتطلب صيانة في نهاية هذه المدة. وبناءً على كل هذه المعلومات، قدَّر خبراء نوويون ووكالات استخباراتية ومعاهد بحثية دولية وفانونو، أن لدى إسرائيل من 90 إلى 200 قنبلة نووية، وهي سادس أكبر ترسانة في العالم بعد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وقبل الهند، وباكستانى، وكوريا الشمالية.

ومن الصعب أن نتخيل أن البناء في مركز الأبحاث يهدف إلى زيادة الإنتاج؛ هذا أمر لا معنى له. إذا كان لدى إسرائيل بالفعل واحدة من أكثر الترسانات النووية تطورًا وحداثة، كما يقال، فإن قنبلة واحدة أكثر أو أقل لن تؤثر في قدرتها في كلتا الحالتين. ويُفترض أن إسرائيل يمكنها أيضًا إغلاق المفاعل دون الإضرار بقوتها الإستراتيجية وقوتها الرادِعة.

يعتقد البروفيسور إيفن أن هذا هو بالضبط ما يجب فعله، لكن من غير المرجَّح أن يحدث هذا. إن مفاعل ديمونا رمز لقوة إسرائيل وقدرتها على الردع. وسيُنظَر إلى إغلاقه على أنه أشبه بقص خصلات شعر شمشون (يشير إلى شخصية شمشون الجبار الرجل الخارق القوى الذي يكمن سر قوته في شعره الطويل، وسلَّط عليه أعداؤه امرأة داهية هي «دليلة»، فقصَّت له شعره وهو نائم وسلمته إلى أعدائه).

وعلاوةً على ذلك، بما أن إسرائيل لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فلن تسمح أي دولة لها ببناء مفاعل جديد. ولا تملك إسرائيل القدرة لبناء مفاعل جديد، لذلك من الضروري أن تستمر الحكومات الإسرائيلية في الحفاظ على مفاعل ديمونا وضمان سلامته.

ومتوسط ​​«فترة الصلاحية» لمفاعلات الماء الثقيل – مثل ذلك الموجود في ديمونا – هي من 40 إلى 50 سنة على الأكثر. وأُغلِقت بالفعل مفاعلات مماثلة في الولايات المتحدة وفرنسا.

ووجدت هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، التي كانت تفكر بجدية في قضية المفاعل القديم، حلًّا في مجال جهود مكافحة شيخوخة المفاعل. وبمساعدة الخبراء الفرنسيين، أُطِيل عُمْر المفاعل عن طريق حقن المواد التي تعزز الغلاف الخرساني لقلب المفاعل، الذي يحتوي على مكونات الوقود النووي حيث تحدث التفاعلات النووية وتتولد الحرارة.

وفي ندوة عُقِدت عام 2004، قال مسؤولون من الهيئة إن حلَّهم سيُطيل عُمْر المفاعل 20 عامًا على الأقل. وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون تاريخ انتهاء الصلاحية الجديد للمفاعل هو نهاية هذا العقد، وذلك في حال لم يُعْثَر على حل تكنولوجي جديد أو – لا قدر الله – يُغلَق المفاعل بسبب حادث كبير.

وفيما يتعلق بتوقيت نشر الصور، هناك تفسيران محتملان متضاربان. أحدها أن المصدر كان تسريبًا من إدارة بايدن بهدف إرسال إشارة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم الوقوف في الطريق عندما يفكر البيت الأبيض في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني ويرفع العقوبات عن إيران. والتفسير الثاني الأكثر ترجيحًا هو أن التوقيت كان عشوائيًّا.

وعلى أي حال، فإن نشر هذه الصور لا يخدم مصالح إسرائيل. وتُفضِّل إسرائيل، قبل ثلاثة أسابيع من انتخاباتها العامة الثالثة في غضون عامين، عدم لفت الأنظار إليها بوصفها قوة نووية، بينما تحاول الإدارة الأمريكية إنهاء انتهاكات إيران للاتفاق النووي.

ومع ذلك، تزوِّد هذه التقارير إيران بالأساس بالذرائع التي تستند إليها في شكاواها المتكررة: لماذا يضايقنا العالم؟ نحن لا نمتلك أسلحة نووية، بينما يعلم الجميع أن إسرائيل تمتلكها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى