ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم نير حسون – المدرجات الجبلية ليست ابتكارا مسجلا!

هآرتس – بقلم  نير حسون  – 27/8/2021

” إن محاولة الاستحواذ على ملكية المدرجات الموجودة في جبال القدس هي محاولة سخيفة. ومن الواضح أن العرب الذين عاشوا في هذه الجبال حتى العام 1948 قد ساهموا بشكل كبير في تشكيل هذا المشهد الطبيعي “.

من يصل في هذه الايام الى الشارع الواقع بين محمية جبل الطيارين ورماترزئيل في جبال القدس، يرى مشهد دراماتيكي: سفح واسع كله محروق، منقط بهياكل اشجار محروقة. ولكن الحريق كشف ايضا شبكة المدرجات الرائعة. البنية التحتية للمنظر الطبيعي لهذا السفح، الذي اخفته الاشجار لعشرات العقود. هذا المشهد فتح نقاش حول مسألة لمن تعود هذه المدرجات؟ مدرجات جبال يهودا هي يهودية، قالت مور التشولر (“هآرتس”، 24/8)، ردا لعى حنين مجادلة (“هآرتس”، 19/8). لذلك حسب رأيها، اشجار الصنوبر التي زرعتها الكيرنكييمت لم تستهدف اخفاء هذه المدرجات، لكن الحقيقة اكثر تعقيدا واهمية.

المسطبة هي العلامة الاكثر وضوحا على مشهد – ثقافة، الذي تم انتاجه على أيدي اشخاص في عملية طويلة استمرت لعشرات ومئات السنين. عظمة المسطبة في بساطتها. فهي مصنوعة من جدار داعم منخفض وطويل مبني من حجارة محلية بدون اسمنت. ومهمته هي منع الانجراف وحفظ التربة خلفه من اجل السماح بزراعة المحاصيل. تأريخ المدرجات في جبال يهودا هو مسألة علمية معقدة يجب عدم الخلط بينها وبين النقاش السياسي، الصبياني الى درجة معينة، في مسألة من كان الاسبق هنا ولمن يعود هذا المشهد. 

النقاش العلمي الاهم في هذه المسألة جرى في 2016 من قبل طاقم باحثين برئاسة الدكتور يوفال غدوت من جامعة تل ابيب. وقد استخدموا طريقة “أو.اس.ال” التي تؤرخ للعهد الاخير الذي فيه كشفت حبيبات الكوارتس، التي توجد في اعماق ارض المسطبة، لاشعة الشمس. نتائج البحث كانت قاطعة: الباحثون عثروا على بعض المسطبات التي عمرها 1500 – 2000 سنة (لا يوجد منها أي مسطبة من فترة التوراة). ولكن الاغلبية المطلقة للمسطبات لا يزيد عمرها عن 400 سنة. من هنا، المشهد المدهش لهذه المسطبات في جبال القدس هو نتاج عمل المزارعين الذين قاموا بفلاحة الارض في الفترة العثمانية، العرب الفلسطينيون من سكان البلاد الذين في معظمهم طردوا أو هربوا في النكبة في 1948. 

البحث اثار الخلاف. باحثون آخرون قالوا إن طريقة “أو.اس.ال” قامت بتأريخ اعادة بناء المسطبة وليس زمن اقامتها. سؤال آخر تم طرحه وهو كيف يمكن أن تكون مدينة صغيرة جدا مثل القدس العثمانية والقرى الصغيرة المحيطة بها، هي التي قامت بصيانة شبكة كبيرة من المدرجات. ولكن البحث اكد الحقيقة التاريخية التي تقول إن الفلاحين العرب هم على الاقل اصحاب الدور الاكبر في تشكيل هذا المشهد الطبيعي لجبال يهودا.

من يبحث عن المزيد من الاثباتات على العلاقة الوثيقة بين الفلاحين الفلسطينيين والمدرجات يجدها على طول الخط الاخضر في وادي الاشباح “ناحل رفائيم” في جنوب القدس. من اليسار تظهر مسطبات جميلة تم الاعتناء بها لقرى بتير والولجة، ومن اليمين غابات الصنوبر التي تغطي منظومة مسطبات شبه مدمرة للقرى التي كانت توجد هناك حتى العام 1948. 

مجادلة على حق في الادعاء بأن اشجار الصنوبر هي عدوة المسطبة. ليس فقط لأن أحد اهداف زراعتها هو محو المشهد السابق، بل ايضا بسبب شبكة جذورها القصيرة. في كل مرة تسقط فيها شجرة صنوبر، الامر الذي يحدث في مرات كثيرة، تأخذ معها جزء من المسطبة. التدمير الاكبر للمسطبات في جبال القدس كان كما يبدو في شتاء 2013 عندما أدت عاصفة ثلجية قوية الى سقوط عشرات آلاف اشجار الصنوبر. الحريق الذي اندلع في الاسبوع الماضي في جبال القدس كشف من جهة منظومة مسطبات مدهشة مثل التي توجد في رماترزئيل. من جهة اخرى، عندما تبدأ اشجار الصنوبر المحترقة بالسقوط في القريب فهي ستدمر معها المسطبات. 

عندما تنتقل المسألة العلمية حول تأريخ المسطبات الى المجال السياسي، هي تخضع لعملية تسطيح وتجريد من الانسانية. التشولر  قالت إن المسلمين “ورثوا” تقنية المسطبات من المزارعين اليهود الذين قاموا بفلاحة المسطبات التوراتية المسطحة. الامر الذي يعني أن اليهود اعادوا بأنفسهم في 1948 ممتلكاتهم مرة اخرى. ولكن ممن ورث اليهود هذه المدرجات؟ هل من الكنعانيين؟ الكنعانيون ممن ورثوها؟ من مزارعي العصر الحجري الحديث؟ محاولة الاستحواذ على هذه الملكية هي أمر سخيف. المشهد الطبيعي، بشكل خاص المقدسي، هو تراكم لسنوات كثيرة من مجمل الثقافات والهويات، ولا توجد حاجة الى بحث علمي معقد من اجل معرفة أن العرب الذين عاشوا في الجبال حتى العام 1948 ساهموا بشكل كبير في تشكيل هذا المشهد الطبيعي، سواء أنهم ورثوا مسطبات قديمة أو لا. 

المدرجات ليست اختراع مسجل. هي جزء من روتين حياة اناس حقيقيين عاشوا هنا. قبل 73 سنة هؤلاء الناس تم طردهم من اراضيهم، ومنذ ذلك الحين بذلت جهود لطمس وجودهم في المشهد الطبيعي وفي التاريخ. مثل اشجار الصبر هكذا المسطبات هي خاتم على المشهد الطبيعي، هي تذكار. والتنكر لمن تم تهجيرهم وللخاتم الذي أبقوه هو هرب من الحقيقة ومن آلام احفادهم. المسطبات هي كنز هندسي، معماري وثقافي، لا مثيل له، وهو جزء من قصة هذه البلاد. يجب على الدولة أن تطور وتحافظ على هذا الكنز، وعلى المواطنين العقلانيين النظر مباشرة الى المشهد الطبيعي والى الحقيقة التي تختفي وراءه وهي أن المسطبات التي توجد تحت رماترزئيل قام ببنائها سكان قرية كسلا التي كانت توجد في هذه المنطقة حتى زمن النكبة. في الاحصاء البريطاني الذي جرى في 1931 تم احصاء 299 شخص في هذه القرية. وكان فيها عائلتان، عائلة حزاين وعائلة عياد.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى