هآرتس – بقلم يوئيل زنغر – خطة المراحل الثلاثة لحل النزاع
هآرتس – بقلم يوئيل زنغر – 17/12/2021
” حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين لن يأتي في أي يوم دفعة واحدة، بل على مراحل، خطوات، تقرب الطرفين منه. ويجب تصنيف القضايا الى ازواج بحيث يتنازل احد الطرفين في قضية مقابل تنازل الطرف الآخر في قضية اخرى مساوية من حيث قيمتها. مثلا اقامة ميناء فلسطيني مقابل اصلاح في المنهاج التعليمي “.
في مجال السياسة يوجد الآن في اسرائيل معسكران اساسيان وهما معسكر “كل يهودا والسامرة هي لنا” ومعسكر “لا يوجد شريك للسلام، اذا في هذه الاثناء سنحتفظ بيهودا والسامرة كورقة مساومة”. الاقوال التالية موجهة فقط لمصوتي معسكر “لا يوجد شريك”. أنتم على حق مرتين. اليوم لا يوجد شريك فلسطيني أو شريك اسرائيلي. رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، الذي كان مدير عام مجلس “يشع”، الذي يؤيد ضم احادي الجانب ليهودا والسامرة (جميع الارض أو جزء منها) بالتأكيد هو ليس شريك في سلام. اذا اصبح يئير لبيد رئيسا للحكومة فمن المشكوك فيه اذا كان قادر على صنع السلام لأن يده ستكون مقيدة بالاتفاق الائتلافي، الذي يعطي حق الفيتو لاحزاب اليمين الاعضاء في الائتلاف. لدى الفلسطينيين الوضع ليس افضل. من المشكوك فيه أن محمود عباس، الكبير في السن والضعيف سياسيا، يريد صنع السلام، وعلى أي حال، من المؤكد أنه لا يستطيع تحقيقه. اضافة الى ذلك، السنوات التي مرت منذ توقيع اتفاقات اوسلو، ليس فقط تلاشت قاعدة الدعم للسلام لدى الشعبين، بل تبين أنه في كل طرف ما زالت توجد نواة صلبة ومهيمنة تسعى الى اقامة دولة فلسطينية واحدة أو دولة يهودية واحدة، من البحر الى النهر. اذا كان الامر هكذا فيمكن الافتراض بدرجة كبيرة من الثقة بأنه على الاقل في الجيل القادم لن يكون سلام بين اسرائيل والفلسطينيين، أي أنه لن يتم التوصل الى اتفاق يؤدي الى انهاء النزاع. في هذه الاثناء الطرفين متكتلين في تمسكهما بمبدأ “كل شيء أو لا شيء”، أي أنه اذا لم يكن بالامكان التوصل الى حل كامل متفق عليه فمن الافضل أن لا يتم فعل أي شيء. أنا اعتقد أن وجهة النظر هذه خاطئة من ناحية الطرفين، لكني سأكتفي بتحليل الوضع من الجانب الاسرائيلي.
في سنوات الجيل التي مرت منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو زاد عدد المستوطنين في يهودا والسامرة ووصل الى نصف مليون مستوطن (باستثناء القدس). بعد جيل آخر سيتضاعف العدد ويصبح مليون، الامر الذي سيضمن أنه لن تكون هناك في أي يوم أي امكانية للتوصل الى سلام (الامر الذي هو الآن مشكوك فيه). المجتمع في اسرائيل يمر بعملية زيادة تطرف، فيها مظاهر كراهية العرب واليسار وحتى اعضاء متعدلين من اليمين، اصبحت قاعدة. مستوطنون متطرفون يقومون بالاعتداء بشكل متواتر على فلسطينيين دون أن تمنعهم الحكومة من ذلك. في موازاة ذلك، زادت ايضا كراهية الفلسطينيين لاسرائيل. غياب حل (أو حتى عملية) سياسي ليس فقط أدى الى يأس أو لامبالاة في اوساط الطرفين، بل وجدت ايضا ارضية واسعة لنشاطات دولية مناوئة لاسرائيل. محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تواصل مناقشة دعاوى فلسطينية ضد اسرائيل. وفي القريب رجال الجيش وسياسيين اسرائيليين سيخافون من السفر الى الخارج كي لا يتم اعتقالهم. حركة “بي.دي.اس” تجند المزيد من المؤيدين الذين يقاطعون اسرائيل. المزيد من الاعضاء في الحزب الديمقراطي الامريكي اوقفوا دعمهم التلقائي لاسرائيل، وبعضهم، الذين ما زالوا حتى الآن اقلية، انتقلوا لدعم الفلسطينيين. في معظم الجامعات الامريكية العداء لاسرائيل في اوساط الطلاب والمحاضرين اصبح ملموس جدا. ايضا في اوساط يهود الولايات المتحدة، خاصة الشباب، حدث تآكل كبير في تأييد اسرائيل. وليس عبثا اعلن سفير اسرائيل السابق في الولايات المتحدة، رون ديرمر، بأنه على اسرائيل أن تركز على تأييد المسيحيين الافنغلستيين اكثر من التركيز على دعم يهود الولايات المتحدة. مع ذلك، الاستطلاعات التي اجريت مؤخرا تظهر انه ايضا في اوساط الشباب في الجالية الافنغلستية تضاءل الدعم لاسرائيل. رغم أن هذه الظواهر تتطور ببطء إلا أنها آخذة في الازدياد. ذات يوم، بعد 10 أو 20 أو 30 سنة سينشأ جيل في الولايات المتحدة يكون معاديا لسياسة اسرائيل. اسرائيل ستكتشف فجأة أنها فقدت دعم الولايات المتحدة وستجد نفسها وحيدة في العالم، مقاطعة ومنبوذة وعالقة في واقع من دولة ثنائية القومية وتحارب الى الأبد موجات من الانتفاضة.
رغم أن معظم الاسرائيليين يدركون هذه الظواهر إلا أنهم لا يربطون هذه النقاط ببعضها ولا يشخصون الكارثة المقتربة. لهذا يوجد سببين. الاول، الوضع الاقتصادي والسياسي الآن افضل مما كان في أي وقت، والناس يميلون الى الاعتقاد بأن هذا الوضع سيبقى على حاله. الثاني، يصعب على عقل الانسان التسليم بأن الدولة تسير في طريق مسدود. لذلك هو يتهرب من التفكير بالمستقبل. اسرائيل الآن تشبه الضفدع التي توجد في وعاء ماء موضوع على النار ويتم تسخينه بالتدريج. كلما ارتفعت درجة حرارة المياه فان الضفدع تتعود على الوضع ولا تعود تنتبه للسخونة الى أن تصل الحرارة الى 100 درجة مئوية والضفدع تموت. عندما ترتفع الحرارة الى 35 درجة، مثلا، اسرائيل ستفهم فجأة ماذا يحدث. ولكن عندها لن تكون قادرة على التراجع عن الشرك الذاتي الذي دخلت اليه عندما نقلت مليون يهودا الى يهودا والسامرة.
لكن لم يعد كل شيء ضائع. الآن اريد أن اعرض خطة ستمكن اسرائيل من البدء من الآن في التقدم نحو سلام اسرائيلي – فلسطيني، اذا تخلت فقط عن مبدأ “كل شيء أو لا شيء”، وأن تتبنى بدلا منه خطوات صغيرة نحو السلام. وهذه هي مباديء الخطة. في اساس الاقتراح يقف الاعتراف بأنه لا يمكن التوصل في جيلنا الى اتفاق سلام كامل، ويجب السعي الى التقدم نحو حل بطريقة الاتفاقات الجزئية. من اجل تجنب نقاشات عبثية حول امور لفظية يجب التركيز على حل المشكلات بصورة فعلية، بدون نصوص وبدون خطابات. من الافضل أن يتم اجراء الاتفاقات في البداية بدون أن تكون مكتوبة، بل كسلسلة من العمليات احادية الجانب، متبادلة، متفق عليها ومنسقة. اذا كان هناك فيما بعد مصلحة مشتركة لوضع الاتفاقات بصورة مكتوبة، يجب تجنب الانشغال بالتصريحات اللفظية على صيغة مطالبة اسرائيل بأن يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة يهودية، مواضيع مكانها هو في اتفاق السلام النهائي.
بصورة فورية، والى حين أن يصعد الى الحكم في الشعبين قادة جدد يريدون ويستطيعون تقديم تنازلات كبيرة من اجل السلام، أي على الاقل في الـ 3 – 4 سنوات القادمة، اسرائيل تقوم بسلسلة مبادرات انسانية واقتصادية لتحسين رفاه السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة. السلطة الفلسطينية من ناحيتها تقوم بخطوات لاستئناف التعاون مع اسرائيل في مواضيع مدنية مختلفة. مثلا، الطرفان يمكنهما التعاون في مكافحة وباء الكورونا، من خلال قيام اسرائيل بالتبرع بمئات آلاف التطعيمات للسلطة. في المقابل، اسرائيل تجمد بصورة احادية الجانب وبهدوء البناء خارج الكتل الاستيطانية وتقوم بخطوات واضحة ومتواصلة ضد المستوطنين الذين يلحقون الضرر بالفلسطينيين.
حتى هنا خطتي تشبه الخطط التي طرحها في السابق ميخا غوتمان وآخرين، والتي يمكن تصنيفها معا كسلالات مختلفة من “السلام الاقتصادي”. هدف هذه الخطط هو فقط تخفيف الاحتلال الاسرائيلي، لكن ليس حل النزاع. وبهذا فانها تستطيع أن تقود فقط الى تثبيت الحكم الذاتي والاحتلال. خطتي في المقابل، تتضمن مراحل اخرى.
في المرحلة الثانية، وخلال السنوات الثلاث أو الاربع التي تعقب ذلك، المشكلات التي هي بحاجة الى حل، التي لا يوجد لها بعد جغرافي، يتم تنظيمها في ازواج في نظام يتصاعد من الخفيف الى الثقيل. وتعالج بسلسلة من الاتفاقات الجزئية والمنفصلة؛ هذا ينفذ بحيث أن كل اتفاق يتكون من تنازل فلسطيني في موضوع مقابل تنازل اسرائيلي مساوي في القيمة بهذا القدر أو ذاك في موضوع آخر، دون أي اتفاق اطار شامل بخصوص القائمة الكاملة من المواضيع المشحونة والتي تحتاج الى تسوية وموعد لتطبيقها. على سبيل المثال، يمكن مناقشة في هذه المرحلة انشاء ميناء بحري فلسطيني واعطاء مصادقة على اعادة فتح القنصلية الامريكية في شرقي القدس، مقابل اتخاذ خطوات فلسطينية لمنع التحريض والدعاية المعادية واصلاح مناهج التعليم والكتب التعليمية وتجميد الدعاوى ضد اسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
في المرحلة الثالثة، التي يمكن أن تتداخل في جزء منها مع المرحلة الثانية، يجب التقدم نحو توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية الجغرافية. عندما وضعت مفهوم مناطق أ و ب وج في اطار اتفاقات اوسلو اقترحت أنه بعد تأسيس هذه المناطق اسرائيل ستقوم بالمزيد من اعادة الانتشار (النبضات) الصغيرة في عددها، في مواعيد سيتم تحديدها حسب اعتباراتها، لكن اقتراحي تم رفضه. بسبب مطالبة فلسطينية، اسرائيل وافقت على أن يكون هناك ثلاث نبضات كبيرة يفصل بينها، بصورة اعتباطية، ستة اشهر. في نهاية المطاف، كما خشيت، اسرائيل جمدت تنفيذ النبضة الثالثة.
في المرحلة الثالثة يمكن ايضا العودة الى تطبيق اقتراحي الاصلي، بسلسلة من الاتفاقات الصغيرة والمنفصلة. اسرائيل ستنقل الى المسؤولية الفلسطينية مناطق اخرى من منطقة ب (22 في المئة من يهودا والسامرة مع 450 قرية فلسطينية) بحيث تتحول الى منطقة أ. ومناطق اخرى من منطقة ج (60 في المئة من اراضي يهودا والسامرة) التي ستتحول الى منطقة ب، هذا بهدف أن نخلق بالتدريج تواصل جغرافي فلسطيني، أو على الاقل توسيع الكتل الفلسطينية بدون المس بقدرة الجيش على العمل مثلما يحتاج الامر في المناطق الاخرى، ومن خلال الاخذ في الحسبان المصالح الاسرائيلية الاخرى. كل خطوة كهذه ستتم بعد التأكد من أن الشرطة الفلسطينية يمكنها تحمل المسؤولية عن المنطقة المضافة، بما في ذلك زيادة عدد رجال الشرطة ومعداتهم. خلافا لما كان عند الخروج من قطاع غزة، فان اعادة الانتشار ستتم من خلال التنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية. كل اتفاق جزئي كهذا يرافقه تنازل فلسطيني مساوي في القيمة.
أنا لا اعرف اذا كانت هذه العملية ستقود في نهاية المطاف الى سلام كامل، لكن مجرد البدء بها يمكن أن يبث الامل لدى الشعبين، ووقف العمليات السلبية وربما حتى تحويلها بصورة تفيد الطرفين. على أي حال، اذا كان السلام الكامل ممكن في أي يوم، فأنا اعتقد أننا سنصل اليه فقط بهذه الطريقة، وليس بطريقة الضربة الواحدة.
تنفيذ هذه الخطة مشروط بالطبع بتبنيها ايضا من قبل الفلسطينيين. ولكن اذا رفضوا قبولها فهناك حسب رأيي مصلحة اسرائيلية لتنفيذ اجزاء منها بصورة احادية الجانب.
ليس لدي وهم بأن هذه الخطة سيتم تبنيها قريبا من قبل أحد الطرفين. كل طرف سيفضل، لاسبابه، الانتظار وعدم فعل أي شيء الى أن تندلع الانتفاضة الثالثة أو الرابعة (أو أي تطور كارثي آخر)، الذي ربما سيجعل الطرفين يقومان بفحصها.
في هذه الاثناء اعضاء الحكومة ومصوتي معسكر “لا يوجد شريك” يجب أن يسألوا انفسهم هل هم يريدون تبني خط تفكير موشيه ديان، الذي اقترح عشية حرب يوم الغفران أن تنفذ اسرائيل انسحاب احادي الجانب من اجل السماح بفتح قناة السويس وخلق ديناميكية ايجابية بين اسرائيل ومصر في محاولة لتجنب حرب، أو أنهم يفضلون التمسك بمقاربة غولدا مئير التي رفضت اقتراح ديان لأنها اعتقدت بأنه يجب عدم القيام بأي انسحاب لا يكون في اطار اتفاق سلام شامل.